كلمة الدكتور عمر الكبيسي عن الأكاديميين العراقيين في مؤتمر عمان التمهيدي لإنقاذ العراق ونصرة الثوار في 17 تموز 2014.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً ، يصلح لكم اعمالكم)
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الملك السعدي حفظك الله وأدام عطائك .
الأخوة ضيوف المؤتمر المحترمون .
السادة الحضور الأفاضل .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ونحن بحرمة شهر رمضان الفضيل ندعوا الله ان يوفقنا للقول السديد .سأختصر حديثى بملاحظات عن الإرث التاريخي والواقع السياسي لعراق بعد الاحتلال ، إذ من المؤكد ان واقع الصراع المسلح الحالي سيتحدث عنه ابطال المقاومة العراقية وثوار العشائر والمجالس العسكرية الذين هم الاولى والأجدر بالحديث عنه فهم البطولة والشجاعة والإقدام هم فلذات القلوب ومقل العيون وعصارة الاكباد .
اولا : لا بد لي من كلمة شكر وتقدير لمن سعى لعقد هذا المؤتمر برعاية جلالة الملك عبد الله الثاني وجهود اركان دولته ليكون مؤتمر عناية ورعاية وجهد لشعب العراق المنكوب والتخفيف من ازمته والتعجيل في إنقاذه من أخطار مشروع خبيث ينال منه والذي نأمل بانعقاده بادرة خير وبارقة أمل. ومن هذا المنبر أريد أن أذكر أن العراقيين قد ورثوا عراقهم دولة موحدة مدنية عصرية بناها العرش الهاشمي بقيادة المغفور له جلالة الملك فيصل الاول رحمه الله وسلالته لما يقارب الاربعين عاما وهذا الإرث الذي لا يقبل القسمة وحدّ كل الأطياف والمكونات العراقية دون تفريق أو تمييز ولا زال العراقيون يتذكرون تلك الايام التي شهدت اواخرها بناء دولة الاتحاد العربي الهاشمي مع الاردن الشقيق . ان للأردن والعراق دورا مشتركا كبيرا في ارساء قواعد الامن القومي في المنطقة كما ان اي تهديد لأي شعب فيهما سينعكس شئنا ام ابينا بالضررعليهما دون تمييز بل تهديد على الآمن العربي الكامل من محيطه الى خليجه .
ثانيا : لا بد لي من الإشارة أيضا الى أن الواقع العراقي الحالي الناتج عن غزو العراق هو معاناته من ثلاثة أمراض سياسية قاتلة هي :
الاحتلال البديل والطائفية السياسية وإلإرهاب والعنف المنظم .
لقد قاوم العراقيون الوطنيون الشرفاء الاحتلال بكل ما في وسعهم بالرغم من شراسة هذا الغزو في الإعداد والاهداف والعدة وتمكنوا بعد ستة اعوام عجاف من إخراج ماكنته العسكرية بكل ما أصابها من نكبات معنوية ومادية ولكن ذلك حدث بعد أن اسس الاحتلال لأعوانه عملية سياسية تبنت المحاصصة الطائفية والعرقية ودستور ملغوم وجيش طائفي ميليشياوي فشل في تكوين الدولة البديلة للدولة التي تعمد الاحتلال اسقاطها واستهداف مؤسساتها . فاوجد سلطة وادارة لا تحمل السيادة فشلت في حماية شعبها وحدودها وثرواتها من خلال صراع وارهاب وعنف طائفي وفساد مالي واداري والسعي لحلول احتلال صفوي فارسي بكل ما يحمل من ثارات واحقاد تاريخية . كل هذه الاحقاد ترجمت على ارض الواقع ظلما وتعذيبا وتهميشا على مكون اساسي من مكونات شعبنا وذلك لغرض تصفيتهم وتهجير كفاءاتهم وتفريغ البلد من هذا المكون الذي ارتكزت عليه اركان الدولة العراقية والمتمسك بوطنيته وعمقه العربي . وبهذا مهدت لتحقيق حالة الانقسام والتشظي والمضي بالبلاد لما اصبح يؤشر للعديد من المحللين ان حالة التقسيم واقعة لا محالة لا سامح الله .
ثالثا : لا يفوتني أن اذكركم بإيجاز ان الطبيعة الجغرافية والبيئية والإقتصادية التي وهبها الله للعراق خلقت منه موطنا تاهل لبناء امبراطوريات عظمى تجاوزت 16 امبراطورية على مدى التاريخ ، وهو لا جغرافيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا تاريخيا يحمل ثقافة دول القواسم الطائفية والإثنية والعرقية ولقد كني بجمجمة العرب والتي استمرت كدولة مواطنة مدنية باسس عصرية عربية واسلامية بحكم واقعها الجغرافي والمجتمعي لم تعرف التطرف او التشظي او التقسيم او التمييز بين حقوق الافراد وامتيازات المواطنة الحقة ، هذا هو الواقع التاريخي .
رابعا : لقد بني العراق الحديث على وسطية النهج لا يعرف شعبه التطرف والعدوانية وتعايشت فيه كل مكوناته واطيافه الموروثة منذ تكوينه والمنجذبة اليه بعد ازدهاره بكل تسامح وتألف والعراقيون لا يمكن ان يكونوا حاضنة لتطرف فكري أو إثني وهذه هي عشائره وتجمعاته وعوائله لا زالت عريقة التشابك في الانتساب والهوية بالرغم من اختلافها بالطائفة او الدين .
خامسا : لكل ما تقدم وبسبب كل ما يحصل اليوم للعراق العربي الاسلامي من محنة انسانية ودمار واسع وفقدان للسيادة الوطنية وروح المواطنة وانتشار للعنف والارهاب الطائفي وتبذير للثروات وتهجير للكفاءات والمكونات والتفرد بالسلطة والتهميش الطائفي المبرمج والنفوذ الفارسي الإيراني من خلال استخدام الدين والمذهب مكرا وذريعة ، أقول إن اي مشروع سياسي لإنقاذ العراق يجب ان يكون مشروعا وطنيا سياديا عراقيا يحافظ على أطياف المكونات العراقية والمواطنة الحقة في الحقوق والواجبات يتفادي الطائفية السياسية المقيتة والعرقية الشوفونية تكون فيه ثروات العراق ملك للجميع دافع للوحدة الوطنية العراقية لا دافع لتقسيم تتنازع فيه الملل والنحل فيما بينها على مسميات ودول طوائف وعشائر واثنيات وعرقيات سكنت وتعايشت فيه بأمن وازدهار لعصور مديدة على الرغم من الغزوات العديدة الطامعة بثروته او الحاقدة على فكره وازدهاره على مدى التاريخ.
ليكن معلوما لدى المؤتمرين ان عملية الترقيع السياسي الحاصلة الان في بغداد من خلال تغيير الوجوه ، لا تلبي متطلبات المرحلة الخطيرة التي يعيشها العراق في بناء بلد ذو مؤسسات حقيقية تخدم الشعب العراقي نحو عراق جديد ، فالمشروع الوطني يستوجب التأسيس لدولة مدنية عصرية تتبنى نهجا عمليا يخدم الوطن والمواطن بعيدا عن كل ما جرى ويجري في العراق وإقتلاع العملية السياسية الخائبة التي فشلت في بناء دولة مواطنة على مدى عقد من الزمن.ٍ
أختم حديثي بالقول للأشقاء العرب حكاما وشعوبا قفوا مع العراق المشهود له بوقفاته معكم . العراق يشهد واقع إبادة جماعية وقد أكون مقصرا ان لم أقل ان المكون السني هو الأشد استهدافا وتضررا وبشكل متقصد ومعلن . قفوا مع مقاتليه وثواره فالعراق ماضٍ الى قعر هاوية الإنهيار اليوم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
17 تموز 2014 عمان .
1304 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع