الدكتور مهند العزاوي*
تتسارع الاحداث وتتفاقم المتغيرات في العراق لترسم ملامح عقد جديد عنوانه الحرب على الارهاب المتجددة بين ارادة دولية محتربة ومتصارعة ومنقسمة على نفسها في رقع متعددة في العالم , تستخدم كافة السبل لتبرير فشلها وخصوصا خطيئتها النازفة في العراق ,
وحشد اقليمي تائه بين الجري خلف الاطماع والتمدد بالجوار العراقي لتقطيع الركن القوي في التوازن العربي الاقليمي , ويدور في فلكهم " طائفة ملونة " من تجار الطائفية السياسة وأمراء الحرب وشيوخ العشائر وأحزاب الوهم الباحثون عن منافع فردية باخس الاثمان , ليدفع شعب العراق ضريبة مزمنة اسمها الانا والصدارة وحب الذات تحت يافطة الوطن والدين والطائفة .. الخ.
تبخر القوة
يمارس العقل البشري المراجعة الدورية لتحديث مخزونه المعرفي باستمرار وفي كل لحظة , ويقف امام اسئلة صعبة ومحيرة وأجوبة حرجة ومحبطة , ولعل السؤال الابرز كيف تنهار قوات مسلحة قوامها 40 الف مقاتل مسلح بأحدث الاسلحة ومعزز بمراقبة فضائية وإسناد جوي عالي ومدربة على القتال من قبل الدولة السوبر حربيا وهي الولايات المتحدة , وقد أنفقت عليه مليارات الدولارات والتي بلغت ترليون دولار من خزينة العراق , امام بضع مئات مسلحين يفترض انهم تابعون لتنظيم ارهابي متابع ومطارد يقبع في الجحور وليقوي على الظهور والقتال النظامي , ويبرز فجأة على السطح كأنه جيش جرار منظم يجتاح ثلاث محافظات عراقية خلال ايام وهذا ما يعجز عنه اي جيش نظامي غازي عابر الحدود بعدته وعتاده , ليصحو العراقيين على ضجيج اعلامي وحربي عنوانه " داعش " وصخب سياسي مضطرب مأزوم يرتقي للفوضى والصدمة المنظمة , ليرسم ملامح عقد حربي جديد او حروب افتراضية تقود لنصر مزيف لاحقا , او مزيد من الانهيارات المنظمة وفقا لداعش فوبيا .
واقع مضطرب
مارست وسائل الاعلام منهجيات مختلفة في تغطية الحدث بين صمت وصخب وترقب وتغطية خجولة , وتمنيات مفقودة دون الاخذ بنظر الاعتبار عمق الحدث وأدواته ودوافعه وإغراضه , وكالعادة انقسم الاعلام العراقي الى اعلام يمارس ضجيج الحشد الطائفي كعادته ويجرم معارضيه , وأخر معارض يمارس صخب الثورة ويستثمر الفشل والانهيار على انه ثورة , دون الاخذ بنظر الاعتبار جسامة الحدث وخطورته وخيوط المسرح الخلفية , اما الاعلام العربي ذهب يغطي شكل الظاهرة " داعش " تتقدم وتتفوق على جيش نظامي , وركز الاعلام على تداعيات انهيار القوة دون الولوج الى الواقع السياسي العراقي المضطرب وتشكيلته الشاذة (لبننة العراق), التي رسختها الولايات المتحدة وسوقها الاعلام العربي , وهي بمثابة سبب مباشر للإحداث وغير مباشر من خلال ترك العراق يخوض في بحر الدماء الطائفية , وقد يكون مفتعل نظرا لقسوة الحرب الفردية والحزبية على السلطة داخل وخارج العملية السياسية , وانهيار منظومة القيم السياسية , وغياب الاطر الديمقراطية ومفردات النظام السياسي الفاعلة , وتفاقم الانتهاكات وتعاظم دور المليشيات (المليشيا سلطة) وازدياد التوغل الاقليمي في العراق , ناهيك عن جعل العراق ممر لوجستي وحربي للحرب في سوريا , ونبهنا عن خطورة ذلك في مقالات سابقة , اضافة الى اهمال الحراك الشعبي وهو يطالب حقوق نادى بها ساسة اليوم قبل مجيئهم الى السلطة ورفضوا تلبيتها بعد وصولهم اليها , واعتمدت المنظومة السياسية الحاكمة بكافة مفاصلها الامنية والعسكرية والسياسية والتشريعية والقانونية والرئاسية سياسة فض الاعتصامات بالقوة الذي افضى لحرب عبثية في الانبار استنزفت الموارد البشرية والمالية دون حسم وعززت الانقسام المجتمعي مما ادى الى توسيع رقعة الحرب الى الموصل وإنهاء التلاحم السياسي الشعبي لنصحو على ضجيج داعش تغزو العراق .
ابحث عن المستفيد
تشكل ساحة العراق مسرحا لصراع الارادات الدولية والتنافس الاقليمي والتناحر العربي ,وباستخدام أدوات وافدة ومحلية , وتجعل من عامل الحركة وافتعال الاحداث الدراماتيكية وصناعة الازمات مسلكا للتغيير السياسي تارة , وصناعة انتصارات وهمية تارة اخرى , وتحريك ملفات مستعصية احيانا , وعندما نستخدم القاعدة الفقهية في التحليل (( عندما يغيب الفاعل ابحث عن المستفيد)) نشهد هناك اكثر من مستفيد من الفوضى السياسية والمسلحة في العراق , وعلى سبيل المثال في ظل الاستنزاف الحربي المزمن واشتعال الحرب اللامتناظرة في سوريا والعراق ولبنان لا وجود لرابح سياسيا محلي , لأنها حرب استنزاف طويلة الاجل للموارد البشرية والمالية , وبمثابة سوق سلاح مفتوح لعشرات السنين , وميدان حر لرسم الخوارط السياسية الحديثة المعتمدة على دويلات الطوائف والقوميات وفقا لما يروج له بعض الباحثين , وفي ظل الاستعصاء السياسي في العراق وانهيار القوالب السياسية الجاهزة( لبننة العراق) اصبح التغيير ملزما بعسكره الطوائف والقبول بمبدأ (الدولة عاصمة ) او (الدولة محافظة او قضاء ) كما معمول به الان ليفتح سوق الحرب من اوسع ابوابه , او كما حذر "صموئيل هنغتون " من خطورة استمرار الاستبداد الذي سيولد جيل مسلح يصعب معالجته خصوصا في ظل بيئة حرب مزمنة مثل العراق وسوريا اليوم , وبما ان ملف العراق يمتلك كارزمة اعلامية وسياسية فهو في متناول اليد لتحقيق نصر مزيف يجري من خلال تدخل محدود يسوقه الاعلام انتصار حرب الخير على الشر ضمن فلسفة صناعة العدو , ناهيك عن الملفات الاقليمية المستعصية والتي تحتاج الى قواعد تفاوض تمكن الطرف الضعيف او المتحايل من مسك اوراق جديدة يفاوض عليها لتحسين شروطه او لديمومة المهلة السياسية , وكذلك هناك الطائفة الملونة الباحثة عن المنصب بأي ثمن كان ولعل خلق الفوضى والاضطراب احد مفاصل التاثير والاستدامة , اضافة الى جيوش الحروب الافتراضية في الانترنت الذين يعملون ضمن منظومة التشويش والفوضى والتضليل وهم يحققون انتصارات وهمية مزيفة في عقولهم والحقيقة على الارض لصالح الطرف الفاعل الرئيس وأدواته الفاعلة لينجز اهدافهم المرسومة من هذه الاحداث .
صعبا وليس مستحيل
يدخل العراق مرحلة معقدة للغاية وصعبة في ظل انهيار الدولة والقوة وغياب العقل السياسي واندثار الفكر المتحضر , مقابل تمدد ما يطلق عليه " داعش " المثيرة للريبة والتساؤل وارتكابها مجازر تشابه مجازر المليشيات الطائفية العابثة بأمن الوطن والمواطن , وكلاهما يعملون على حرق تاريخ العراق ونشر الترويع والرعب وشياع الفتنة , وهما وجهان لعملة واحدة الفوضى والهمجية الزاحفة , بعد ان تيسرت لها بيئة مناسبة ليجعلوا من العراق مسرح حرب مفتوح يستنزف كل شيء , ان قرار الرئيس الامريكي اوباما بتقديم الاسناد الجوي المحدود ليحل المشكلة بل انه مورفين حربي بسيط , وكذلك ولوج قوات اجنبية وإقليمية الى بغداد هو الاخر يزيد من الازمة تعقيدا لحساسية الموقف , ولكن لا يزال الامل موجود ويمكن ذلك من خلال اعادة تشكيل الواقع السياسي العراقي من جديد على اسس وطنية , وفرض القانون بعدالة و مساواة , وحصر السلاح بيد الدولة العصرية بعد اعادة هيكلة الواقع السياسي وتشكيل حكومة مهنية انتقالية تعمل لعامين تنظف الفوضى الحاصلة , وتعيد رسم القوة بشكل مهني وطني وترسخ اطر التلاحم المجتمعي بقواعد صارمة تجرم الطائفية ومعتنقيها ليعود العراق حرا موحدا ينعم بالرخاء والأمن , نعم انه صعبا ولكنه ليس مستحيلاً .
*مفكر عربي من العراق
السبت، 09 آب، 2014
1014 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع