انتلجينسيا العراق بين الماضي والمستقبل
محاضرة الاستاذ الدكتور سيّار الجميل في مؤسسة الحوار الانساني / لندن 13 آب / اغسطس 2014
بقلم:عدنان حسين أحمد
" عندما يأتي المثقف إلى خانة السياسي يضيع "
سيار
نظّمت مؤسسة الحوار الإنساني في لندن أمسية ثقافية للدكتور سيّار الجميل مساء يوم الاربعاء 13 آب / اغسطس 2014 تحدث فيها عن"أنتلجينسيا العراق بين الماضي والمستقبل: البنية التاريخية للمثقفين العراقيين في القرن العشرين" وقد ساهم في تقديمه الدكتور حميد الهاشمي. قسّم الدكتور سيار الجميل محاضرته إلى ثلاثة محاور أساسية وهي "المدخلات التاريخية والمضامين الموضوعية والرؤية المستقبلية" .
استهل الجميل محاضرته بالقول بأنه سيحاول أن يقدّم شيئاً جديداً حول موضوع شَغَلهُ منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد كتب عن تاريخ المثقفين العراقيين نصاً طويلاً تحت عنوان "أنتليجنسيا العراق"، ويتمنى أن يسعفه الوقت كي ينشر هذا الموضوع المهم في كتاب كبير قبل رحيله إلى جوار ربّه.
بدأ الجميل البحث عن سرّ الثقافة العراقية، أو ربما عن سرّ التكوين الثقافي في العراق. ولم يكن هذا الباحث الدؤوب يتخيّل أن يصل حال العراق والعراقيين إلى ما وصل إليه اليوم. وربما لم يتخيل الحضور في يوم من الأيام أن يصل وضع العراق إلى ما آل إليه اليوم.
يعتقد الجميل أن سرّ العراق ليس سراً سياسياً أو اقتصادياً، وإنما هو سرّ ثقافي رائع تفحّصه جيداً، وأحصى النُخب الثقافية التي عاشت بين جنباته على امتداد أربعة قرون قبل القرن العشرين. فوجد أن سرّ ازدهاره يكمن في مثقفيه، وليس في أي معطىً آخر على الرغم من أهميته الجغرافية والاقتصادية .. وهذا دليل على حيوية مجتمعه منذ القدم .
يرى الجميل أن هذه الفئات أو النُخب كانت تُسمى بالعلماء أو الأدباء وليس بالمثقفين. وهو لا يقصد الإشارة إلى العصور العباسية الثلاثة التي ازدهرت فيها الثقافة كثيرا في العراق ، لأن عددا كبيرا من ابنائه ، وكل الذين يقصدون العراق ويستوطنون فيه، ويتعلمون في مدارسه وخصوصا ببغداد والبصرة والموصل وغيرها من مدن العراق وحواضره يبرزون ويشتهرون وما أن تنكِّد عليهم السلطات السياسية حتى يرحلون عن هذا البلد ، ويهاجرون منه ليبقى في ذاكرتهم فيبكونه طوال اعمارهم . وهذا الأمر لا يقتصر على الوافدين حسب، وإنما على أبناء العراق أيضاً. فحينما يبني العراقي نفسه لكي يُصبح عالماً أو أديباً أو مفكراً نجده موزعاً بين ثلاثة خيارات وهي إما أن يصمت أو يموت أو يرحل!
يعتقد الجميل بوجود خطين في العراق لا ثالث لهما، وهما خط حضاري وخط سياسي بدَءا منذ زمن طويل، وغالباً ما يقع الخط الحضاري تحت وطأة الخط السياسي فيقمعه، ويشرّد أبنائه، ويقتل الكثير من مبدعيه، بل أن بعضهم ينتحر، أو يهرب مثل الشافعي، أو يموت كما مات ابن المقفّع ميتة مأساوية او يموت مغتربا عن ترابه . وليس هناك أي تفاهم بين الحضاري والسياسي. وعندما يأتي المثقف إلى خانة السياسي يضيع، أما السياسي فهذه هي حرفته التي يقتات فيها على أكاذيبه ويبقى في دوّامته ومأزقه. إن الخصم اللدود للسياسي العراقي هو المثقف منذ البداية وحتى يومنا هذا. ويرى الجميل أن هناك مثقفين يشتغلون بالسياسة أو بالفكر السياسي، ولكنني اقول إذا مارس أي مثقف عراقي حقيقي السياسة ، فهو يموت سواء ذاك الذي يبيع نفسه ! أم يكون مثقف سلطة! أم يلعب على مؤسسات الدولة!
يقسِّم الجميل تاريخ المثقف العراقي في أطواره الحديثة، قبل القرن العشرين تحديداً، ويرى أنه عاش مرحلتين تتمثل الحقبة الأولى بـ 200 سنة أولى في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وحقبة اخرى لـ 200 سنة الثانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. أما المرحلة التي قُدر له أن يكملها أو يبدأ فيها ببناء الدولة في القرن العشرين ، فقد انتهت اليوم ولم يكملها كونه قتلت منذ زمن بعيد . ويتشاءم الجميل حينما يقول بأنه لن يكون هناك مثقف عراقي حقيقي حينما يرحل هو أو جيله على حد سواء! ولكن سينبثق مثقف جديد في قابل الايام ، ومبدع من نوع جديد فالمجتمع لا يموت !
من هو المثقف؟
تساءل الجميل عن معنى كلمة "المثقف" التي نردّدها أو نسمعها كثيراً؟ من هو هذا "المثقف"؟ ومن هي هذه "الأنتليجنسيا" ؟ فيجيب بأن الأنتليجنسيا هي طبقة أو فئة تعمل لمصلحة الوطن لا السلطة، وربما تعمل لمصلحة " الدولة" إن كانت الدولة صاحبة مؤسسات حقيقية، لكن حينما لا تمتلك الدولة مؤسسات ، فهذا هناك الأنتليجنسيا العضوية .
ذكرَ الجميل بأنه لم يسمع على مدى هذه القرون الأربعة، وهي مسافة زمنية طويلة، إلاّ في العراق وبلاد الشام عن وجود أُسَر ثقافية بكاملها، فهذه أسرة شعراء، وتلك أسرة فقهاء، وثالثة أسرة أدباء، ورابعة أسرة أطباء، وخامسة أسرة مراجع أباً عن جد وهكذا دواليك. لكن المشكلة أن أحداً لم يدرس حتى يومنا هذه البنى الفاعلة ! ولماذا اشتهر العراق دون غيره من البلدان بهذه الأسر الثقافية أو العلمية؟
من جانب آخر ، نوّه الجميل إلى وجود المثقف الأحادي في العراق، ومع ذلك حينما ازدهرت الثقافة في العراق في عهود سياسية مستقرة معينة ، ظهرت إلى الوجود أعمال جماعية . معنى ذلك ان ثمة روح جماعية في العراق بحاجة ان تكون مستقرة ومتجانسة . فعندما يجد المثقف العراقي نفسه في بلد مستقر يطمئن للآخر، ولكن حينما لا يجد المثقف بلده مستقراً لا يطمئن حتى للمثقف الآخر. وهذا ما يفسر وجود الفِرق والجماعات والنخب والتشكيلات في الخمسينات من القرن الماضي وانتفائها اليوم . ومثلما كان السياسي يصارع السياسي الآخر بمستوى أدنى ، فإنه يجد في بعض الحالات بأن المثقف يصارع المثقف الآخر. وربما ينافسه لكنه لا ينزل إلى مستوى السياسي في صراعه مع السياسي الآخر. وهذا ما يفسّر وجود الخصومات الثقافية والفكرية والمساجلات الادبية والمنازلات في الصحف والمجالس، أي أن المثقف العراقي كان صعباً في التعامل مع الآخر لأنه يريد أن يتملك الثقافة لنفسه ، وأن منْ يقف ضده يكون من هو دوما بمستواه ، بينما اليوم قد ضاع كل شيئ من تلك التقاليد الثقافية تقريباً.
هناك أنواع عديدة من المثقفين العراقيين ، ليس فقط مثقفو البيوتات، وإنما هناك مثقفو المقاهي ، والمقاهي العراقية كانت مراكز ثقافية رائعة .. او مثقفو شارع ، نشأوا في الشارع، ومثقفو حانات يسكرون ليل نهار، ويتسكعون هنا وهناك .. ولكن باستطاعتنا أن نقارن بين السيّاب ونازك ، او بين حسين مردان أو جان دمّو ، او بين سركون وعبد القادر الجنابي .. او غيرهم لأنهم أصحاب نصوص ونتاجات أدبية مبدعة . إذن، من هو المثقف؟ يجيب الجميل بأن لفظ "المثقّف" الذي يتم استعماله في لغتنا العربية المعاصرة هو لفظ مولّد، إذ لا يمكن العثور عليه في الأدبيات العربية القديمة، وهو اسم مفعول من الفعل "ثقف"، أي بمعنى " حذق" . وقد جاء في " لسان العرب " : "ثقف الشيىء ثقفاً وثقافاً وثقوفة : حذقه. والثقِف حاذق فهم، ولم نعثر على لفظ "مثقف". أما لفظ "الثقافة" فقد ورد كمصدر بمعنى "الحذق". وثقف الرجل ثقافة : أي : صار حاذقاً خفيفاً" ، أي : ماهراً.
يرى الجميل أن "المثقف" بالنسبة إليه : هي كلمة صعبة لا يمكن أن تطلق على كلّ من هّب ودّب حتى ولو كان هذا من حملة الشهادات العليا، فالشهادة لا تمنح صاحبها أية ثقافة. ويضيف، وهذه معلومة اقتبسناها من مقال آخر نشره الجميل قبل سنوات يحمل عنوان "بنية الثقافة العراقية . . . دراسة في الأجيال الراحلة" يقول فيها : أن "المثقف الحقيقي هو المحترف الحاذق الذي يمتلك مهارات متعددة في القول والفعل وتحمّل المسؤولية والمعلومات والإرادة والتعبير عن ضمير المجتمع أصدق تعبير لا أن يكون أي ذيل لأي سلطة أو نظام أو دكتاتور أي أنه يقع تحت سطوة أي آيديولوجية ومذهب وطائفة وقبيلة وحزب ومعتقد .. إذن الثقافة هي الحذاقة، وقوة الشخصية، واستقلالية الرأي، وصحة المعلومة، وسلامة التفكير ، وحداثة الفكر، وتجديد المعاني، وخصب العطاء وروعة الإبداع". ثم عزّز هذا التوصيف بالقول إن هذا حاذق بالشعر، فالشعراء السياب والجواهري والملائكة وغيرهم هم شعراء حاذقون بمهنتهم ، ولم يصل أحد إلى مستواهم في الشعر والإبداع.. وهكذا بالنسبة لغيرهم من اصناف المثقفين .
توقف الجميل عند المأزق اللغوي في تعريف الثقافة في اللغة العربية حتى اليوم فهي تعني Culture ولكنها بنفس الوقت تعني Education، وهذا خلط لغوي بين المفهومين. إن الفرق بين الإشكالية والمشكلة كبير جداً في التاريخ الثقافي العراقي ، وربما في التاريخ الاجتماعي والموجات التي ظهرت لاحقاً ، وأنا مطلّع على الموجة الأخيرة في أميركا وبريطانيا. فهناك جيل جديد يأتي اليوم لكي يفسر تاريخ الثقافة العراقية على هواه دون الرجوع إلى كتب المبدعين والرحالة والمؤلفين والشعراء والأدباء، أو نصوص الرواة، أو ماذا فعل التشكيليون؟ أو ماذا قال الصحفيون؟ هذا الجيل حينما تسأله: من هو روفائيل بطّي؟ لا يعرف. وحينما تسأله: من هو عبدالكريم زيدان؟ لا يعرف. ربما يعرف علي الوردي لكثرة ما يرد اسمه ، غير أن هذا الجيل يُطلق أحكاماً ليس على مستوى الأفراد، بل على مستوى الجماعات مع الأسف الشديد!
واستنتج الجميل أن هناك مشكلة استشراق جديد في الرؤية إلى العراق والعراقيين . وحاول أن ينبِّه بعض الأخوة الزملاء إلى هذه الحالة التي تنتشر خصوصاً عند الجيل الجديد من أبناء الجاليات الذين يقرأون تاريخ العراق والعراقيين بنزعة كراهية للعراق ولشعبه . وهذه هي حالة من المشكلة التي أسماها بـ "الأبوّة والبنوّة". ولحد الآن الأبناء يرفضون الآباء لأسباب سياسية أو اجتماعية أو تربوية. جيل يرفض جيلاً . ان هذه المسألة يشعر بها العراقي حينما يكبر فيشعر أن الجيل الذي يأتي من بعده، وقد تربى على يديه، لا ينتمي إليه، وإنما ينتمي إلى شيئ أكبر أو آخر وهذه مبعثها سياسات الحكومات أو السلطات القديمة التي مرّت على العراق وما كانت تشيعه عن الرجعية والتقدمية وما تلاها من سياسات حكومية متخلفة ! .
اسلوب تفكير
أشار الجميل أن أصعب شيء بالنسبة إليه هو حينما يجد ان العراق يحكمه حكام أغبياء، والمثقف الحقيقي لا يقبل بذلك ابدا ، فإما أن يصمت أو يهرب أو ينتقد ويتكلم على استحياء أو بلغة رمزية. والعراق، من وجهة نظر الجميل، لا يمكن أن يأخذه مساره نحو التقدّم ما لم يحكمه حاكم ذكي أو حاكم مثقف . أما أن يحكمه حكام لم يقرأوا في حياتهم كتاباً واحداً فهذه هي الكارثة بعينها. وهذه، للمناسبة، ليست مشكلتنا وحدنا في العراق، وإنما في كل المجتمعات العربية أو بالأحرى في قادتها وسياسييها الذين ليس باستطاعتهم قول جملة مفيدة واحدة، وليس بمقدورهم كيف يخطبوا بين الناس ، أو يتجانسوا مع المثقفين العراقيين. وربما تكون الحالة الوحيدة والنادرة التي اكتشفها الجميل هي حالة الملك فيصل الأول الذي كان الوحيد الذي نجح في تجسير الهوة بين السياسي والمثقف ، فقد يلتقي بخصمه مثل الرصافي وكان ضيّفه، وأكرمه، ومنحه راتباً ومع ذلك ظل الرصافي عنيداً.
لا يريد الجميل للمثقفين العراقيين أن يحكموا العراق ، وإنما يكونوا جزءاً من حالة تجسيرية للحكم وحالة استشارة وخبرة والمرجع الحقيقي للسلطة. وإذا بقي الوضع على ما هو عليه فإنه سوف يتردى من سيء إلى أسوأ.
انتقد الجميل هؤلاء الحكّام الذين ريّفوا الثقافة وجعلوها خانعة جاهلة كسيحة بينما يمتدح الرصافي الذي كتب كتاباً عن " الشخصية المحمدية" في ثلاثينات القرن الماضي وقال الرصافي : " اتركوه 50 سنة لكي يأتي جيل جديد يفهمه" !!!، كما كتب الزهاوي عن تحرير المرأة في ذلك الوقت ودعا ان تسفر ولا تتحجب ! وغيرهم من المثقفين الحقيقيين . إذن، يخلص الجميل إلى أن هناك مثقفاً عنيداً، ومثقفاً متلوناً، ومثقفاً سلطوياً. ويستطرد قائلا : ان هذا الرأي، للمناسبة، هو رأي علي الوردي عندما كتب عن وعاظ السلاطين، وهو – في كتابه - لم يقصد الملالي فقط، لأنهم أصلاً يصفقون، ولكنه قصد بهم كل مثقفي السلطة !
والسؤال المهم هنا: لماذا ينحدر المثقف من أجل المصلحة أو المال او الجاه ؟ ومن أجل ماذا يبيع إبداعه؟ والفرق كبير بين الرصافي العنيد وقامة أخرى كبيرة هي الجواهري، فالأول ظل صلباً وعنيداً، فيما مدح الثاني عبدالإله، ثم عبدالكريم قاسم حينما قال: (عبد الكريم وفي العراق خصاصة / ليد وقد كنت الكريم المحسنا )، ثم جاء ليقول مادحا البكر والبارزاني : "طيف تحدر من وراء حجاب ... غضر الترائب مثقل الأهداب". نحن نتساءل هنا عن أسباب هذا التلوّن العراقي بين شاعر وآخر؟ السؤال الآخر الذي ينبغي إثارته هو: كيف نفسر تمزّق المجتمع العراقي ما بين أكثرية وأقليات؟ هذه التصانيف هي التي أفضت أول مرة في التاريخ لأن تُفرغ مدينة الموصل التي هي مركز المسيحية في العراق من مسيحييها! في هذا الزمن الكسيح ، فيا لخجلنا من المستقبل ؟
التكوين التاريخي
يُقرّ الجميل بأن التربويات التي درسها جيله كانت خاطئة. وأن من سبقوهم كانوا أفضل منهم. وقد توصل إلى هذه النتيجة من خلال المراقبة والمقارنة للمقررات الدراسية منذ عهد فيصل الاول إلى عهد صدام حسين. لقد أشار الجميل إلى أن التلاميذ الصغار كانوا يقرأون في حقبة العشرينات إلى جانب العلوم والتربية والأدب كتاباً كاملاً عنوانه الأخلاق Ethics ، وحينما جاءت الموجة القومية غيّروا ذلك الكتاب، مع الأسف، بينما كان مضمونه رائعا ، يعلّم التلميذ الصغير كيف يتكلّم؟ وكيف يتعامل مع الكبير؟ وكيف يتعلّم آداب المائدة؟ وكيف يعرف شعائر الأعياد وما إلى ذلك من اساليب الحياة المتمدنة . لقد حوّلوا هذا الكتاب إلى "أشياء وصحة" ، وبقي يدرس لسنوات طوال . وحينما اندلعت ثورة 14 تموز 1958 تغيرت "الأشياء والصحة" إلى "التربية الوطنية"، وبقينا نتدارسها ، وعندما جاء البعثيون حوّلوها إلى "التربية القومية"، وفي عهد صدام حسين حلّ "تقرير المؤتمر القطري " محل الكتب السابقة!
إن حجم المأساة كبير جداً ما بين الأخلاق الأولى التي أرادها المثقفون الأوائل في مجتمع كان يتقدم صوب مؤسسات الدولة، وبين الثقافة الحزبية التي يقرأها الطالب في المدارس والجامعات أيضاً. بينما كان الجميل يتمنى مخلصاً أن يُقرر تاريخ تمدن الثقافة العراقية على أبنائنا ، لكي يعرفوا بأن العراق في القرن السادس عشر لم يكن مظلماً، فعلى مدى 200 سنة كان هناك الواسطي البغدادي، ويوسف بن علي بن برهان، والرضائي وكبار الشعراء أمثال فضولي وفضلي وعهدي وروحي ونظمي وخادمي وذهني وكلامي وغيرهم ، فهذا مختص بنظم الشعر، وذاك مختص بعلم الكلام، وغيره مختص باللغة أو التفسير. ثم يأتي الحائري، والكعبي، والطريحي، والغرابي، والنحوي، والعمري .. وغيرهم وصولاً إلى القرن السابع عشر عندما غدت البصرة متنفساً حقيقياً ورئة للعراق وسميّت بفينيسيا الشرق . وفي حين كانت هناك مجتمعات عربية ميتة ابان القرن السابع عشر، كان بعض العراقيين يصل إلى أميركا اللاتينية مثل الياس بن حنّا الموصلي الذي انتقل من الموصل إلى بغداد ، وعاش فيها قرابة عشرين عاماً قبل أن يرحل إلى أميركا اللاتينية ليكون اول شرقي يصل هناك . كما اشتهر المستشرق عطيشة في المانيا ، وكان عالما لغويا كبيرا ، وهو عراقي من الموصل .. يتمنى الجميل أن يعرف الصغار هذه المعلومات التي لا يعرفها إلاّ القليل من العراقيين. هذا إضافة إلى رحلات عبد القادر بن عمر البغدادي وغيرهم من الرحالة العراقيين.
التكوين الثاني
يجد الجميل أن التكوين الثاني يبدأ من الـ 200 سنة التي جاءت من بعد ويعتبره أول تكوين عراقي حقيقي منذ أن استلم الوزير حسن باشا وولده الوزير أحمد باشا كيان بغداد ثم توسعا على حساب البصرة والموصل بهذه الحدود العثمانية ليتشكّل العراق الحديث وكان الجليليون في الموصل برفقتهم .
عاد المُحاضر ليطرح السؤال ذاته: من هو المثقف في ذلك الوقت؟
لم يكن في ذلك الزمن فرق او هوة بين كلداني ومسلم أو بين سني وشيعي، بل بالعكس وجدت أن هناك – مثلا - مساجلات شعرية رائعة بين أبناء الموصل وأبناء النجف وصولاً إلى القرن التاسع عشر والعشرين. كان هناك من يقضي ستة أشهر في الموصل ويذهب ليقضي ستة أشهر أخرى في النجف. أشار المحاضر إلى أشعار عبد الباقي بن سليمان بن أحمد العمري الفاروقي الموصلي الذي كتب غالبية قصائده في مدح آل البيت وهو يقصد "الباقيات الصالحات"، إضافة إلى أعماله المعروفة "الترياق الفاروقي" و "نزهة الدهر في تراجم فضلاء العصر". كما أشار إلى حسن عبد الباقي الموصلي وعبدالله السويدي والملا عثمان الموصلي وأنغامه وموسيقاه وإبداعاته التي أنجزها ببغداد، وكان يذهب إلى عانة، كما كان شغوفاً بالحلة التي يتغزل فيها . لقد بقيت أنغامه راسخة وذهب تمثاله الذي تحطّم قبل أيام جزاء عظمته وثقافته. وفضلاً عن مدارس بغداد والبصرة والموصل والنجف هناك مدرسة ماوران في أعماق جبال كردستان التي كان يدرس فيها علماء العراق باللغة العربية ويتخرج فيها علماء وفقهاء عراقيون. وثمة قائمة من الأسماء قد لا نجد المجال الواسع لذكرها لكن أبرزها ببغداد مثل مرتضى بن نظمي، ومحمود الرحبي، وعبدالرحمن السويدي، ورسول حاوي ، وداوود باشا، وعثمان بن سند ، وياسين الخطيب وغيرهم .
سرد المحاضر واقعة طريفة حدثت قبل عام 1990 حينما حقق أحد زملائه كتاباً وقدّمه لوزارة الثقافة والإعلام لإجازته للنشر ، لكن وجود ثلاث صفحات فيه أعاقت نشر الكتاب ما لم تُرفع. وحينما استفسر عن السبب ، قالوا له : أن المؤلف يسبّ الوهابيين ونحن علاقتنا طيبة بالمملكة العربية السعودية. وبعد بضعة أشهر ، حدث الذي حدث بين العراق والكويت والسعودية ، فهرعوا اليه ، وقالوا له: أين الصفحات الثلاث . نريد أن ننشر الكتاب الآن؟
نوّه المحاضر بأهمية دور الإرساليات التبشيرية التي ظلت تبشر طوال سنين من دون أن يأتيها ويؤمن بها مسلم أو يهودي واحد، ولكنهم شيدوا مدارس الآباء الدومنيكان التي تخرّج فيها مسيحيون ومسلمون معا ، كما جلبوا أول مطبعة، وأنشأوا أول مستوصف في إشارة واضحة إلى أهمية الدور الخدمي الذي أدته تلك الإرساليات التبشيرية، بينما بقيت المطابع تطبع، والمدارس تُخرّج أجيالاً كاملة من دون أن يعترض طريقها أحد. باستثناء مشروع الجامعة الأميركية الذي كان أصله ان يتأسس في الموصل، لكن الموصليين قالوا إننا لا نريد جامعة اميركية ، فنقلوها إلى بيروت . ثمة أسماء كثيرة توقف عندها المحاضر نذكر منها محمد العبدلي وخليل البصير والأردبيلي والطباطبائي النجفي والأعرجي والكاظمي والبغدادي والعطار والحائري وعثمان بن علي العمري والسويدي والبلاغي والحيدري وغيرهم من المثقفين الذين لم يهتم بهم أحد اليوم لأسباب متنوعة ، كما يذهب الجميل. وقد نوّه إلى أهمية المجتهدين في النجف الأشرف.
يرى المحاضر أن زبدة هذه السنوات والعقود والأجيال كانت في القرن التاسع عشر، وهم الذين سبقوا المستنيرين الأوائل. وهو من إيجابيات الحكومات المحلية للفترة اللامركزية التي انطلقت مع بداية القرن الثامن عشر وانتهت قبل منتصف القرن التاسع عشر . أنها أنجبت عدداً كبيراً من المثقفين سواء من قبل المماليك وبعضهم كانوا من المثقفين الممتازين أم في نهاية القرن حيث كان محمود شوكت باشا من أبنائهم وقد غدا الصدر الاعظم للدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين ، إضافة إلى الجليليين في الموصل الذين اهتموا كثيراً بالثقافة والمثقفين من شعراء وادباء وفقهاء وعلماء ، إضافة إلى كردستان وأجزاء واسعة من العراق. وقد أشار المحاضر إلى بعضهم مثل علماء وشعراء امثال : رسول مستي افندي ، وعبدالله راقم أفندي، ومحمود شكري الآلوسي، ومصطفى ذهني بابان وكاظم الأزري. وهنا تذكر المحاضر " القصيدة " التي شطّرها الشاعر علي الجميل الموصلي على قصيدة الشاعر كاظم الازري . يقول التشطير الذي يغنيه الفنان السوري الشهير صباح فخري :
(قالوا حبيبك محموم فقلت له إني امرؤ صادق لا أعرف الكذبا
أستغفر الله عن ذنب شقيت به أنا الذي كنتُ في حمّائه سببا
قبلته ولهيب النار في كبدي علّي أداوي به الشوق الذي غلبا
ولم أكن في الهوى أبغي أذيته فأثرّت فيه تلك النار فالتهبا).
تكشف هذه القصيدة أن الشاعر العراقي كان منشغلاً برومانسية عجيبة ولا تعنيه شواغل السلطة بشيء. ثم أورد مجموعة أخرى من الأسماء المهمة من بينها عبد الغني الجميل، ومعروف الرصافي، وداوود الجلبي، وعبد الحسين الأزري، وسليمان نظيف، ومصطفى باشا ياملكي، ومحمد أمين زكي ، وعبدالملك الشواف، والشيرواني، وعبد الفتاح الشواف، ومحمد الرضواني، وعبدالله الفيضي، وأحمد عزت آل قاسم اغا ، وأنستاس ماري الكرملي، وأقليموس داود ( الذي كان عالما لغويا ويتقن عدة لغات ) وغيرهم.
تأسيس الدولة العراقية
لم يأتِ تأسيس الدولة العراقية من فراغ ، كما يتخيل البعض ، ويقولون بأن الإنكليز هم الذين صنعوا العراق، وهذه أكذوبة كبرى وتزوير فاضح لتاريخه ، ذلك أن بريطانيا ورثت العراق مكّونا من ثلاث ولايات مهمة جداً هي الموصل وبغداد والبصرة بحدودها القديمة وبدأ ترسيم الحدود العراقية على الأسس المثّبتة رسميا منذ مئات السنين. وعلى الرغم من الجهل الطاغي والكوارث والمجاعات ، لكن كان هناك ثقلاً ثقافياً كبيراً ، ولهذا بدأت مؤسسات الدولة تتغير من مؤسسات عثمانية قديمة إلى مؤسسات وطنية عراقية. كان العراق يحتاج إلى نخب أخرى من المثقفين العراقيين وخصوصاً من خريجي الجامعة الأميركية ببيروت.
ذكر المحاضر بعض الأسماء ومن أبرزهم : محمد مهدي البصير الذي تخرّج في فرنسا، وناجي القشطيني، رجل قانون من الطراز الأول، وطه الهاشمي، ضابط كبير لكنه كتب أروع كتاب عن جغرافية العراق لحد الآن، وصديق الدملوجي، كتب أفضل كتاب عن اليزيدية، وهو قائممقام، لكنه مثقف كبير ويعتبر أفضل من كتب عن اليزيدية، ومنير القاضي من أبرع رجال القانون، ورشيد عالي وناجي الاصيل وناجي وتوفيق السويدي رجال قانون أيضاً ساهموا في التدريس في كلية الحقوق، وهي أول كلية حقوق في المنطقة أسست عام 1908 وأسماء عديدة أخرى ( لا يعاتبني ابناؤهم واحفادهم كوني لم اذكر كل الاسماء ).
أما فترة بين الحربين العظميين ، فقد برز متي عقراوي، ثم فهمي المدرس الذي ترأس أول جامعة ثم فشلت بعد ست سنوات، وهي جامعة آل البيت، كأول جامعة في العراق وليس جامعة بغداد كما يُشاع، وهناك : مجيد خدوري، وفاضل الجمالي، ويعقوب سركيس، وثابت عبد النور، وسليمان فيضي وعلي الجميل وكلهم من المثقفين، إضافة إلى روفائيل بطي، وتوفيق السمعاني، وسليمان الدخيل جاء من نجد وتوطن العراق، وجعفر خياط، وعباس العزاوي، وإبراهيم صالح شكر، وأنور شاؤول، وإبراهيم الواعظ، والسيد أحمد الفخري، وميخائيل تيسي، وسليم حسون وأحمد حامد الصراف، ورفيق حلمي، ومحمد حسين الشبيبي، وأحمد عزت القيسي، ومحمد بهجت الأثري، وحافظ جميل، وشكري فضلي، وحنا خياط، وفاروق الدملوجي، ورزوق غنّام، وكاظم الدجيلي، وسليمان صائغ، وبولينا حسون (أول صحفية عراقية تصدر مجلة نسوية عراقية في كانون أول عام 1926) ، وعبدالله كوران، وعبدالله فائق المحامي، ورشيد الخطيب، وصالح البدري، وعبدالله الدملوجي، ومحمد حسن أبو المحاسن، وخيري الهنداوي، وساسون حسقيل وكان من أفضل الاقتصاديين العراقيين، ويونان عبو اليونان، الذي قرأت مقالاته التي نشرها في العشرينات ولا أستطيع أن أتخيل كم كان هذا الرجل يقرأ في الأدب الغربي والفلسفة الأوروبية لكي يشرح ما يحتاجه التفكير العراقي في ذلك الوقت، ويوسف مسكوني، ومحمود رامز ، وكامل الجادرجي، والملا عبود الكرخي، وشالوم درويش، وعبد المجيد خيالي، وتوفيق الفكيكي، وقاسم حمودي، ومحمود فهمي درويش في الأعمال الموسوعية التي طبعتها الدولة، ومريم زرمة، وعلي محمود الشيخ علي، وكل من ناجي وصائب وسامي شوكت، ثلاثة أخوة كل واحد برع في مجال لكن الأكثر ثقافة هو سامي لكنه كان عنيفاً في فكره القومي وهو ليس من أصل عربي، صائب الدكتور وناجي المعروف سياسياً، وفاضل الصيدلي أبو أكرم وعبد الحق كان شاعراً مجيداً. وهناك سلمان كوهين والشيرازي، وكامل الطبقجلي، وعبد الوهاب طباطبائي، وسامي خونده، ومحمد جمال الهاشمي، ومتي فرنكول، ومحمد أمين العمري وهناك أسماء أخرى لا يستطيع أن يذكرها كلها فاعتذر لمحدودية وقت المحاضرة ، ورغم ذلك كان العراق أبوابه مفتوحة أمام المثقفين العرب.
دور المثقفين العرب
وفي هذا الصدد أشار الجميل إلى رسالة دكتوراه أشرف عليها قبل خمس وعشرين سنة بعنوان "دور المثقفين العرب في العراق " وكان ذلك منذ عام 1989 وقد أنجزها أحد طلابه العراقيين ، لكنه في اطروحته لم يذكر كل الأسماء . ويذكر المحاضر بأن هناك أسماء عربية كثيرة عاشت في العراق وقدمت خدمات تربوية كبيرة للطلبة العراقيين خصوصاً في المدارس الثانوية. فالبصرة كانت تستقبل مثقفين من الإحساء، ان الأفغاني نفسه درس في النجف، ثم ذهب مهزوماً لأنه هُدد بالقتل عندما كان صبياً مراهقاً. وسليمان البستاني زار العراق إضافة إلى زكي الخطيب، وأنيس الصيداوي. كما جلبت الحملة البريطانية على مدى أربع سنوات مترجمين واطباء عرباً مثل الدكتور عارف معروف، عطا عون، حسين أفنان، أمين كسباني، اللبناني الذي كان يعتمد عليه الملك فيصل الاول، وقد كتب عن العراق ومثقفيه، وعن تجربته في العراق كتابة رائعة. أسماء أخرى من قبيل : حسين وفقي، وحسين النابلسي، وصالح شميل، وزكي مبارك، ونجيب مشرقي، ومحمود عطية، ومحمد أمين الشنقيطي من موريتانيا، ومحمد بن رابح وهو مغربي وعلي الطنطاوي وغيرهم .
توقف المحاضر عند أسماء سيدات وآنسات كان لهن تأثيرهن الواضح على الفتيات العراقيات مثل أمل قندلفت، وأمت سعيد، ووداد المقدسي، وسلمى المقدسي، ومديحة تحسين، والنور قمر وغيرهن من الشخصيات النسوية العربية.
كانت غالبية هذه الشخصيات مؤثرة أمثال : درويش المقدادي وأنيس زكريا النصولي، وعبدالله المشنوق وعبدالكريم عسيران إلاّ أنّ أهم شخصيتين من وجهة نظر المُحاضر هما رستم حيدر وساطع الحصري أحدهما قُتل والثاني جُرد من الجنسية العراقية. كما أشار إلى عبدالرزاق السنهوري، رجل قانون من الدرجة الأولى جاء إلى العراق لكي يساهم في كتابة قانون العقوبات البغدادي والقانون المدني. وعبد العزيز الثعالبي. وقد أثيرت ضد هؤلاء مشاكل من قبل بعض العراقيين الذين رفضوا إعطائهم الجنسية العراقية.
أشار المحاضر إلى أن شخصية رستم حيدر كانت مؤثرة في الدولة وليس في المجتمع فهو خريج المدرسة الشاهانية في إستانبول، كما أكمل دراسته في السوربون بباريس، وعندما التقاه فيصل أحبب فيه نزعته المعرفية، وخدماته الكثيرة التي كان يقدِّمها من دون مقابل. أما ساطع الحصري فهناك الكثير من التُهم ضده ولكن ليس كل ما يقال عنه صحيحاً. وحتى المحاضر نفسه كان ضده لأنه وقف سداً منيعاً أمام جامعة آل البيت وأمام وزارة المعارف وأمام فاضل الجمالي ولهذا نقله فيصل إلى المتاحف وهناك أيضاً قدّم خدمات كثيرة لا يمكن لأحد أن ينكرها. أما كتاباته القومية فقد جاءت في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات لكن مشروعه التربوي كان ناجحاً إلى حدٍ كبير. كما كان علمانياً سدّ الأبواب أمام كل أصحاب العمائم ولم يكن يميز بين هذا وذاك إلاّ بعد أن يأتيه بالأوراق الثبوتية التي تُثبت أنه خريج مدرسة حتى يقبلوه في معهد أو كلية.، وهذا الأمر حصل مع الجواهري حيث طلب منه الحصري أن يأتي بالأوراق التي تثبت تحصيله الدراسي فلم يأت بها فحدثت الضجة ضد ساطع الذي لا نستطيع أن نبرئه من كل الأخطاء لكن مشروعه التربوي الذي رسّخه في العراق ليس فقط في القراءة الخلدونية وإنما في كل المناهج كان ناجحاً جداً. الاثنان لديهما مذكراتهما وكل منهما يدافع نفسه إزاء القضية التي أُتهم بها ساطع.
جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية
برزت ضمن هذا الجيل أسماء أمثال ناجي معروف، وصفاء خلوصي، ومهدي المخزومي، وعلي الوردي، وطه باقر، وعبدالعزيز الدوري، وزكي صالح، وجواد سليم، وصالح العلي، والسياب، والملائكة، وعاتكة، ولميعة، وناظم الغزالي، وجعفر الخليلي، ويوسف العاني، وسعدي يوسف، والبياتي، والتكرلي، وذوالنون أيوب، وفائق السامرائي، وحسين جميل، وعبد الجبار عبدالله، وخير الدين حسيب، وإبراهيم كبة، وأحمد سوسة، والبسّام، والجواهري، وفائق حسن، ولعت الشيباني، ومحمد حديد، والجومرد، والديوه جي وكوركيس عواد، وميخائيل عواد، وعبدالرزاق الحسني، وفيصل السامر، وجرجيس فتح الله، ويونس بحري، وعبدالرحمن الجليلي، وحسن الذنون، وضياء جعفر، وعبدالرحمن البزاز، وصديق شنشل، وفؤاد الركابي، وسلمان الصفواني، وهاشم محمد، ومحمد سلمان حسن، ومحمد توفيق حسين، وعبدالرزاق شبيب، وهشام الشاوي، وسلام أحمد، وأديب الجادر، وسجاد الغازي، وأحمد الحبوبي، وشكري صالح زكي، وخيري العمري، وسليم النعيمي، ونجدة فتحي صفوت ، وسعدون حمادي، وشاذل طاقة، ومحمود الحديدي، وشفيق الكمالي، وعلي الحلي، وفؤاد جميل وغيرهم ،
ومن اليسار : محمود أحمد السيد، وحسين الرحال، وإبراهيم القزاز، وعبدالله جدوع، وعبد الفتاح إبراهيم، وخدوري خدوري، ويحيى قاف، ونوري روفائيل، وعزيز شريف، ويوسف حاج الياس، وسلام عادل، وزكي خيري، وسعاد خيري، ورحيم عجينة، وعبد الحق فاضل، وحسن زكريا، وعامر عبدالله، وداوود الصايغ، وعبد القادر إسماعيل، وعزيز الحاج، وعزيز محمد، وباقر إبراهيم، وعبد الملك نوري، وفائق بطي، وعلي جواد الطاهر، وكامل قزانجي، ونزيهة الدليمي، وعبد الجبار وهبي، وعبدالرحمن شريف، وصفاء الحافظ، وغائب طعمة فرمان، وبديع عمر نظمي، ونوري جعفر، وغانم الدباغ، ومظفر النواب، ورشدي العامل، ويوسف عبد المسيح ثروت، وجميل كبة، وصفاء الحيدري، وكاظم جواد، وباقر سماكة، ومحمد جميل شلش، وعبدالرزاق عبد الواحد، وحميد سعيد وسامي مهدي وغيرهم .
طالَبَ الجميل الحاضرين بمساعدته لمعرفة الأسماء الأخيرة في زمن الدكتاتورية مع استثناء مثقفي المهجر. وهو يرى أن مثقفي السلطة الذين كان قد مات ذكرهم اليوم. والمثقفون الحقيقيون إما مثقفون شاردون مهاجرون كأمثالنا، وإما مثقفون صامتون لا يستطيعوا البوح بكلمة واحدة. ثم استدرك ذكر بعض الكُتاب الذين نسيهم مثل حسين علي محفوظ، وجواد علي وجلال الحنفي وبلند الحيدري وغيرهم ( واعذروني ان لم اذكر كل الاسماء فقد كان العراق يعج بالمثقفين من كل الانواع والاطياف ) .
الثقافة المهاجرة
ثمة أسماء كثيرة في المهاجر من بينهم صلاح نيازي وخير الدين حسيب، وعبد العزيز الدوري، وعبد الكريم زيدان وغيرهم سواء اختلفنا أم اتفقنا معهم، فمحمد مهدي الجواهري كتب أهم أعماله في المهجر. ثمة أسماء أخرى مثل فؤاد سالم، لميعة عباس عمارة، عوني كرومي، إياد القزاز، فالح عبد الجبار، زهير الدجيلي، محمد مكية، وغيرهم من الأسماء الكبيرة الموزعة في أميركا وأوروبا وأستراليا ونيوزلندا وبعض الدول العربية أمثال عبدالرحمن مجيد الربيعي، وجلال الخياط، وإبراهيم الحيدري، وعبد الله الجليلي، وخالد القشطيني، وطاهر علواني، وسركون بولص، وطارق اسماعيل وديغيلين غزالة، وناهدة الرمّاح، وبرهان الخطيب، وعبد الحق فاضل، وزينب، وسعدي يوسف، ووليد خدوري، وفريال غزول، ولمياء الكيلاني، وفاروق الراوي، وحسن العلوي، ونجيب المانع، وسميرة المانع، وفؤاد التكرلي، وفاضل العزاوي، وامير الدراجي، وغسان العطية، ومظفر النواب، وفاطمة المحسن، وابراهيم العاتي وفالح عبد الجبار ، وزهير الدجيلي ، واحمد الحسو ، وابراهيم الزبيدي ، وكاظم حبيب، وفاروق عمر ، وجاسم المطير ، وأنوار عبد الوهاب، وسيتا هاكوبيان، وفريدالله ويردي، ورشيد الخيون ، وعدنان الصائغ ، وإنعام كجه جي، وبلقيس السنيد ، وريم كبة وغيرهم.
طلبَ الجميل من الحاضرين أن يتخيلوا لو أن هذه الأسماء كلها قد بقيت في العراق، ولو لم يهاجروا، ولو لم يأتينا ذلك الظلام الأسود فما الذي سيحدث؟ لو انتبهنا لأنفسنا لما ضاعت منا فرصاً كثيرة. ثم تساءل المحاضر: كم سنعيش عشر سنوات أو عشرين فإننا سوف نرحل حتماً، لكن السؤال المهم هو: من سيأتي بعدنا في العراق؟ لقد حوصرت الثقافة في العراق، غدت رسمية وسلطوية ومخابراتية. لا منفذ للإعلام الحر، دور النشر كانت محدودة ومقتصرة على مؤسسة واحدة تسمى دائرة الشؤون الثقافية. ووزارة الثقافة والإعلام كانت مهيمنة على عصب الحياة في العراق. بينما كانت السلطة تغدق على هذا وذاك حقائب سمسونايت وكوبونات نفط. أما التربية فكانت حزبية تمجيدية، الإعلام يمجد، والصحف تمجد، والشعراء يمجدون. من الذي أطفأ ملكة الشعر حتى عند النسوة العراقيات البسيطات اللواتي كنّ يقلن شعراً حتى حينما يشترين حاجة في الأسواق؟ لماذا انطفأت تلك المواهب؟ من الذي أطفأها؟ ومن الذي قادنا إلى هذا الجحيم؟ ولماذا لم ينتبه من تبقى في العراق إلى حال المأساة؟ من الذي أجهض الإبداع؟ ومن الذي أمات الطبقة الوسطى؟ ومن الذي ريّف الثقافة؟ ترييف الثقافة جاء قبل صدام حسين والصراع مازال موجوداً ليس بين من تمدن أو لم يتمدن، وإنما هو بين المتخلفين وبين أبناء المدينة.
يعتقد الجميل أن القضية معقدة جداً ويجب أن نراها من زوايا متعددة، وأن لا نبقى أسرى العلّامة الوردي مع احترامه الشديد له، بل يجب أن نرى المجتمع العراقي ونفهمه من داخله، وما الذي جرى لطبقاته الخمس منذ عقد الستينات حتى عام 2003؟
الإسلام السياسي
هيمن الإسلام السياسي بصورة بشعة هذه الأيام كما انتشر الفكر التقسيمي الطائفي الذي لم يعرفه المثقف العراقي الحقيقي، وإنما كان يستهين به لكن هشاشة الأخلاق دفعت بعض العراقيين لأن يسيروا خلف حكامهم الطائفيين فأماتوا قيمهم، وأشاعوا الموت والظلام، كما انتقلت هذه المشكلة إلى شاشات التلفزيون وغرف النوم.
يعتقد الجميل أن الأعمال الإبداعية لدى العراقيين الآن قليلة جداً قياساً بتعداد نفوسهم الذي بلغ 32 مليونا حتى الآن علماً بأن هناك خمسة ملايين قد غادروا العراق إلى أوروبا وأميركا وأستراليا وغيرها من البلدان المانحة لحق اللجوء. فالحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات لم تكتب عنها الأجيال اللاحقة الكثير، ولم تجسّد مآسيها ويخشى الجميل أن الذاكرة قد تموت مع أصحابها الذين عاشوا ويلات تلك الحرب. وعلى الرغم من أن الحرب قد انتهت على السواتر لكنها ما تزال موجودة في دواخل الناس الذين اشتركوا وعاشوها لحظة بلحظة! فأين هو المثقف العراقي الحقيقي الذي يستعيد ذاكرته ليكتب عن تلك المآسي والفظائع التي عاشها الشعب العراقي برمته سواء في السواتر الأمامية أم في المدن العراقية المتاخمة للحدود الإيرانية أو البعيدة في أعماق الخارطة العراقية؟
المجتمع والدولة
يرى الجميل أن التربية والتعليم قد أصبحا في خبر كان، إذ كنا نحلم بمدارس راقية، ونتمنى أن ننقل خبراتنا وتجاربنا إلى العراق لكي نعلّم أولادنا واحفادنا ، لكن ما الذي حدث؟ أُجهض كل شيئ حتى من تبقى من المبدعين في الداخل حيث قُتلوا وشُردوا من بيوتهم، الجوامع والكنائس والمعالم التاريخية التي تعود إلى مئات السنين حُطمت وفُجرّت بينما الذي يتربعون على سدة الحكم صامتون لم ينبسوا ببنت شفة ولم يحركوا ساكنا وكأن شيئاً لم يحصل! وأكثر من ذلك فإن الحريات مختفية منذ زمن طويل، والحرية التي يقصدها الجميل هي ليس أن تمشي في الشارع ويعترضك رجال الأمن أو الجيش، بل هي أن تشيع الجمعيات والروابط ومؤسسات المجتمع المدني. الحرية هي أن تأخذ المرأة العراقية دورها في المجتمع وهي التي قدمت أشياء كثيرة على مدى أزمنة طويلة.
ذكر الجميل بأنه لم يعد يخاف السلطة في الدولة، بل أصبح يخاف سلطة المجتمع، بل أن المجتمع أصبح سلطات متعددة لا تعرف من أين يأتيك هذا وذاك؟ لقد أصبح المجتمع هو المتسيّد في هذه الحالة الفوضوية التي وجد العراقيون أنفسهم فيها على حين غرة . إذن، ما الذي تبقى للقرن الحادي والعشرين ؟ إن حدث تغيير بنيوي في مفاصل الحياة التاريخية في هذا الزمن القادم ، ويقصد به من عام 2009 إلى 2039 لهذا الجيل تحديداً، ماذا سيجد كل من الجيلين اللذين سيعقبانهما حتى نهاية القرن الحادي والعشرين في بناء نوع من الحياة الثقافية ليس على النسق الذي كان عليه العراقيون في القرن العشرين، وإنما على نسق آخر جديد؟ تُرى هل أن النوع الآخر هو نهاية المطاف؟
رؤى واستنتاجات
اختتم الجميل محاضرته ببعض الرؤى والاستنتاجات التي تأمل فيها طويلاً لكي يقول بالنتيجة أن المثقف والسياسي لا يلتقيان ومنها:
- أن المثقف اليساري في العراق كان أكثر قوة وحركة وإبداعاً من المثقف القومي ولا يمكن وضع أي اعتبار للمثقف الإسلاموي.
- لم نجد المثقف الحقيقي في العراق اليوم ، وربما سيولد في الأفق البعيد، والمحاضر يقصد داخل العراق وليس خارجه.
- لا يوجد مثقف إسلاموي مهما كانت صفته وطائفته ومذهبه، والمحاضر لا يهمه سواء أكان هذا أم ذاك إذا بقي محنطاً ولم يعرف طعم الحرية.
- كل المثقفين العراقيين الذين أشهرتهم الحكومات العراقية المتعاقبة السابقة حتى اليوم سيؤكل ذكرهم مع الزمن ، وتصبح أسماءهم نسيا منسية. المثقف العراقي في الماضي الجميل كان يتعب لكي ينشر له أية كلمة ، أما اليوم فالوسائل الحديثة قد فتحت المجال أمام كل من هبّ ودبّ لكي يكتب ما يشاء ويتناقل العراقيون كتاباته وخصوصاً المقالات السياسية، فلقد أصبح الكل يكتبون المقال السياسي ، وليس لديهم لا نص إبداعي ، ولا قصيدة شعرية ، ولا لوحة تشكيلية، كما أصبح الجميع محللين سياسيين إستراتيجيين! وكلهم غثائ على حساب المبدعين والموهوبين المدفونين في غياهب الفوضى !
- أن هذا الذي نشهده اليوم سيؤثر تأثيراً كبيراً على بنية الأجيال القديمة وعلى الذاكرة العراقية مع الأسف، وأن هذه الذاكرة العراقية ستُنسف من داخلها بواسطة هذه الأكاذيب والمفبركات والمقالات التافهة الرائجة .
- ليس كل المثقفين العرب الذين خدموا في العراق بسيئين كما يُوصفون به اليوم ، فهناك أسماء خدمت العراق بإخلاص وتفانٍ ونذكر منها : جبرا إبراهيم جبرا والشريف محي الدين حيدر وعبد الكريم عسيران ( مؤسس الحركة الكشفية ) وكثير من الذين لعبوا أدواراً مهمة وأحبوا العراق بصدق وعشقوه.
- إن العراقيين غير متجانسين مع بعضهم بعضاً ، لكنهم يحترمون ( الاجانب والخواجات ) الذين يأتونهم من الخارج ويقدّرونهم ويكرمون وفادتهم.
- ظهر من بين العسكريين العراقيين عدد من المثقفين الرائعين والكتاب الممتازين من بينهم عبد المسيح وزير الذي شغل وظيفة مترجم في وزارة الدفاع وكان مترجماً رائعاً لطلبة الأركان. وقد ترجم العديد من الكتب من اللغة الألمانية، وخدم الثقافة العراقية خدمة رائعة. كما كتب محمود شيت خطّاب كتباً عديدة في التاريخ الإسلامي، فيما قدّم شكري محمود نديم تفاصيل كثيرة عن تاريخ العراق في الحرب العالمية الأولى.
- هناك رموز كثيرة في ثقافتنا العراقية وسوف تبقى أسماءهم في الحياة التاريخية للعراق، وسوف يذكرهم العراقيون دائماً، فالرمز للمبدع حصراً ولا يمكن أن نطلقه على السياسي أو على رئيس الوزراء أو رئيس مجلس قيادة الثورة ، فأمثال هؤلاء ممكن أن يكون احدهم رائداً او مناضلا او سياسياً أو رائداً للقومية العربية وما شابه ذلك، أما الرمز فهو مقترن بالمبدع دائماً، بالموسيقار ، او بالشاعر أو الرسام أو بالروائي أو بالقاص الذي يكتب نصاً يهزّ الناس ويغيّر ذائقتهم. وفي هذا الصدد لا يمكن أن ننسى دور الموسيقار جميل بشير ، أو المسرحي حقي الشبلي ، أو علي الوردي، وعبد العزيز الدوري، ومحمد القبانجي، وفؤاد التكرلي، والشريف محي الدين حيدر ، وفائق حسن، وجواد سليم، ومحمد سلمان حسن، ومحمد مهدي الجواهري، والسياب، وعبد الملك نوري، وعبد الجبار عبدالله، وحسن زكريا، وحسام الآلوسي، وريمون شكوري، وزكي الجابر، وزينب، وزها حديد، وسليم البصري، وخير الدين حسيب ، ونجيب يونس ، وعبدالله إبراهيم، وعبد الكريم زيدان، ومحمود الجليلي ، وعبد الواحد لؤلؤة، وصفاء خلوصي، وجعفر خياط، وعصمت كتاني، وعلاء بشير، وفؤاد سفر، وكامل الدباغ، ومتي عقراوي، ومحمد رضا الشبيبي، ومؤيد البدري، ومنير القاضي، ونازك الملائكة، ونصير شمة، وهاشم الخطاط، وسرين أربيل، وهاشم الوتري، ويوسف العاني، وملا عبود الكرخي، وأكرم فهمي، وسالم الآلوسي... وغيرهم ( وليعذرني القراء ان لم اذكر جميع المبدعين العراقيين ، فهم كثيرون جدا ) !
- غُبن حق المرأة العراقية كثيراً وعوملت بطريقة لا تتناسب مع دورها كمثقفة عراقية أصيلة تركت بصماتها على المجتمع العراقي ومن اوائل المثقفات العراقيات البارزات : صبيحة الشيخ داوود، وبولينا حسون، وأميرة الياس، وفتحية عنبر عطا، وفاطمة سعيد، ومقبولة صالح، ونورية عبد القادر، وفرقت نامق، وباكيزة موسى صبري، وفطينة النائب، وسليمة الملائكة، ورباب الكاظمي وغيرهن من النساء العراقيات اللواتي رفدن الثقافة العراقية بمنجزاتهن الكثيرة منذ القرن التاسع عشر وحتى الوقت الحاضر.
تمنى الدكتور سيار الجميل في ختام محاضرته أن يبقى حياً ويجد العراق قد استعاد عافيته من جديد بعودة ثقافته ومثقفيه إلى الحياة.
846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع