د.سامان سوراني
بما أن السياسة الخارجية هي المفتاح الرئیسي في العملية التي تترجم بها الدولة أهدافها المدركة الواسعة ومصالحها في الفعل الصحيح لتحقيق هذه الأهداف والحفاظ علی تلك المصالح ، فالسياسة الخارجية هي جزء من السياسة الوطنية.
أما الدولة فيجب أن تختار ماينبغي علیها أن تقوم به فیما يخص الشٶون الدولية وفي إطار حدود قوتها و واقع بیئتها الخارجية.
حكومة إقليم كردستان نجحت في السنوات الأخيرة بصورة فائقة وبخلاف توقعات الكثير من النقاد المحليين والغربيين وفي خضم الفوضى التي يغرق فيها العراق و سوريا والمنطقة برمتها في تكوين واحة آمنة ومنطقة سلمية ديمقراطية مزدهرة اقتصادياً ومستقرة سياسياً بالمقارنة مع غيرها في تلك البقعة ذات التقلبات المتزايدة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ورغم كل المحاولات الدنیئة لحكومة بغداد تحت إمرة رئیسها السابق نوري المالكي في إيقاف هذا الإزدهار الإقتصادي وصعود خطر ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية بعد استيلاءه على مساحة واسعة من الأراضي العراقية وهجومه علی كوردستان لهدم التجربة الديمقراطية اليانعة فيە أو لتحطيم الإنجاز المثالي لحکومة الإقليم ، التي تحتضن اليوم ، رغم الحصار الإقتصادي الظالم علیها من قبل حكومة بغداد ، أكثر من مليون ونصف المليون لاجيء من النازحين والمضطهدين من مناطق العراق و من سوريا وهم من أعراق وأديان و مذاهب مختلفة ، وهذا مثال يجب أن يحتذی به في المنطقة ويستحق كل الثناء والتقدير من الداخل والخارج.
فالقيم التي يٶمن بها حكومة إقليم كوردستان كالتسامح و الديمقراطية و التعايش السلمي المشترك هي تلك القيم التي يٶمن بها المجتمعات المتحضرة ومن هذا المنطلق قامت قوات البيشمرگە ونيابة عن العالم بأسره بالتصدي لهجوم وإرهاب مسلحي تنظيم (داعش) ، أحدی أخطر وأقوی وأغنی التنظيمات الإرهابية العالمية وردعهم عن المساس بأمن وحرية كوردستان.
هذا الصمود وهذه الإرادة الصارمة و الحكيمة لدی القيادة الكوردستانية أدت الی تسارع الدول الديمقراطية العريقة وبهدف حماية الأمن الجماعي والسلم الدولي الى نجدة الشعب الكوردستاني وقوات البيشمرگە في صراعه الدامي مع التنظيم الإرهابي المسمی بالدولة الإسلامية.
داعش ، الذي حشر المنطقة في المأزق الخانق و خلق حالة طارئة إقليمية جعلت المنطقة في غاية التوتر والإضطراب.
أما المجريات فقد فضحت الدعوات و النتائج نقضت المقدمات والوسائل دمرت الغايات و إنفضح مزاعم هذا لاتنظيم الإرهابي في السيادة والسيطرة علی المقدرات والمصائر.
نحن نعرف بأن مصير الشرق الأوسط يتوقف علی نتائج هذا الصراع وأن النصر القريب سيكون للمنطق العقلاني الكوني والمنهج التركيبي التعددي ، الذي يمارسه حكومة إقليم كوردستان. أما الدعم الدولي للإقليم فهو أيضاً من أجل إثبات أنّ بناء مجتمع مستقر، حتى وسط منطقة ينعدم فيها الاستقرار إلى حد كبير، أمرٌ ممكن.
النظام العالمي المعاصر تفسح المجال أكثر من الماضي لتداخل المصالح وتشابكها القائم علی التماييز بين دول كبرى مالكة لقرارها السياسي ومتمتعة بسيادتها ومتحكمة في السياسات الدولية وبين دول صغيرة وضعيفة وغير مالكة لقرارها ولسيادتها ، بالرغم من زوال زمن سيادة الايديولوجيات العالمية أو الأممية ، التي كانت في الماضي شعار إختزل الی مجرد عقيدة لا غير. حکومة إقليم كوردستان المنتهجة لسياسة الإنفتاح والتوازن المرن والمدروس في التعامل مع الجارتين الكبيرتين تركيا وايران مع الحفاظ على استقلالية القرار الكوردستاني ، استطاعت تأسيس علاقات متعددة الجوانب مع عدد غير قليل من دول العالم والدليل علی مانقولە هو وجود أكثر من 30 ممثلية دبلوماسية في العاصمة أربيل و ١٤ عشر ممثلية للإقليم في العالم و بالأخص في الدول التي تحتضن أكبر عدد من الجالية الكوردستانية كألمانيا والنمسا والسويد وفرنسا وإيطاليا والولایات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملکة المتحدة وأستراليا وغيرها من الدول.
ومن الواضح بأن الأهتمام الدولي المتزايد بأقليم كوردستان الناهض هو بجانب سياسة الباب المفتوح كوسيلة الإتصال وبناء العلاقات مع العالم الخارجي بناءاً علی المنفعة المتبادلة موقعه الجيوستراتيجي في قلب الشرق الأوسط وإمتلاكه لموارد طبيعية ثمينة كالنفط والغاز معادن نادرة أخری.
أما بالنسبة لإتخاذ الولايات المتحدة الأمريکية بتوجيه ضربات جوية فعالة الى مواقع تنظيم داعش الإرهابي بعد أقل من 36 ساعة من هجومهم علی حدود كوردستان دون الرجوع الی قرار مجلس الأمن الدولي فهو رد فعل إنساني أكثر مما هو سياسي بعد أن تعرض الإيزيديون الکورد في مدينة سنجار الی تراجيديا إنسانية وحملة إبادة جماعية لامثيل لها في التاريخ المعاصر وبعد أن قامت وسائل الأعلام الأميركية والرأي العام الأميركي بلفت الأنظار الی الأعمال الوحشية لداعش والضغط علی البيت الأبيض للإسراع في إصدار قرار للحد من تلك الحملة البربرية. وقد حذت ولحسن الحظ دول الأتحاد الأوروبي حذو الولايات المتحدة الأميركية في تقديم الدعم العسكري المباشر لقوات البيشمركة والمساعدة الأنسانية العاجلة لمنكوبي سنجار.
لقد تمكنت حکومة إقليم كوردستان بممارستها سياسة الإنفتاح علی الخارج عبر المٶسسات الإقليمية والهيئات الدولية ، السلمية والمدنية ، التي تهتم بالدفاع عن حقوق الإنسان ودعم الحريات الديمقراطية ، أن تضع بصمتها علی التغيير الإيجابي الحاصل في علاقاتها الخارجية وإستطاعت أن تٶمؔن بالديمقراطية آفاق جديدة أمام الفكر السياسي في ميادين الممارسة أفقياً وعمودياً ، داخلياً وخارجياً ، مما يتيح للديمقراطية أن تغني وتتحدؔد أو تتعزؔز وتتطور وتنفتح ، سواء بالإنفتاح علی الفضاء الإجتماعي المحلي أو الخارجي أو عبر المشاركة في المناقشات العالمية وفي الهيئات والمٶسسات الإقليمية والدولية وكل هذا يفتح المجال للتحوؔل نحو ديمقراطية نوعية ، غير منمؔطة ، جديدة وأكثر فاعلية وديناميكية.
وختاماً: "من يعمل في مايخص العلاقة مع الخارج بعقلية التهويل العقائدي ، كما يفعل أصحاب المشاريع القوموية والدينية والشمولية والأصولية في العراق والمنطقة ، الذين يجعلون شغلهم الشاغل ، الثقافي والسياسي ، مهاجمة الغربنة والعولمة والأمركة ، لتغطية فشهلم وإخفاقهم في داخل بلدانهم ، يهرب من التحديات الجسيمة والإستحقاقات الداهـن ويخلق أعداء في الداخل والخارج ، لكي يحمل علیهم لغة التكفير والتخوين ، أو لكي يحملهم التبعة عن الأخطاء والمساویء أو عن الهزائم والكواث."
الدكتور سامان سوراني
1204 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع