خالد القشطيني
رحبنا جميعا بالإبداع الذي أظهره فريق كرة القدم الجزائري في مباريات كأس العالم، لا سيما في هذه الأيام الحالكة التي لا نسمع فيها شيئا عن العرب والمسلمين غير المصائب والنكسات والجهالات.
غير أن ما أبداه اللاعبون الجزائريون أثار في نفسي تأملات وأفكارا أزعجتني. أبدى اللاعبون قدرة وطاقة جيدة جعلتهم يتفوقون بها حتى على الفريق الألماني الجبار، بل وكادوا ينتصرون عليه، بيد أن هذا التفوق سرعان ما تلاشى في الدقائق الأخيرة من الوقت الإضافي، بما مكن الألمان من تسجيل الهدفين اللذين حسما المباراة لصالحهم.
لاحظت الظاهرة نفسها في السباق ضد فريق كوريا الجنوبية. تفوق الجزائريون عليه بشكل حاسم وكاسح في بداية المباراة مما مكنهم من تسجيل أربعة أهداف ضده بسهولة. ولكن التعب الجسمي والذهني استولى فجأة على الجزائريين في الدقائق الأخيرة بما مكن الكوريين من تسجيل هدفين ضدهم بل وهددوا بالتعادل لولا ضيق ما بقي من وقت.
تعرض الفريق الإيراني لنفس الظاهرة، وكذا كان الحال مع الفرق الأفريقية الأخرى. يظهر عليهم النشاط والمقدرة والتألق الذهني في بداية السباق، لكن الإجهاد يستولي عليهم سريعا في الدقائق الأخيرة فيفقدون القدرة على الحركة والسرعة والتركيز والتفكير والاختراع والدفاع.
تجلى كل ذلك في المباريات ضد الفرق الأوروبية، حيث نجد اللاعبين يحافظون على همتهم (stamina) الذهنية والعضلية، في حين تذوي هذه الهمة من الفرق الأفروآسيوية حيث يحل التعب والكلل محل النشاط جسميا وذهنيا.
أعتقد أن هذه الظاهرة التي لاحظتها في هذه المباريات العالمية ترتبط بموضوع مزعج يمس كل جوانب حياتنا وأنشطتنا، وهو ابتلاء الكثير من سكان الشرق الأوسط بمشكلة فقر الدم (anaemia) وعلة الثلاسيميا (thalasimea) وما يتصل بهما من انخفاض نسبة الهيموغلوبين (haemoglobin)، مصدر الطاقة. هذه عاهات خطيرة، وراثية ومرضية وبيئوية وغذائية. التعرض للإصابة بالملاريا والبلهارسيا والدوسنتاريا والسل ونحوها من الأمراض من أسباب الإصابة بهذه العلل المستديمة التي قد لا يلاحظها أصحابها.
انخفاض الطاقة المرتبط بذلك يؤدي إلى انخفاض الهمة والتعب السريع والكسل الذهني والعضلي وقصر التركيز والجهد لمدة طويلة وبالتالي فقدان الاستمرارية. وتنتقل هذه الظاهرة للآخرين الأصحاء كنمط وطني للحياة يعتاد عليه الجميع. أعتقد أن الكثير مما نعانيه من مشاكل يرتبط بهذه الظاهرة التي قلما نلاحظها أو نفكر في معالجتها. وأنصح كل من يسعى لبطولات رياضية أن يتأكد من أمرها أولا.
والآن أنتقل بالموضع من ساحة البيولوجيا إلى ساحة الفلسفة. لقد عانى تاريخنا أيضا من الظاهرة نفسها. أنتجنا كل هذه الحضارات قبل قرون، ثم تعبنا وكللنا واعترانا الكسل وخسرنا هذه المباريات الآن، مباريات الحضارة والإبداع والاختراع.
لا أدري أيمكن أن أقول إن أمتنا وشعوبنا أيضا ككيان كلي مبتلية بالأنيميا ونقص الهيموغلوبين، وتحتاج لطبيب. هذا ما أنشده المونولوجست العراقي عزيز علي، قبل سنين «العلة منا وبينا.. دكتور دخل الله ودخلك بس داوينا!».
1164 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع