عايدة رزق
قررت ألا ترضخ لرغبة والدها الذى أراد لها بعد أن حصلت على شهادة المرحلة الثانوية .. أن تواصل الدراسة فى الجامعة فى مجال المشروعات والتجارة حتى تكون مؤهلة بعد رحيله لإدارة مصانع بناء السفن التى يمتلكها.
وقفت أمامه وأخبرته أنها لن تتخلى عن حلمها أن تكون نجمة سينمائية .. وأنها تخطط للالتحاق بأكاديمية الفنون لدراسة فن التمثيل .. وحين أبدى والدها غضبه واستياءه .. بكت قائلة: «كيف يطاوعك قلبك أن تقف أمام ما أعتبره حلم حياتي».
أنها «لويز رينر» التى استطاعت منذ نحو 08 عاما أن تصل إلى أفق الكواكب الساطعة فى سماء هوليوود .. وأن تحلق بجوار أسطورة السينما الأمريكية جريتا جاربو .. وأن تفوز مرتين بأكبر وأهم جائزة سينمائية فى العالم وهى جائزة الأوسكار .. إحداهما كانت عن تمثيلها فيلم الأرض الطيبة المأخوذ عن القصة الشهيرة للكاتبة بيرل باك.
كل هذا التألق حدث لأنها عرفت وهى فى ربيعها السادس عشر .. ماذا تريد أن تكون بالضبط .. ولم تسمح لأحد حتى لو كان أبوها أن يقرر لها فى أى طريق تسير أو فى أى مهنة تعمل.
بعد هذا الحوار الذى دار بين لويز وأبيها بسنوات .. كان هناك ابن فى كولومبيا بأمريكا اللاتينية .. يستعد للالتحاق بالجامعة .. ويقول لأبيه بعد مناقشات طويلة استمرت أسابيع : «أننى أرفض أن تجعل منى بالاكراه ما لا أريد أن أكونه».
نعم أرفض أن أكون مثلما تريد أنت .. عندئذ بكت الأم .. وقال الأب بحزن: «أنك تمزق قلبى إلى نصفين .. لكن عزائى أن أراك سعيدا».
فى هذه اللحظة لم يخطر على بال الأب أن خبر وفاة ابنه جارسيا ماركيز والذى سيحدث فى عام 4102 سيتصدر الصفحات الأولى فى جميع الصحف .. وسيذاع فى نشرات الأخبار فى كل دول العالم .. باعتباره الملك المتوج فى مملكة الرواية .. والمبدع الفذ فى عالم الكتابة وأحد أهم وأعظم الحاصلين على جائزة نوبل فى الأدب فى القرن العشرين.
المهم .. أن لويز وماركيز تألقا ونجحا لأنهما كانا يعرفان وهما فى مقتبل العمر ماذا يريدان بالضبط .. وهى صفة لا يتمتع بها الأبناء فى مصر .. بسبب سيطرة الآباء ونظام التعليم ومكتب التنسيق الذى يتلقى الآن رغبات الطلاب .. لذلك سنرى طالبا يلتحق بكلية الفنون الجميلة .. وهو لم يمسك بيده قلما أو ريشة ليرسم سمكة أو شجرة .. وستذهب إلى كلية التجارة طالبة كانت عقدتها طوال حياتها المدرسية مادة الاحصاء .. وسيدخل كلية الهندسة طالبا أرغمه والده الأستاذ بالكلية على الالتحاق بها .. وسينضم لكلية الطب شاب يفقد وعيه عند رؤية منظر الدماء .. وسيصبح محاميا من كان يتمنى أن يكون صحفيا .. وسيصير محاسبا من كان يحلم أن يضحى طبيبا .. وسيغدو صيدليا من كان يريد أن يمتهن التمثيل .. وهؤلاء جميعا لن يذوقوا متعة أن يمارس الانسان عملا يحبه .. وسيصبح من العسير عليهم أن يتفوقوا أو يتألقوا أو يبدعوا خلال رحلة حياتهم .. وسنقرأ اسماء بعضهم فى صفحات الحوادث حين ينسون المقصات فى بطون المرضى .. أو حين يتورطون فى قضايا إهمال .. أو حين يتم عقابهم عندما يأتى وزير فى زيارة مفاجئة فلا يجدهم فى أماكن عملهم.
ستوأد أحلام .. وتذبل مواهب .. مادام ظل نظام التعليم على حاله دون تطوير أو تحديث ليواكب التقدم المذهل الذى حدث فى السنوات الأخيرة فى جميع المجالات .. ومادام بقى كابوس الشهادة الثانوية ومأساة الدروس الخصوصية وكارثة الكتب الخارجية دون حل.
وستجهض أمنيات .. ويضيع مبدعون مادام كان هناك أبناء لا يستطيعون أن يقولوا لآبائهم كما قالت لويز رينر لوالدها : «كيف يطاوعك قلبك أن تقف أمام ما أعتبره حلم حياتي».
1117 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع