نزار ملاخا
إنَّ الجرائمَ التي تُرتَكَبُ بحقِ المسيحيين العراقيين وبالأخص منهم مسيحيي نينوى، الموصل الحدباء لم تعد خافية على أحد،
اليوم المسيحيون الموصليون يمرّون بمحنةٍ كبيرةٍ جداً، أهل الموصل الحدباء يُطرَدون من بيوتهم وتُسلَبُ أموالهم، وجهودهم وتَعَبً سنين َ طويلة جمعوها بعَرَقِ جبينِهِم ولم يَسلَم من هذه الجريمة البَشعَةً حتى الصلبان المُعَلَّقة على صدورهم ولا حتى خواتم الزواج التي ربطتهم طيلة عشرات من السنين،
اليوم مسيحيوا نينوى يمرّون بأيامٍ عِجافٍ، أيّام مريرةٍ سوداء سواد الليل وأكثر، ايام هولاكو وأعظم، فقد أستبيحت أموالهم وأستُملِكَت دورهم بأسم دولة العراق الإسلامية، والوثيقة الظالمة التي صدرت بحقّهم ولا حتى الوثيقة العُمَرية كانت بمثل هذا الظُّلمِ وهذا العنف. إنها جريمة تاريخية تدخل في باب الجرائم الكبرى في الإبادة الجماعية ، فقد فرغت الموصل من المسيحيين لأول مرة في تاريخ العراق، اليوم الهجمة الشرسة تطال البشر والحضارة والتاريخ والتراث، إنها مثل تلك النار التي تأتي لتأكل الأخضر قبل اليابس، اليوم نينوى بدون أي أثر مسيحي، فالصلبان أزيلَت، وتماثيل العذراء مريم قد كُسّرَت والكنائس قد فُجّرت والأديرة قد أُحرقت ، فلن يرى موصلّي بعد اليوم راهباً بثياب سود، ولا راهبة بحجابها التقليدي والمسبحة الوردية تتدلى من جنبها، بعد اليوم لن يُسمَعَ في الموصل الحدباء صوتُ النواقيس، " اليوم أصبحت أغنية ناظم الغزالي – يا راهب الدَير هل مرّت بك الإبل – في طي النسيان أو إثراً بعد عين " لقد أعلن الظلاميّون على مسيحيي نينوى الوثيقة الظالمة التي تحتوي على أربع نقاط فأما النفاذ بجلودهم وبملابسهم التي يرتدونها فقط، أو دفع الجزية الظالمة أو إعتناق الإسلام وإلآ كان رابع الشروط الظالمة بإنتظارهم وهو أن يحز السيف الإسلامي رِقابهم،( والإسلام الحقيقي منهم براء ) وقد تم إعلان هذه الوثيقة في كافة وسائل الإعلام ونُشرت في الموصل الحدباء، كما تم إعتبار ممتلكات المسيحيين من دور عبادة ودور سَكَن وأموال وحقول وبساتين مُلك للدولة الإسلامية يتصرف بها خليفة المسلمين كيفما يشاء، ومنذ تلك اللحظة لم يعد مالك الدار صاحبها الأصلي، بل الغازي والمُحتَل هو صاحب تلك الجهود والخيرات والأملاك بإسم دولة العراق الإسلامية،
أيها المجتمع الدولي / يا علماء الآثار / في الموصل اليوم أكثر من ثلاثين كنيسة ودَير رهبانٍ، جميعها مُعَرَّضةٌ للحَرقِ والنَّهب والسَّلبِ والتدمير، ومنها ما يعود تاريخها إلى أكثر من ألف وخمسمائة عام، أيَّ تاريخٍ مُدهشٍ هذا ؟ دير القديس بهنام وأخته سارة، دَيرٌ اثري تم طرد الرهبان منه بملابسهم السوداء فقط وبقيت في مكتبة الَدير مخطوطات وكتب تاريخ مضى على كتابتها أكثر من ألف وخمسمائة عام من مختلف العلوم، نناشدكم الإسراع في التدخل لإنقاذ تلك الحضارة وتلك الآثار التاريخية التي لا توجد مثيلاً لها في كافة دول العالم قبل أن تطالها يد الجهلاء ويتم حرقها أو رميها في الأزبال كما حدث لممتلكات مطرانية الكلدان في الموصل حيث تم رمي مكتابتها العامرة بمختلف أنواع الكتب والمخطوطات في الأزبال ومن ثم تم حرقها وتدميرها، ( أي هولاكو جديد هذا ، وأي وحشٍ جثم على صدر العراق اليوم ؟ ) سيسجل التاريخ جميع الوقفات، سواء كانت قبيحة أم مُشرّفة، وسيلعن الأحفاد الأجداد الذين وقفوا مكتوفي الأيادي ومتفرجين على شرفهم وهو يُهان وعلى تاريخهم وهو يندرس وعلى حضارتهم وهي تُباع برخص التراب، سيلعن الأحفاد الأجداد الذين أستجبنوا ووقفوا مكممي الأفواه ومكتوفي الأيادي مُتخفين خلف النساء، أين لي بتلك الرجال التي هتفت " الموت عْلى الحَد موش عْلى وسادة " !!! أين هي تلك النماذج العطرة من رجال بلدي .
أيها ألاثاريون لم يبقَ لدينا مَن نناشدهم، فالحكومة عاجزة من أن تحمي نفسها وتحرر شبر أرض أحتله الظلاميون قبل ما يزيد على الشهرين وبالأخص منابع النفط وثروة العراق التي أصبح جزءاً كبيراً منها خارج سلطة الدولة، ثم ألا ترى الدولة وجميع مسؤوليها ما آل إليه وضع المسيحيين في نينوى؟ وما صاحَبَ نينوى من دمار وخراب ؟ وما جرى لآثارنا وتراثنا على يد هؤلاء المسلحين ؟ إنها هجمة إسرائيلية صهيونية بدعم أمريكي وعصابات دولية أخرى غايتها تدمير كل أثر في العراق ليصنعوا تاريخاً مزيّفاً ويصبحوا أهل الأرض، الغُزاة الجدد
ها هو التاريخ يعيد نفسه، فبالأمس القريب كانت تكريت تعد عاصمة اليعاقبة في المشرق وأشرف كراسيها، واليوم لا يوجد أي مسيحي فيها، كذلك هي نينوى، غداً لن تجد أي مسيحي فيها،
أين أنتم يا مسلمي الموصل من ذلك ؟ اليوم طرق سمعي ومن خلال ما نشرته وسائل الإعلام بأن الصهاينة هجموا على غزة في فلسطين وطردوا أهلها المسلمين، وفي لحظة أصبحوا بلا مأوى أمين وهم في عزِّ شهر رمضان أتدرون أين ألتجأوا ومن أستقبلهم وآواهم وهيئأ لهم مستلزمات صومهم ؟ لقد قامت مجموعة من الرهبان والكَهَنة بفتح أبواب الكنائس والأديرة وتم إيواء جميع الذين طُردوا من دورهم، كما قام هؤلاء(رجال الدين ) بتهيئة الفطور للصائمين كما نهضوا وينهضون كل يوم مبكرين لكي يهيئوا طعام السحور للصائمين ، أين أنتم يا أهل الموصل من هذه الجيرَة ؟ فهل أتباع مثل هذا الدين يستحقون الإهانة والقتل والتشريد أمام مرأى ومسمعم الكثيرين منكم ؟ لا بل البعض من ضِعاف النفوس من أهالي الموصل قاموا بسرقة بيوت المسيحيين وإستحلال أملاكهم والصور التي نشرتها المواقع خير دليل على أن سياسة الفرهود ماثلة كل زمان وفي كل مكان، فمن فرهود اليهود فرهود هو جمع لكلمتي فرَّ اليهود ) إلى فرهود الأكراد وفرهود التركمان واليوم فرهود المسيحيين . ها هو زمن طهماسب أو نادر شاه يعود من جديد وعلى الموصل الحدباء بالذات، حيث بعد أن نهب الكنائس والأديرة أتى لمحاصرة الموصل فعجز عن فتحها ، وممن أشتهر في هذه الوقائع لردع سَورة طهماسب الحاج حسين باشا حاكم الموصل الذي كان من عائلة آل عبد الجليل، وكان عبد الجليل جد هذه العائلة الشريفة يسمى ملكاً وكان مسيحياً نسطورياً من حصن كيفا كما يشهد تاريخ هذه العائلة، ويعى الحاج حسين باشا في مقاومة العدو ليلاً ونهاراً فتحير طهماسب لما رآه من بسالة أهل الموصل وثباتهم ، فرجع القهقري ، وقد نسب هذه الغلبة كل المسلمين والمسيحيين إلى حماية العذراء ، فأمر حسين باشا أن تُرم البيعتان اللتان تنسبان إليها ( إلى مريم العذراء ) والمعروفتان بالطاهرة وعلى نفقته الخاصة ( ذخيرة الأذهان/بطرس نصري )أين هم شرفاء الموصل من تلك الأعمال ؟ أين أنتم يا آل الجليلي اليوم مما يحدث في الموصل وللمسيحيين بشكل خاص ؟
إنني وبإسم جميع الشرفاء أعلن شجبنا وإستنكارنا وإستهجاننا لما يحدث في الموصل الحدباء لمسيحيينا وبقية أبناء شعبنا العراقي الصابر الصامد على الظلم والعدوان، كما أنني أناشد هيئة الأمم المتحدة وهيئة حقوق الإنسان وهيئة الحفاظ على السكان الأصليين ومنظمات المجتمع المدني وحكومات الدول الكبرى، كما أناشد بالأخص المجتمع الأوروبي وحكوماته للتدخل الفوري وبأسرع وقت على الأقل لحماية التراث والتاريخ والحضارة العراقية التي تكاد أن تُفنى في الموصل الحدباء، بالأمس تفجير مرقد النبي يونس واليوم تفجير مرقد النبي جرجيس والنبي شيت وغيرهم ولا ندري غداً أي مكان أثري سيفجّرون، أناشد كل العالم للتدخل السريع ومد يد العَون للنازحين المسيحيين من الموصل الحدباء، والذين ينامون في العراء، حيث حُرموا من الزاد والطعام والدواء، وأكثرهم مُصابون بأنواع العلل والأمراض ، إنها كارثة رهيبة حلّت بأبناء شعبنا المسيحي العراقي في الموصل، أيها العالم أرحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء، اليوم مسيحيوا العراق بحاجة ماسة لمد يد العَون لهم،
لا يسعني في هذا المجال ومن هذا المنبر إلا أن اقدم جزيل شكري وتقديري لسعادة رئيس إقليم كردستان وأبناء الشعب الكوردستاني لما قدموه من مد يد العَون والمساعدة لأبناءنا المُهَجَّرين، كما أشكر العتبات المقدسة وكافة المرجعيات الدينية وأبناء شعبنا العراقي الأصيل في جنوب العراق وكل عراقي مخلص وشهم وشريف تعاضد وتعاون وتعاطف مع محنة شعبنا المسيحي كما أشكر كل مَن فتح باب قلبه قبل باب بيته من أهالينا في الجنوب العراقي البطل ليعلن إستعداده لإستقبال العوائل النازحة ووضع كل إمكانياته أمامهم للتخفيف عن ثقل الظلم والضَّيم الذي لحق بهم، كما أود أن أقدم شكري وتقديري لكافة الإخوة الذين ساندونا بالكلمة الحرة الشريفة وجميع المواقع الألكترونية التي وضّحت صورة مأساة شعبنا المسيحي في العراق وأخص بالذكر منهم موقع
http://www.algardenia.com/
الگاردينيا رئيس تحريره الأستاذ جلال چرمگا المحترم
يا أبناء شعبنا المسيحي في الموصل الحدباء
إن العَين لتدمع والقلب ليحزن والفكر في أسىً من هول الجريمة البشعة التي طالتكم في صحتكم وبيوتكم ومالكم وشرفكم، كان الله في عونكم بعد أن تخلى ضمير البشر وتنكّر ضمير الإنسانية لكل ذلك،
يا أهلنا في الموصل الحدباء / قلوبنا معكم ومشاعرنا معكم وعيوننا تفيض بالدمع لمرأى حالتكم المزرية، إننا نتألم لألمكم ولكن ما العمل، فالعَين بصيرة واليد قصيرة والوصول إليكم محال، لا بل إنه ضربٌ من الخيال، فقد سدَّ الظلاميون كل أبواب الإتصال ولكن نقول اليوم يوم الحاجة، فكل أصيل وشريفٍ وكريمٍ يجب أن يقف الموقف الذي يتطلبه الظرف الحالي والذي تتطلبه عملية إنقاذكم، وأضعف الإيمان التعاضد والتعاطف بالكلمة الطّيبةٍ، فالكلمة الطيبّة حَسَنَة،
الأصالة اليوم على المَحَك، واليوم يوم أهلنا الشرفاء في الموصل الحدباء، وعليهم تقع مسؤولية الحفاظ على جيرانهم وإخوتهم المسيحيين قبل الفَناء،
يا أبناء شعبنا في الموصل الحدباء إننا نناشدكم أن تكونوا على الإيمان ثابتين، وعلى الله مُتَّكلين فهو الخالق الأمين وهو الذي يرى شعبه ومعاناتهم والخَلق أجمعين. إن رفضكم مناشدة أي شخصٍ يدل على مدى إيمانكم وقوته وصلابة موقفكم، لقد رفضتم مناشدة أي بشر سوى رب العالمين الحاكم الأمين والديّان يوم الدين، لقد وجّهتم مناشدتكم لرب العالمين وليسوع المسيح وأمه مريم العذراء ، هذا الإيمان القويم نناشدكم بالثبات عليه في هذه المرحلة الصعبة التي تمرّون بها من حياتكم وسوف لن يذهب سدى، وما زال كلام السيد المسيح يرن في الآذان " ستقوم أمّة على أمّة وهذا كلّه بداية الأوجاع ، وفي ذلك الوقت يسلّمونكم إلى العذاب ويقتلونكم وتبغضكم جميع الأمم من أجل أسمي " نعم كل ما فعلوه بكم ليس بسبب جرم أرتكبتموه، ولا بسبب بَشرٍ ظلمتموه، ولكن لأنكم مسيحيين وبأسم السيد المسيح ولأجل إسمه المال والجاه فقدتموه. أثبتوا على الإيمان فالنهاية قريبة، ومن يَثبت إلى المُنتهى يَخلص.
1448 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع