الدكتور سامان سوراني
المصطلح التاريخي "جنون العظمة" أو ما يسمي باللغة الإغريقية بالـ"ميغالومانيا" ، (بالإنجليزية: Megalomania) توصف حالة من وهم إعتقاد الإنسان بامتلاك قابليات إستثنائية وقدرات خارقة وجبارة أو مواهب مميزة أو قوة عظيمة ليس لها وجود حقيقي.
والشخص المصاب بهذه الحالة يمكن إعتباره مريض عقلي يعيش في حالة ذهانية تتميز بالهذيان الواضح والمستمر أو يعيش أفكارا متسلطة تسبب له الهذيان. أما الإعتقاد الجازم بفكرة خاطئة يوصف بالبارانويا ، لأن المصاب بهذه الحالة المرضؔية النفسية يملك جهازاً عقائدياً معقّداً وتفصيلياً يتمركز حول أوهام واقعية لها ، هذه الأوهام تقنعه بأنه يُضطهد من قبل الآخرين ، وبأنّ السبب الرئيسي لإضطهاده من قبلهم هو كونه شخص عظيم ومهمّ للغاية.
بداية نقول ، لکل شيء زمنه و لكل سياسي موقعه و دوره و إيقاعه ، بقدر ما يسهم بتشكيل خريطة الواقع السياسي بعلاقاته وتراكيبه أو تجاوزاته وتراكباته. ومن لايعترف بالحقائق لا يستطيع المساهمة في خلق وصناعة الحقيقة.
فبعد تاريخ ٩/٦/٢٠١٤ والتغييرات التي طرأت علی العراق ، حيث تمكن مسلحي تنظيم داعش السيطرة علی الموصل ثاني اكبر المدن العراقية وعلی الرمادي والفلوجة وتكريت وبعد محاولاتهم الزحف نحو بغداد العاصمة ظهرت أعراض مرض رئيس الوزراء العراقي الفيدرالي المنتهية ولايته السيد نوري المالكي بشکل واضح للعيان. فنراه يردد يومياً رغم هزيمة عساكره وجيوشه بأنه هو المنتصر، إذ لاغالب عليه وهو المقتدر. وما خطابه الاخير وتهديداته اللاشرعية ضد دولة كوردستان، واتهاماته التي لا أساس لها ، إلا دليل آخر علی إصابته بمرض جنون العظمة والبارانويا.
السيد نوري المالكي وضع بسياساته الخاطئة ونرجسيته وتفرده في الحكم والقرار وحدة العراق في مهب الريح ، بعد سعيه بفرض الوحدة بالقوة وتجاهلە مطالب وقضايا المكونات الأساسية الأخری في العراق وحقوق شعب كوردستان في تقرير مصيره ، والذي لم يفهم من المتغيرات والثورات والمفاجآت إلا القليل ، كونه يعيش ولحد الآن في سبات سياسي وجمود عقائدي بعيد عن الثورة المعلوماتية والتقنية الرقمية والتواصل عبر الشبكات الإجتماعية وغيرها يريد اليوم بلغة التهديد والوعيد والاتهامات الباطلة والتصريحات اللامسٶولة كالقول ، بأن عاصمة كوردستان ، " أربيل تحولت الی ملاذ آمن للإرهابيين و الدواعش"، التغطية على فشله وهشاشة دوره وقصوره في السنوات الثمان الماضية.
لقد قام برلمان كوردستان باسم شعبە كما قبله رئیس دولة كوردستان بإدانة تهديدات السيد المالكي ، معتبرا أياها بمحاولة یائسة "للتغطية على فشله السياسي والجماهيري والعسكري الذي تعرض له".
السيد نوري المالكي نسي بأن كوردستان كان في السابق ملاذاً لحماية المعارضة ضد هجوم وحملات النظام الدكتاتوري الصدامي وهو اليوم ملاذ آمن لأكثر من نصف مليون مواطن هربوا بسبب إنعدام الأمن والعدالة والمساواة أوالحرب من مدن الموصل وبغداد ووسط وجنوبي العراق ليصبحوا لاجئين في دولة كوردستان المستقرة. شعب كوردستان الپيشمرگه المناضل يدين بشدة كل عملية إرهابية و يواجه ويكافح بصرامة وعزم الإرهاب والتطرف الديني والسياسي إذا ما أقترب من أراضيه أو أراد النيل من أمنه وإستقراره و كرامته.
السيد المالکي سعی في السابق بلا هوادة الی قولبة المجتمع العراقي لإطاعته و أراد أن يملي أفعاله علی كوردستان ، بإعتبار أقواله وأفعاله نبوغ و إبداع والهام ، ليبرهن سلطته المطلقة ، التي لا تقيده قيود قانونية أو دستورية أو عرفية ، لكن القيادة الكوردستانية جاهرت بالعدل والحق ووقفت في وجه المستبد وأعوانه وبطانته ، وسعت بسحب الشرعية منه ، بعد أن كشفت نوایاه في الحرب علی الشعب الكوردستاني و رأت بأنه تراجع عن المسار الديمقراطي والنظام الإتحادي محاولاً بشكل عدواني هدم التجربة الكوردستانية وكسر إرادة شعب كوردستان بقطع وإيقاف رواتب موظفي كوردستان وسعيه في ضرب وجرؔ العملية السياسية الی الطريق المسدود.
السيد المالكي ، الذي يعيش أنفاسه السياسية الأخيرة ، يحمل في طيات معتقده الإصطفائي نظرية ولاية الفقيه فهو يری بعد هزائمە السياسية والعسكرية الأخيرة بأن برنامجه الحزبي أو نصه المقدّس يأتي بالفرج والسعادة لكافة العراقيين وهكذا يطغی المحتوی السلفي الإرتدادي علی البعد التنويري والمستقبلي وعقلية الإستبعاد والإقصاء علی لغة الإعتراف والشراكة والتبادل و المآل هو فشل صناعة الحضارة و ممارسة القوة الهادئة.
شعب كوردستان لا يريد بعد اليوم أن يعيش مع أصحاب العقليات التي تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزية ويرفض السباحة في بحر السبات القومي والحصن الديني أو يعيش مرة أخری في جمهورية الخوف ونهایاتها الكارثية أو يتنفس تحت رحمة القوقعة الإصطفائية والوكالة الحصرية ، التي تجلب الجور والتعسف والتعريب والتهجير والأنفال والإبادة الجماعية ، لذا يقرر مصيره بيده و ينتخب الإستقلال.
السيد المالكي الذي لم يلتزم بإتفاقياته مع حلفائه في العملية السياسية وبالأخص مع التحالف الكوردستاني ، التي ساعدت علی تشكيل الحكومة العراقية ، أعاد بفعلته عقارب الساعة الی الوراء و وأكمل الصورة المشوهة للعراق تحت ظل الزعيم الأوحد والقائد الأسطوري المنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال.
في هذا الزمن ، زمن الإنفجارات التقنية والطفرات المعرفية ، يسعی حکومة كوردستان الی العمل علی خلق لغة مشتركة ووسط للمداولة أو مساحة للمبادلة ويرفض الشراكة مع كل من يحاول أن يستغرق في الإستبداد ويعيش في ثنايا الإرث الدكتاتوري أو يسير نحو إحياء الترسانة المنطقية المصنوعة بمفردات الكلي والضروري والأحادي والمتعالي والماهوي.
وختاماُ نقول:
من يکون قادراً علی إلقاء خطب مليئة بالتهديد والإتهامات الباطلة والشعارات القوموية المستهلكة لكي يخلق العداء بين الكيانات الرئیسية في العراق ويشنّ في خطبه حرباً ضد حكومة وشعب كوردستان و لا يقدر علی اجتراح الإمكانات لتأمين فرص العمل و أسواقه و شبكاته ، أو لتحسين شروط العيش لأوسع الفئات من الشعب العراقي ومن يأتي بحجج مموهة أو مغلوطة أو واهية ترمي الی التغطية والمساویء ، بإتهام الغير لفشله السياسي و حمل المسؤولية عليه ، و ذلك للهروب من استحقاقات الكيانات وإيجاد الحلول للمآزق والكوارث والحروب والويلات ، بإختراع أعداء ، هدفه دفع عجلة تفاقم المشكلات واستعصاء الحلول نحو الأمام وهمّهُ إنتاج أناس هم أعداء للفهم ، يدرّبهم علی إتقان لغة التصديق والتصفيق والتهليل ، كأرقام في حشد أعمی أو كأبواق ترجِّع صدی الخطب والكلمات، أو كدمی يتم تحريكها عند إعطائها كلمة السر. وهذا هو مصدر التخلف والفقر والتسلط والإستبداد.
الدكتور سامان سوراني
1296 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع