فهمي هويدي
بعدما أعلنت المبادرة المصرية بدأت المشاورات حول مضمونها الذي رفضته كل الفصائل الفلسطينية، وليس حماس وحدها، كما ادعت وسائل الإعلام المصرية.
ومعلوماتي أن قيادة حماس علمت بأمرها من الصحف، فأجرى نائب رئيس المكتب السياسي الدكتور موسى أبومرزوق اتصالا مع المخابرات المصرية كي يتأكد من صحة الخبر وطلب نصها إذا كانت صحيحة، وحين أجيب إلى طلبه فإنه تشاور مع غيره من أعضاء القيادة الذين أجمعوا على رفضها. فنقل الدكتور أبومرزوق رسالة من عشر كلمات إلى المخابرات المصرية تضمنت الاعتذار، الذي تضامنت معه حركة الجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية في القطاع. بعد ست ساعات من تسليم الرد أبلغ القيادي الفلسطيني الموجود في القاهرة بأن أبومازن سيأتي من رام الله لبحث الأمر، وتحدد له موعد للقائه في الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر. ولأن حركة الجهاد الإسلامي كانت قد عبرت عن رفضها للمبادرة بدورها. فقد دعى إلى القاهرة نائب أمينها العام زياد النخالة. الذي رتب له اجتماع مع أبومازن. وفيما فهمت فإن الطرفين «حماس والجهاد» اتفقا على أن المبادرة بصورتها الراهنة لا تلبى الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية ولهم عليها ستة تحفظات تتعلق بوقف العدوان وفك الحصار المضروب على القطاع والالتزام باتفاق التهدئة الذي تم توقيعه في عام 2012، والإفراج عن المعتقلين ومن بينهم أكثر من ٥٠ شخصا أطلقوا في صفقة الجندي جلعاد شاليط، وكانت إسرائيل قد تعهدت بعدم إعادة اعتقالهم ولكنها أخلت بتعهدها.
حدد موعد لأبومازن للقاء الرئيس السيسي كي ينقل إليه حصيلة مشاوراته، ويفترض بعد ذلك أن يطير إلى أنقرة للاجتماع مع المسؤولين الأتراك، ومنها سيتوجه إلى قطر لاستكمال مشاوراته مع المسؤولين في الدوحة، ويفترض أن يجتمع هناك مع السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
حين سألت عما وراء هذه الجولة قيل لى إن المبادرة المصرية لم تكن الوحيدة التي طرحت لوقف إطلاق النار في غزة. ذلك أن الأمريكيين والأوروبيين كانت لديهم أفكار في هذا الصدد ذهبت إلى أبعد من وقف الاشتباكات. إذ طرحت فكرة إعادة بناء غزة وتوفير احتياجاتهم من محطات الكهرباء والمياه إلى جانب إقامة الميناء وفتح المطار وتيسير عملية الإعمار بميزانية اقترح لها مبلغ 30 مليار دولار. وذلك كله مقابل نزع سلاح المقاومة وطي صفحة القتال بين الطرفين المستمر منذ عام 2006 وحتى 2014، مرورا بعامي 2008 و2012. وإلى جانب هذه المبادرة طرحت في الساحة أيضا أفكار تركية قطرية حاولت أن تنصف الطرف الفلسطيني وأن تقدم له مقابلا يعوض الخسائر والتضحيات التي تعرض لها القطاع.
يفترض أن يعود أبومازن إلى القاهرة بعد ذلك لكي يناقش حصاد جولته مع الأطراف المعنية، وهو ما سيتبلور خلال هذا الأسبوع. ورغم أنه من المبكر التنبؤ بالخطوات التالية، إلا أننا نستطيع أن نسجل عدة ملاحظات في مقدمتها ما يلي:
< أن مصر لم ترغب في التواصل مع حركة حماس للأسباب المعروفة، وفي الوقت ذاته فإن الحركة ليس لديها أي تحفظ على استمرار الدور المصري إذا ما عبر عن أي تجاوب مع المصالح الفلسطينية.
< أن حماس ومعها حركة الجهاد ليستا في عجلة من الأمر ولديهما استعداد للاستمرار في استنزاف الطرف الإسرائيلي بمزيد من العمليات النوعية. وقد كان أحدثها صبيحة الخميس الماضي 17/7 حين نجح عشرون من عناصر القسام في اقتحام إحدى مستوطنات غزة والعودة إلى قواعدهم سالمين. وهى العملية التي جرى تصويرها بالكامل، وسبب نجاحها صدمة أربكت السلطات الإسرائيلية. خصوصا أنها جاءت بعد قصف المدن الإسرائيلية بالصواريخ وإفساد التوغل الإسرائيلي عبر البحر.
< أن إسرائيل أصبحت تطلق غارات عمياء على القطاع. إذ بعد أن دمرت البنية التحتية واستهدفت بيوت العسكريين فإنها شرعت في قصف بيوت السياسيين، وقد ذهبت في العربدة إلى حدث قتل ثلاثة أطفال كانوا يلهون على الشاطئ. مما فضح الوحشية الإسرائيلية أمام العالم.
< إن قادة حماس والجهاد يدركون أن الغارات الإسرائيلية كان مخططا لها من قبل لتحقيق أهداف عدة منها تخريب المصالحة بين فتح وحماس وقمع مقدمات التمرد في الضفة. وقد انتهز المسؤولون الإسرائيليون حادث قتل المستوطنين الثلاثة ونسبوه إلى حماس ومن ثم شنوا غاراتهم على القطاع. وهم يعلمون جيدا أن حماس ليس لها علاقة بالحادث، بل وتعلم الأشخاص الذين قاموا بالعملية.
أضيف من عندي ملاحظة أخرى خلاصتها أن موقف بعض منابر الإعلام المصري كان مخزيا خلال الأسبوع الماضي بوجه أخص. ذلك أن حملة الكراهية لحماس اشتدت من جانبها في الوقت الذي كانت تقصف فيه غزة وتسيل دماء أبنائها انهارا جراء القصف الإسرائيلى. وكنت قد ذكرت أن تلك المنابر عبرت عن كراهية لحماس إلى حد التعاطف مع الإسرائيليين. وإذا كانت حالة الكراهية هذه وثيقة الصلة بشيطنة حماس وعلاقتها التاريخية بحركة الإخوان في مصر. إلا أن جرعتها تضاعفت حين رفضت الحركة المبادرة المصرية الأخيرة. وهو ما دفع بعض الإعلاميين إلى الذهاب إلى أبعد مدى في تجريحها والحط من شأنها، على نحو يمثل أبلغ إساءة لمصر والمصريين. وهو ما لم استغربه من «أهل العيب» كما يقول المثل الشائع. إلا أن ما أقلقنى أن بعض المحترمين من الكتاب انخرطوا في الحملة بصورة أو أخرى، حين تورطوا في تبرير العدوان الإسرائيلي وأعذاره. وكان آخرهم زميل محترم ادعى في الأهرام يوم الخميس الماضي 17/7 أن الفصائل هي التي «استفزت» الإسرائيليين، في تعبير يختلف عن موقف اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، الذي اعتبر الفلسطينيين هم المعتدون والجناة أما الإسرائيليون فهم «ضحايا» «اضطروا» للدفاع عن أنفسهم.
حين يكون ذلك رأى بعض المحترمين وحين تخدش أسماعنا بذاءات غير المحترمين فينبغي ألا نفاجأ إذا صارت سمعة إعلامنا في الحضيض. وتلك محنة أخرى.
1118 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع