ديانا مقلد
الأرجح أنها كانت تبتسم للصورة من خلف نقابها.. طالبة الطب الشابة البريطانية «بنت أسامة» كما وضعت على تغريدتها المرفقة بصورتها ظهرت وهي ترتدي النقاب والمئزر الأبيض النقي وتحمل في يدها رأسا مقطوعا. رأس لا نعرف لمن وكيف جز على هذا النحو المروع لينتهي بيد هذه الفتاة المنتقبة المنتصبة لالتقاط الصورة فيما بدا إلى جانبها طفلان يتابعان المشهد الغرائبي بعنفه وسخريته في آن.
أي افتتان مجنون هذا الذي يدفع بطالبة طب إلى ترك بريطانيا والالتحاق بـ«الدولة الإسلامية» أو «داعش» في سوريا! وأي شياطين أقنعت هذه الشابة بأن تتباهى بوقوفها حاملة رأسا مقطوعا وقربها طفلان ذاهلان لا ندري كم من رأس شاهدا قبل تلك اللقطة وربما بعدها.
و«بنت أسامة» هذه ليست وحدها، إذ خلال أسابيع قليلة باتت تصلنا عشرات الصور والأخبار عن فتيات وشابات منهن مراهقات تركن بيوتهن وعائلاتهن في بريطانيا وأوروبا والغرب والتحقن بـ«الدولة الإسلامية» في سوريا وملأن صفحات التواصل الاجتماعي تغريدات وصور حول «مغامراتهن» في بلاد «داعش» العجائبية.
وهذا الانتقال السريع لجهاديات «داعش» من مكان إلى آخر نقيض ومن نمط حياة إلى ثان مغاير تماما والانفصال عن الأهل والمجتمع ليس فعلا عابرا، فكما شكلت «داعش» ملاذا للخارجين عن مجتمعاتهم من الرجال لا تبدو النساء بعيدات عن هذا السياق. لقد أتت الداعشيات من هوامش كثيرة ليتحولن إلى جزء أصيل من تلك الدائرة المتوحشة التي تنشر الذعر وتثير الخوف والاهتمام معا. ولأنهن من خلفيات مختلفة يصعب إدراجهن في خانة تحليل واحدة وهنا يقع الإعلام في سهولة تصوير هؤلاء النساء بأنهن ضحايا أزمات اجتماعية والتوقف عند هذا المعطى فقط. قيل إن الملتحقات بـ«داعش» من أوروبا أتين للزواج وللمساعدة في حقول مختلفة وللترويج للتنظيم.. ربما.. لكن هذا قد لا يكون الوجه الوحيد للحقيقة.
لقد سبق أن شاركت نساء في أعمال قتل وكن جزءا من منظمات عنيفة في أكثر من نزاع ومنطقة وفي أغلب الحالات كان انضمام النساء إلى تلك التنظيمات هو لنفس الأسباب التي دفعت بالرجال إلى الالتحاق. وتقول دراسات أمنية إن العمليات الانتحارية التي نفذتها نساء ما بين عامي 1981 و2007 بلغت نسبتها 26 في المائة من مجمل العمليات.
هؤلاء الملتحقات بـ«داعش» من الغرب هم في الأغلب من الجيل الثاني من أبناء المهاجرين المسلمين خصوصا من جنوب آسيا، كما الرجال. هن من جيل ما بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) واللواتي شعرن بأن هويتهن العرقية والدينية مستهدفة وكان يسهل تغذية هذا الشعور عبر خطب وفتاوى كثيرة.
تقول «بنت أسامة» إنها تأثرت بخطب رجل الدين الأميركي من أصل يمني «أنور العولقي».. وقبل وجود «داعش» تأثرت بريطانية شابة من أصل آسيوي بخطبه وحاولت عام 2010 قتل نائب منطقتها في بريطانيا دون أن تفلح وها هي في السجن تمضي عقوبة مدى الحياة. ليس «داعش» بتنظيم يؤمن بدور المرأة ومكانتها لكنه تنظيم خطير لا محظورات ولا حدود لجنوحه وعنفه وهؤلاء الفتيات والنساء ورغم محدودية دورهن في مركز القرار إلا أنهن بتن جزءا من عبثية هذا التنظيم. وهن إذ لم يسهمن بإضافة فعلية إلى مستويات عنفه إلا أنهن أضفن بعدا مشهديا ضاعف من تناقضات هذا التنظيم ومن وحشيته وذلك عبر حضورهن الغرائبي الصاخب.
896 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع