علاء الدين الأعرجي
محام/ باحث ومفكر عراقي
ينطلق كتابنا "أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، الصادر هذا العام في بغداد، بوجه خاص، من فرضية أساسية مفادها أن السبب الجذري الذي أدى إلى جميع المعضلات والنكبات التي أصابت الأمة العربية، والتي يمكن أن تؤدي إلى انقراضها، هو التخلف الحضاري، أو تخلف العرب عن مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي والفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي. ويتفق على فحوى هذه الفرضية النظرية معظم المفكرين العرب المتميزين، وعلى رأسهم ؛ قسطنطين زريق وزكي نجيب محمود وهشام شرابي ومحمد جواد رضا ومحمد عابد الجابري وهشام جعيط وعلي الوردي، وحسن حنفي وكمال عبد اللطيف وفؤاد زكريا ومحمد جابر الأنصاري وغيرهم.
الحضارة المعاصرة لم تعد حضارة الغرب فقط، بل يمكن أن نسميها "حضارة عالمية"، بما أنها انتشرت في شرق آسيا، وتجلت في التقدم الاقتصادي، وما يتضمنه من تقدم علمي وتكنولوجي، وما ينتجه من تقدم حضاري على مختلف المستويات. وتجلى هذا الانفجار الحضاري فيما أطلق عليها بلدان النمور الآسيوية بما فيها كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وتايلند والصين، ولحقت بها الهند، وسبقتها اليابان طبعا.
من أسباب ومؤشرات انقراض الأمة العربية
يجب أن نضع على رأس المؤشرات ظهور الحركات السلفية التكفيرية المتطرفة وتغوّلها، وعلى رأسها حركة "داعش" التي أعلنت إنشاء "دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام"، واحتلت محافظة نينوى أهم محافظات العراق بعد بغداد، وأراضٍ شاسعة أخرى، وهي مرشحة للتوسّع والاستقواء.
والآن عودة إلى الأسباب العامة الأخرى :
1- الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي المباشر المتمدد، وغير المباشر المتشعب الذي يواصل سريانه في شرايين الأمة كالخلايا السرطانية القاتلة ببطء بل بسرعة أحيانا. والتطبيع، الذي تتحرق له إسرائيل وينتظره عدد من الدول العربية، سيزيد من انتشار واستشراء هذه الخلايا السرطانية .
2- الحروب الخارجية والبينية والأهلية المتواصلة منذ أكثر من نصف قرن، على الأقل. ومنها حروب فلسطين التي مازالت قائمة، وكان آخرها الحرب على غزة، وقبلها حروب الخليج الكبرى، والحروب الأهلية في سورية والسودان والجزائر ولبنان والصومال وليبيا والعراق، وربما اليمن وبالإضافة إلى هذه الحروب الساخنة، هناك الحروب المتقطعة أو الباردة.
3- الهجرة الجماعية والفردية للملايين من مختلف البلدان العربية ولاسيما أثناء الصراعات المسلحة. وهجرة العاطلن والفقراء إلى الخارج للبحث عن لقمة العيش. هذه الظاهرة المستشرية والمتفاقمة بمرور الزمن، تحمل إضافة إلى دلالتها الانقراضية، دلالات إضافية مهينة للعرب بوجه عام والانظمة العربية، خصوصا. ولاسيما تزاحم المصريين للهجرة إلى إسرائيل. وتقول بعض الإحصاءات أن هناك 7 ملايين طلب هجرة من مصر إلى إسرائيل.
4- هجرة العلماء والمثقفين العرب إلى الخارج بحثاً عن فرص عمل أفضل وظروف أحسن ومستقبل أضمن لهم ولأولاهم . لاسيما من البلدان التي تتعرض للصراعات المسلحة أوعدم الاستقرار.
5- عمليات التصفية الجسدية أو التهديد المباشر أو غير المباشر، التي تطال العلماء العراقيين بوجه خاص، ولاسيما بعد احتلال العراق. والعرب بوجه عام، والهجرة الاضطرارية لهولاء العلماء للعمل في إسرائيل أو في البلدان المتقدمة الأخرى.
5- الإمعان في عمليات التجزئة والتفتيت لإقليم الوطن العربي الكبير، المقسم والمنهوب أصلا، بإرادة الآخر، أو بسبب النظام الفاسد الذي يعامل بعض فئات المجتمع كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة.
6- الاقتصاد الريعي الذي لا يدخل فيه الجهد البشري المنتج للمنفعة. وهذا يصدق في المقام الأول على معظم البلدان النفطية، فضلاً عن معظم البلدان العربية .
7- تزايد الفجوة الحضارية بين العرب والمجتمعات الحداثية، بتقدم الزمن، بما في ذلك الفجوة الغذائية، والفجوة العلمية والتكنولوجية أو المعرفية عموما. فكلما تزايدت هذه الفجوات سعة وعمقا، تزايدت سلطة الآخر( ولاسيما إسرائيل والغرب) على مقدرات الأمة ومصيرها. ثمة ثورة علمية وتكنولوجية ومعلوماتية تتفجر اليوم في جميع البلدان المتقدمة بما فيها إسرائيل، بينما نلاحظ غياب العرب الكامل عن المساهمة في إنتاج هذه الثورة، مما يؤدي إلى بقائهم مستهلكين فقط، وبالتالي إلى زيادة سيطرة الآخر عليهم . كل ذلك على الرغم من وجود قرابة 350 جامعة عربية اليوم خَرَّجَتْ حوالى 15 مليون خريج ، منهم مليونان من المتخصصين وحملة إجازة الدكتوراه.
8- تدهور دور اللغة العربية الفصحى لحساب اللغات المحلية ، وعدم بذل جهود كافية لتسهيل اللغة العربية وتطويعها لمتطلبات العصر الحديث. علماً ان اللغة هي العامل الاكبر أهمية في تكوين وتوحيد الأمة.
9- عمليات الضغط والتهديد والتطويع والتركيع، والإذلال، او المقاطعة و الحصار الاقتصادي، التي يمارسه الآخر للقضاء على بقايا هذه الأمة. مثل حصار شعب العراق خلال 13 عاما وحصار غزة حاليا .
10- والأهم من كل ذلك، غفلة الأمة أو عدم وعيها بهذا المصير الوشيك الذي يتهددها، ونحن لانقصد غفلة العامة فقط، وهو امر طبيعي ومفهوم، بل أقصد معظم أعضاء الخاصة وبعض من أعضاء النخبة التي قد تتجاهل هذا الأمر الخطير أوترفضه إما جهلا ً أو عدم اكتراث. بل قد يُلاحظ أن الكثير من العرب يساهمون، دون وعي، في تعجيل هذا المصير بسلوكهم غيرالمسؤول في كثير من الحالات منها على سبيل المثال، نشر بذور الفتنة بين مختلف فئات الوطن الواحد، بسبب اختلاف المذهب او الطائفة أو الدين، كما يحدث في العراق، وفي العديد من البلدان العربية.
وانطلاقاً من حرصنا الشديد على إحياء هذه الأمة، ما برحنا نحذِّر ونُنذِر بأننا وصلنا إلى نقطة حاسمة يجب أن لا نهملها أو نكابر عليها، لأن الوقت ليس في صالحنا. و"الساكت عن الحق شيطان أخرس"(حديث منسوب إلى الرسول، ص).
1301 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع