زينب حفني
شعرتُ بغصّة في حلقي وبحرقة في قلبي وأنا أشاهد عبر شاشة التلفاز، منظر تفجير أكبر وأقدم مكتبة بالموصل على يد تنظيم «داعش» الإرهابي. وكانت هذه المكتبة قد تمَّ تأسيسها منذ أكثر من مئة عام وتحتوي على عشرات الآلاف من العناوين المهمة إضافة للوثائق والمخطوطات النادرة التي استفاد منها المئات من الطلبة والباحثين.
بطريرك الكلدان الكاثوليك (لويس روفائيل ساكو) وصف ما يجري بالموصل اليوم بأنه أسوأ مما جرى في الماضي البعيد على يد القائد المغولي الدموي جنكيز خان وحفيده هولاكو، حيث قامت جماعة «داعش» بإرغام أهل الموصل من المسيحيين على مغادرة الموصل إذا لم يعتنقوا الدين الإسلامي أو دفع الجزية وإلا سيكون مصيرهم الموت بحد السيف.
«داعش» الإرهابيّة لم تكتفِ بما فعلته بكتب المعرفة، وبترويع الأهالي من الأديان الأخرى، بل قامت بهدم مراقد الأنبياء والصالحين والتي كان آخرها قبر النبي يونس. وحقيقة لا أعرف سبب عداء هذا التنظيم الذي يُفكّر بعقلية العصور الوسطى للمقامات والمزارات! وهو ما دفع مفتي مصر إلى استنكار ما جرى وأن ما يقوم به لا علاقة له بالإسلام بل تخطّى حدود الطبائع الإنسانيّة التي تستوجب احترام حرمة الأموات. مؤكداً بأن الرسول محمد عاش ثلاث عشرة سنة في مكة المكرمة، ولم يقترب من أصنام المشركين، فكيف إذا تعلّق الأمر بمقامات وقبور الأنبياء والصالحين!
وأنت تُتابع بأسى ما يقوم به تنظيم (داعش) الإرهابي من قتل وتدمير لكل أوجه الحضارة في المدن السوريّة والعراقيّة التي اجتاحوها، لا بد أن تحضر في ذاكرتك سطور من تاريخك الذي أطلعتَ عليه وأنت صغير على مقاعد الدراسة. تاريخ تتأرجح سطوره ما بين ماضٍ مضيء حافل بالإسهامات الحضاريّة، التي قام بها أجدادك وجعلت بلداننا منارة للعالم، وبين ماضٍ مأساوي يجعل عينيك تدمع حزناَ على ما يجري، غير مصدقٍ بأنه حقيقة واقعة، وليس فيلماً مرعباً من نسج خيال مؤلف موهوب أو مخرج عبقري!
كأنَّ التاريخ يُعيد نفسه كل يوم، فيأخذ سطراً من هنا، ويختار فصلاً من هناك! وكتبه تحكي عمّا فعله جنكيز خان ومن بعده حفيده هولاكو عندما استوليا على بغداد. وكيف قام جيشهما بتدمير المكتبة الكبيرة التي كانت تحتوي على كتب علمية تجمع ما بين الطب والعلوم والفلك، وإغراقها جميعاً في نهر دجلة، حتّى قيل على لسان الرواة ممن عاصروا مذبحة المعرفة بأن مياهه قد أصبحت سوداء نتيجة كمية الحبر الهائلة من الكتب الملقاة.
ترويع الناس وإرغامهم على ترك دينهم جريمة فادحة! الاعتداء على مقامات الأولياء والصالحين جريمة لا تقل فداحة! ولكن من وجهة نظري قتل الحرف وإبادة المعرفة تعدُّ أكبر جريمة في تاريخ البشريّة، كون المعرفة هي السلاح النقي الذي لا يخذل المجتمعات التي تتمسك به، لأنه طوق النجاة لأبنائها، وهو ما يستوجب عندما يحين وقت الحساب نصب مشانق جماعيّة لجنود «داعش»، الذين تورطوا في ذبح المعرفة بسكين بارد دون أن يحسّوا ولو للحظة بوخز الضمير أو بما فعلوه من تدمير للحضارة الإنسانيّة.
تساؤلات كثيرة تُسيطر على ذهني وأنا أتابع ما يجري بعينين جزعتين من أين أتت جماعة «داعش»؟ هل أفرادها من سلالة المغول الوحشيّة؟ هل هي جماعة شيطانيّة نبتت في أرض بائرة ليس لها صاحب فعاثت فيها فساداً؟ هل هي صنيعة سياسات خاطئة لم يحسب صانعوها للمستقبل حساباً، فأنقلب السحر على الساحر في غمضة عين؟ هل هي خلاصة تراكمات فكريّة متعصبة تسبب في خلقها الدعاة المتشددون فورطوا أنفسهم ومجتمعاتهم معهم؟ أفيدوني أفادكم الله.
1462 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع