زينب حفني
احتفلت بريطانيا مؤخراً بمرور مئة عام على ذكرى الحرب العالمية الأولى التي أعلنت فيها بريطانيا الحرب على ألمانيا عام 1914م، وذلك بإطفاء الأنوار لمدة ساعة واحدة فقط بالمدن البريطانية كافة، من الساعة العاشرة حتى الحادية عشرة مساء.
وكان وزير خارجيّة بريطانيا في ذلك الوقت السير (إدوارد جراي) هو أول من دعا إلى إطفاء الأنوار عشية اندلاع الحرب.
المنظمون كانوا قد دعوا الجميع إلى المشاركة في إحياء هذه الذكرى المهمة، كما حثَّ رئيس الوزراء (ديفيد كاميرون) الأفراد داخل البيوت على إطفاء الأنوار وإشعال الشموع تقديراً لهذا الحدث المهم وتحية لمليون بريطاني قتلوا إبّان الحرب، إضافة إلى عدد من المسارح والمتاحف البريطانية وكنيسة «ويستمنستر» التي شاركت جميعها أيضاً في إحياء هذه الذكرى بإطفاء الأنوار وإضاءة الشموع. الخبر الأبرز في إحياء هذا الحدث التاريخي، هو الجمع بين الثقافة والذكرى المئويّة للحرب العالميّة الأولى، وذلك بإسناد عمل تصاميم فنيّة تنتمي إلى الفنون المعاصرة لأبرز الفنانين من اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية وإنجلترا، يتحدث أصحابها بفنّهم عن هذه الذكرى.
فنانة هندية قامت بتصميم فيديو ضخم قامت بعرضه على واجهة المتحف الوطني الاسكتلندي. وفي «ويلز»، قدّم فنان متخصص في عروض الصوت والضوء، عرضاً متميّزاً بموقع القوس التذكاري للحرب العالمية الأولى في شمال «ويلز»، وقدّم فنان ثالث عملاً ضخماً استخدم فيه آلاف الشموع لكتابة بيان على العشب في سيتي هال.
الحرب العالمية الأولى لها أهمية كبيرة ليس في تاريخ أوروبا فقط، بل أيضاً في تاريخ العرب! فالحرب غيّرت نتائجها خريطة العالم بأسره، وبانتهائها سقط الحكم العثماني بعد خروجه منهزماً، ووقوع البلاد العربية بعدها في براثن الاستعمار الأوروبي الذي عانت الشعوب العربية قسوته عقوداً طويلة.
جميل أن تُحيي أوروبا ذكرى انتصاراتها، فالمنتصر دوماً على حق، كونه هو الذي يُعيد كتابة صفحات التاريخ حسب رؤاه! لكن ألم يكن من الأولى أن تُقدّم بريطانيا اعتذاراً شاملاً للبلدان العربية التي استعمرتها وناضل أهلها طويلاً من أجل تحرير أوطانهم من نير الاستعمار، وفقدوا خلالها خيرة شبابهم؟ أليس من حق مصر أن تُطالب الحكومة البريطانيّة بالأموال التي استدانتها من الخزينة المصرية إبّان الحرب؟ أليس من حق الفرنسيين أن يقدموا هم أيضاً اعتذاراً معلناً للجزائريين عن المجازر التي اقترفوها في حقّهم وخلّفت مليون شهيداً؟
المثير للسخرية أن ألمانيا ليلاً ونهاراً تدفع فاتورة أخطائها وتُحاول أن تُكفّر عن أخطائها في حق يهود المحرقة النازيّة التي زوّرت إسرائيل في أعداد ضحاياها لتحقيق المزيد من المكاسب على الأرض! ولو وضعنا ضحاياهم في كفّة، وضحايا الفلسطينيين الذين قتلوا على يد المحتل الإسرائيلي لحد اليوم في كفّة ثانية، لمالت الكفة الفلسطينية آلاف المرات! لكن نحن للأسف في نظر العالم أرخص من أن يُبكى علينا، لأننا لا نُجيد المحافظة على حقوقنا! أو بمعنى أصح لا نعرف كيف نستثمر معاناتنا في انتزاع مكاسب حقيقيّة! كل الذي نجيده التعبير عن قلة الحيلة!
لو فكرنا أن نُحيي ذكرى آلامنا، تُرى أي حقبة سنختار؟ تاريخنا مليء بالمآسي وكلما خرجنا من بؤرة وقعنا في مستنقع، كأن قدرنا أن ندور في ساقية الألم، بداية من الابتلاء بساسة جائرين استحلوا ضرب شعوبهم بسياط الذل كي يبقوا على كراسيهم، وانتهاء بمستعمرين سال لعابهم دوماً على خيرات بلادنا، مستغلين تخبط أهلها في دائرة الجهل وقلة الوعي والضياع الفكري!
متّى سيجيء اليوم الذي سنضيء فيه شموع الانتصار، ونحتفل برفع راية الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعيّة على أسطح أوطاننا؟ هل سيطول الانتظار؟ حقيقة لا أدري!
1179 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع