عايدة رزق
من المؤكد أن التلميذ فى العقود المقبلة.. سيحصل فى نهاية مرحلة التعليم على شهادة عليها ختم الدولة تضم هذه الكلمات :«لقد تمكنت من استيعاب المناهج الدراسية..
وأصبحت تمتلك الآن عقلا مستنيرا.. كما اكتسبت خبرات ستساعدك على مواجهة تحديات الحياة .. وستساعدك أيضا على أن تصبح انسانا سعيدا وناجحا .. هكذا تشير تقاريرك خلال سنوات دراستك .. فأمض فى طريقك واعزف لحنك الخاص».
هذه الشهادة لم يلعب الخيال دورا فى صياغة كلماتها .. فالمعانى التى جاءت فيها مستمدة من أهداف نظم التعليم الحديثة التى وضعها خبراء فى شئون التعليم .. بعد أن رأوا أن الأوان قد آن.. لأن تدخل أنظمة التعليم الحالية متحف التاريخ لتفسح المجال لأنظمة حديثة من أهم أهدافها تعليم التلاميذ.. كيف يعيشون فى سعادة وسلام .. وكيف يتصرفون عندما تحاصرهم المشكلات.. وكيف يبحثون عن حلول غير تقليدية فى أوقات الأزمات .. وكيف يفتحون عقولهم على الأفكار الجديدة والمستجدات.. فأكثر الناس نجاحا فى العالم الآن هم من يمتلكون الأفكار.. أما هؤلاء الذين يبحثون عن وظيفة يذهبون إليها كل صباح .. ويتنفسون الصعداء عندما تحين لحظة الانصراف .. فهؤلاء سيبقون دائما فى الظل قابعين فى الصفوف الخلفية .. والدليل على ذلك أن قائمة أثرى أثرياء العالم تصدرها لسنوات عديدة شاب هو بيل جيتس.. كل ما كان يمتلكه أفكارا أوصلته إلى قمة الثراء والنجاح.
وبنظرة واحدة إلى الدول التى ازدهرت فى السنوات الماضية .. سنجد أن التعليم لعب دورا رئيسيا فى هذا التألق.. فنظام التعليم فى اليابان هو الذى ولد هذا الانتماء الجميل الذى يكنه اليابانيون لوطنهم .. وهو الذى أيقظ داخلهم روح الفريق فاستطاعوا أن يحققوا انجازات قفزت باليابان من دولة على وشك السقوط فى قاع المجتمع الدولى إلى دولة على وشك الوقوف على قمته.. لم تكن هناك معجزة.. بل كان هناك خبراء فهموا روح العصر وتحدياته وانتبهوا إلى التطورات المذهلة والمتلاحقة التى تحدث فى كل المجالات.. فأدركوا أن بوابات المستقبل ستغلق فى وجه الدول التى لم تتخلص من أنظمة التعليم القائمة على تكديس المعلومات فى عقول الطلبة.. ليلفظوها على الورق فى مواسم الامتحانات.. بعدها يعودون إلى بيوتهم برءوس فارغة.
المؤلم والمحزن .. أن ابناءنا فى العقود الماضية .. قضوا معظم سنوات دراستهم.. فى الصباح يجلسون داخل فصول مزدحمة .. يستمعون فى أجوائها الخانقة لشرح ممل من مدرس فاقد الهمة والحماس .. يفكر فى مشاكله المادية وفى مواعيد الدروس الخصوصية.. وفى المساء ينكبون على الكتب والأوراق.. يحفظون ويحفظون تاريخ وجغرافيا وفيزياء وكيمياء .. هدفهم الوحيد النجاح فى الامتحانات والحصول على مجموع يؤهلهم للالتحاق بالجامعات .. لكن هل تعلموا كيف يفكرون ويتحاورون .. كيف يكتشفون مواهبهم الدفينة.
كيف يحلقون فى آفاق بعيدة؟ .. والكارثة أن الطالب الذى يستجمع شجاعته ويحاول أن يغرد خارج السرب بأن يأتى بفكرة جديدة أو برؤية مختلفة لا يتلقى التشجيع والتأييد .. بل العقاب والتأنيب .. وهكذا ذبلت المواهب واختفى الإبداع.
كل ذلك يحدث فى وقت يمر فيه العالم بفترة من أحلك الفترات .. مشاهد دموية تذكر البشرية بعهود الهمجية وسيزداد الأمر خطورة إذا لم يسارع الخبراء بوضع مناهج دراسية تعلم الأجيال القادمة كيف ينبذون العنف الذى تشتعل نيرانه فى مناطق كثيرة من العالم .. وكيف يتجنبون الكراهية التى تتصاعد حدتها بين الثقافات المختلفة والحضارات.
يبقى سؤال: كيف استطاع هذا الشعب الذى يعانى 04% منه الأمية.. بينما الباقون ناولا تعليما عفا عليه الزمان.. أن يبدع ثورة أذهلت العالم كله.. وأن يبتكر حلا عبقريا أنهى به كارثة استمرت 21 شهرا .. انه المشهد الذى ينبغى أن نتذكره دائما ليمنحنا ثقة بأنه فى يوم قريب .. سنجلس فى الصفوف الأمامية بجوار النمور الآسوية والأسود الأوروبية.
914 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع