زينب حفني
تحدثتُ الأسبوع الماضي عن غياب العدالة بالولايات المتحدة الأميركيّة في تعاملها مع مواطنيها السود، وظهر ذلك جليّاً في قضية مقتل المراهق الأميركي الأسود الذي قُتل على يد أحد أفراد الشرطة. ومن يرى المدرعات التي نزلت لشوارع مدينة (فيرجسون) لقمع المحتجين، يعتقد بأن أميركا تُواجه عدواً شرساً وليس مجموعة من المعارضين، كل مطالبها تنحصر في معاقبة الشرطي، الذي قتل المراهق الأعزل بشهادة الشهود وتقديمه للعدالة.
يظهر بأن بلاد العم سام قد بدأت تتعرّى سياسيّاً أمام العالم بفضائحها! وها هي تقوم بتطبيق معايير الازدواجيّة في انتهاكها لمبادئ حقوق الانسان على أرضها وفي مطالبتها بتطبيق هذه المبادئ على الآخرين! وها هي تقف عاجزة أمام همجيّة (داعش) التي يُدرك الكثيرون بأنها صنيعة غربيّة لتقسيم أوطاننا، فانقلب السحر على الساحر بعد قيام "داعش" ببث شريط فيديو يُظهر صحفياً أميركياً حليق الرأس قبل ذبحه وهو يقول بأن مقتله ردّاً على الضربات الأمريكيّة للمواقع التي تُسيطر عليها هذه التنظيم المتشدد بالعراق.
أعجبتني تغريدة كتبها الشيخ عادل الكلباني إمام وخطيب مسجد المحيسن بالرياض، وكانت قد أثارت الكثير من اللغط على صفحات التواصل الاجتماعي، يقول فيها بأن داعش نبتة سلفيّة. وفي ردّه على تعليق أحدهم له بأن "داعش" صناعة استخباراتيّة، أجابه "الكلباني" بأن كل ما فعله العدو كان استغلال الفكر، وأن فرعونيّة الفكر لا بد أن تكون نتائجها "داعشيّة" بالفعل!
وكان مفتي السعوديّة ورئيس هيئة كبار العلماء بالسعوديّة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ قد صرّح مؤخراً بأن أفكار التشدد والإرهاب ليست من الإسلام، وأن "داعش" و"القاعدة" وما تفرّع منهما جماعات خارجيّة وامتداد للخوارج وأن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة.
أرى بأن هذين التصريحين يُبيّنان أن السعوديّة قد بدأت تتنبه لخطر الأفكار المتشددة على الشباب السعودي في التغرير بهم واستقطابهم وتوريطهم في وكر هذه الجماعات الدمويّة، وذلك بحث دعاتها على توعية المجتمع للأخطار المحدقة به، ولكن هل يكفي هذا؟ لقد لفت انتباهي مقال جريء للزميل هاني نقشبندي تحت عنوان (تايتانيك السعودية) يقول في مقطع منه: "لقد وُلدت في السعودية جملة من الأفكار المتشددة، التي كان يُنادي بها حتّى أقرب عناصر المؤسسة الدينيّة قُرباً من السلطة، وما تزال الكتب الدينيّة إلى اليوم تمتلئ بفتاوى أصدرها علماء كبار تُخالف كل منطق وعقل، وهي لمن نظر إليها تتقاطع مع كثير من أفكار داعش والقاعدة وطالبان".
ما ذكره نقشبندي ليس بجديد وقد دعا إليه أغلبيتنا، لكن المناخ الفكري اليوم ليس كالماضي وما يجري من وحشيّة على يد تنظيم "داعش" يستدعي وقفة حقيقيّة من الدولة والتصدّي له بقوة. لا يكفي أن تُغرّد العصافير كل صباح على النوافذ! لا بد أن تكون النوافذ مشرّعة عن آخرها كي يُنصت الناس تغريداتها جيداً، وهذا لن يكون إلا إذا كانت هناك نهضة حقيقيّة في المناهج التعليميّة ومراجعة النصوص الدينيّة التي تُكفّر الأفراد وتحكم عليهم بالإلحاد لمجرد تغريدة من هنا أو تعبير صدر بحسن نيّة عن أحدهم! الحل يكمن في غرس أفكار تنويّرية تقوم على احترام عقائد ومذاهب الآخرين، والإيمان بأن المجتمع المتحضّر يقوم على تعدد الثقافات وتباين الاتجاهات والتعايش المشترك.
بدون التخلّص من الموروثات العقيمة، وزرع الأفكار المستنيرة وتطوير الخطاب الديني بما يتناسب مع متطلبات العصر، لن تقوم لمجتمعاتنا قائمة، ولن تفلح ملايين الفتاوى في تحصين مجتمعاتنا. الاصلاح يبدأ من تطبيب الأرض وتخليصها من آفات الفكر المتشدد، حتّى تطرح ثمرات طيّبة في النهاية.
965 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع