زينب حفني
أرى بأن كامليا في الفصول اللاحقة من سيرتها، قد نجحت في تصوير معاناتها إبّان اعتقالها بتهمة التخابر. فتصف بالفصل السادس أيام سجنها بقبو سجن التوحيد: «كانت زنزانتي أشبه بسرداب فارغ جدرانه بيضاء وبابه من الحديد الأزرق.. بدأتُ بحل الواجب الذي قرره المستجوب.. أرادوا أن يعرفوا عدد أصحابي من الشبان وماذا كنّا نفعل معاً، وما مدى تديّن أبي!..».
وفي موضع آخر تصف كيف تمَّ حشرها بإحدى الغرف قبل أن ينظر القاضي في التهم الموجهة لها «.. فتح ملفاً وقرأ.. إن لك صلات بمصادر إسرائيليّة وتتجسسين لدولة إسرائيل.. تعملين لمصلحة وسائل إعلام أجنبيّة..». وترد عليه كامليا مدافعة عن نفسها «صدّقني، لا شيء من هذه الاتهامات صحيح.. أنا كاتبة، ومراسلة صحافيّة..».
وعودة إلى الفصل الخامس حيث تمَّ استخدام (الفلاش باك) في كتابة فصول الكتاب وهو أسلوب مُتّبع حديثاً بالأدب الروائي. تصف كامليا كيف تحوّل المجتمع الإيراني من الانفتاح إلى الانغلاق فتقول: «في منتصف عام 1981 أصبح ارتداء الحجاب إجباريّاً للنساء. ووضع أصحاب الدكاكين لافتات على واجهاتها تقول: إننا نتحفّظ بحق رفض خدمة النساء اللائي لا يرتدين الحجاب». وفي موضع آخر تقول: «في عام 1979 قررت الحكومة الإسلامية الجديدة أن تُغيّر الثقافة.. حُرّم اختيار أسماء معينة للمواليد الجُدد من بينها اسم كامليا».
في الفصل السابع تتحدّث كامليا عن الصور القاتمة المصاحبة للحرب العراقيّة الإيرانيّة فتقول: «ملأت فوضى الثورة والحرب التي تلت طفولتنا بالمحن والندم. كان جيلي مع بلوغه سن الثانية عشرة، يُصبح حاد الذكاء وساخراً.. في فترة المراهقة أصبحت أيام غسل الأدمغة من الماضي! وأتّضح لسوء الحظ أننا نحن (أطفال الثورة) لم نكن متحمسين كثيراً للثورة. لقد تعلمنا بالأسلوب الصعب كيف نعيش تحت سطوة القانون الإسلامي».
في الفصل التاسع تستعيد كامليا ذكرياتها مع الصحافة، وتحكي عن عملها بالمجلة الأسبوعيّة «زِن روز» وكان ذلك بعد أن قرأت على غلافها أنها تُخصص ست صفحات للفتيات التي تتراوح أعمارهن ما بين الثالثة عشرة والثامنة عشرة، فحملت ملفها الضخم الذي يحتوي على صور من قصائدها ومقطوعاتها الأدبيّة المنشورة.
في الفصل الحادي عشر تقول: «في خريف 1998 بدأ الخوف يُجثم على الكتّاب الذين يُسهمون في الصحف الإصلاحيّة والمثقفين المعارضين للحكومة، كما لم يحدث من قبل.. وسط عمليات الاغتيال تلك، تابعتُ ركوب المخاطر. كنتُ متيقنة من أنّي بإصراري على حرية الصحافة إنما كنتُ أساعد على ضمان حرية الإيرانيين العاديين».
في الفصل الثاني عشر، تحكي كيف تمَّ تجنيدها قبل خروجها من السجن «.. تقولين إنكِ مستعدة لتنفيذ أي شيء تحتاج إليه المنظمة! هل تُريدين أن تُصبحي أحد الجنود المجهولين؟، أومأتُ إيجاباً». في موضع آخر تقول: «قيل لي إنني إذا انقلبتُ على الوزارة وكشفتُ أمر اتفاقاتنا السريّة، فسوف أخضع لأبشع أنواع العقاب وأُقتل».
في موضع ثالث تتحّدث كيف أبتزها سجّانها بإرغامها التوقيع على وثيقة زواج مؤقّت قام بكتابتها بنفسه دون حضور رجل دين تحسباً إذا ما أتهموه بإقامة علاقة شائنة معها. وتتحدّث في موقع رابع عن اشمئزازها من عيش هذه الحياة المزدوجة الرخيصة، ولجوئها إلى شخص موثوق وتحكي له قصّتها مع سجانها ليقول لها: «ارحلي يا كامليا، لا تمكثي دقيقة واحدة أخرى. أنتِ تعبثين بالنار. فبعد أن يشبع منكِ ويستفيق من تأثيرك عليه، سوف تختفين بكل بساطة. سوف يقتلونك ليحموا هذا السر».
عندما فرغتُ من قراءة (كامليا.. سيرة إيرانية) تساءلت.. هل تفلح جنّات المنافي في تعويضنا عن أحضان أوطاننا وإن جارت علينا؟
1218 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع