محنة الفرقة السمفونية

                                        

                          عدنان حسين

إلى الراحلين متّي عقراوي ومحمد فاضل الجمالي يُعاد الفضل في التمهيد لإنشاء الفرقة السمفونية الوطنية العراقية التي كانت من أقدم الفرق من هذا النوع في الشرق الأوسط،

وهو ما بقينا نباهي به بقدر مباهاتنا بنهضة العراق الشعرية والمسرحية والتشكيلية المميزة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
عقراوي والجمالي هما من الشخصيات الأكاديمية والاجتماعية المرموقة في تاريخ العراق الحديث. كلاهما متخصص في الشؤون التربوية، وساهما في إنشاء منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (يونسكو).. الأول كان أول رئيس لجامعة بغداد (1957)، والثاني شغل العديد من المناصب السيادية في العهد الملكي، وزيراً ورئيساً لمجلس النواب عدة مرات.
الرجلان أنشآ في أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي أول معهد للموسيقى في بغداد، هو المعهد الموسيقي العراقي الذي تطور في غضون سنوات قليلة إلى معهد الفنون الجميلة، وفي رحم هذا المعهد نشأت "فرقة بغداد للفيلهارمونيكا" التي كانت الأساس في تشكيل الفرقة السمفونية الوطنية، أحد صروح الثقافة العراقية ومفاخرها.
الفرقة السمفونية والمؤسسات التي مهّدت لولادتها منذ نحو ثمانين سنة كانت من مظاهر عملية التحضر المنطلقة بعد إقامة الدولة الحديثة التي تبنت النظام الملكي الديمقراطي، وعكس الخط البياني لسيرة حياتها عمليات الارتقاء والانحدار في عملية التحضر هذه بحسب التطورات والتغيرات السياسية التي ظلت عموماً في انحدار متسارع منذ ستينيات القرن الماضي، وخصوصا بعد العام 1979 الذي استحوذ فيه صدام حسين على السلطة وزجّ البلاد في حروب طاحنة متلاحقة أفضت بنا إلى ما نحو عليه الآن.
أمس نشرت "المدى" باقتضاب شكوى لرئيس الفرقة السمفونية ورئيس اتحاد الموسيقيين العراقيين الأستاذ عبد الرزاق العزاوي من ان الفرقة لم تزل بلا مقر ثابت لها تتدرب فيه وتقدم أعمالها، متمنياً على الحكومة المنتظر ولادتها في غضون أسابيع أن تُسرّع في إنجاز مشروع دار الأوبرا الجديدة لتكون المقر المطلوب.
أضم صوتي الى صوت الأستاذ العزاوي، متمنياً أن تضم الحكومة الجديدة وزير ثقافة مثقفاً، أو في الأقل يقدر الثقافة حق قدرها ويتذوق منجزاتها، فليست الفرقة السمفونية الوطنية وحدها من عانى من عدم إسناد وزارة الثقافة طيلة السنوات الماضية إلى من لا يستحق أن يكون وزيراً للثقافة.. كل مجالات الثقافة كابدت هذه المحنة، وهذا ما يفسّر، مثلاً، كيف ان مئات ملايين الدولارات قد أُنفقت العام الماضي على مشروع "بغداد عاصمة الثقافة العربية" من دون أن نشهد ولو ترميم مبنى مسرح واحد أو دار للسينما واحدة في بغداد!
المشكلة الحقيقية على هذا الصعيد إن الطبقة السياسية المتنفذة اليوم في البلاد ليس فقط لا تحبّ الثقافة، وإنما أيضا تحتقرها أشد الاحتقار.. هذا الاحتقار عبّر عنه أحد أقطاب هذه الطبقة بقوله ذات يوم عندما عُرضت عليه وحركته أو حزبه أو ائتلافه وزارة الثقافة: "أهذه وزارة؟" .. قالها متعجباً ومستنكراً، معبراً في الواقع عن أميته وجهله وتخلفه وضحالة تفكيره، ومعه الحزب الذي ينتمي اليه وعموم الطبقة السياسية المتنفذة في "العهد الجديد".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

970 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع