سياسة التمييز العنصري والطائفي الأمريكية في العراق

                                            

                          د. نزار السامرائي

في معرض تأكيد الولايات المتحدة دعمها المفتوح لحكومة نوري المالكي أعلن ناطقون باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، أن الإدارة الأمريكية كانت قد جهزت حكومة المالكي بأربعة عشر مليون قطعة من العتاد الحربي المتنوع خلال الشهور الستة الماضية،

وأن هذه الشحنات تتضمن ذخيرة لمختلف أنواع الأسلحة التي تركتها القوات الأمريكية لجيش المليشيات الذي تم تشكيله بأمر من بول بريمر، كما أنها شملت قنابل "هيل فاير" وأعتدة للعجلات المدرعة والدبابات والبنادق الأتوماتيكية وكل الفوهات النارية التي وضعها الأمريكيون تحت تصرف قوات المالكي بعد انسحابهم من العراق.
هل يمكن لأحد أن يتخيل النوايا التدميرية المشتركة بين القاتل المباشر أي حكومة المالكي وبين من يجهزه بأدوات القتل أي الولايات المتحدة وروسيا وإيران، وطالما كنا في معرض الحديث عن صفقة العتاد الأمريكية فمن حقنا أن نتساءل، هل لأحد أن يتخيل الرقم الهائل لعدد الضحايا من العراقيين الذين سقطوا أو سيسقطون نتيجة الاستخدام الانتقامي من جانب الجهات التي سيوضع هذا الكم الهائل من العتاد الفتاك، وألا يحق للمكون السني أن يعتبر الولايات المتحدة التي غزت العراق واحتلته عام 2003 ودمرت بنية الدولة العراقية السياسية والاقتصادية من صناعة وزراعة واستماتت في نسف ركائز الوحدة الاجتماعية، قد تحولت نحو تركيز هدفها التدميري على هذا المكون باستهداف مقصود ومعلن من جانب الإدارة الأمريكية، وكأنها تريد الانتقام لنفسها من المناطق التي انطلقت منها المقاومة الوطنية المسلحة وأذاقت القوات الأمريكية طعم الهزيمة النفسية والسياسية بعد أن جرعتها الهزيمة العسكرية المذلة.
 ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية اللئيمة، فقد تراصفت واشنطن مع أطروحات الحكومات الطائفية المتعاقبة والتي كانت تحاول أن تروج لفكرة أن الإرهاب الدولي هو إرهاب سني وأن الوقوف مع قوات الحكومة يعني اصطفافا مع الحرب الدولية على الإرهاب في كل مكان دفاعا المجتمعات الغربية، فأغمضت الولايات المتحدة عينها بقصد جنائي عن كل جرائم الإبادة الجماعية التي كان يتعرض لها هذا المكون، بل كانت تساعد في تنفيذ تلك الجرائم من خلال الخبراء العسكريين وتوريدات السلاح والعتاد الأمريكي، ومارست ضغوطا بالتنسيق مع دولة الولي الفقيه في إيران من أجل تثبيت نوري المالكي في الحكم وتصدت بكل قوتها المؤثرة في ما تبقى من منظومة الدولة العراقية لإفشال المساعي التي بذلتها كتل سياسية تضم طيفا واسعا من مكونات الشعب العراقي لإزاحة المالكي عن الحكم، فقد تصدت لمحاولة سحب الثقة عن نوري المالكي والتي بدأها عام 2012 أعضاء في كتل برلمانية واسعة ضمت كلا من التحالف الكردستاني والتيار الصدري والمجلس الأعلى والقائمة العراقية، ولكن جلال الطالباني مارست مناورات سياسية وإرهابا حكوميا ضد النواب الموقعين على لائحة سحب الثقة، مما أدى بالنتيجة إلى تعطيل الخطة خاصة بعد مارست طهران ضغوطا على الموقعين من أطراف التحالف الشيعي الحاكم للتراجع عن تلك الخطوة.
بالمقابل حافظت الولايات المتحدة على وتيرة ثابتة من الدعم المتجدد لحكومة نوري المالكي وكانت تنظر إليها باعتبارها الجهة الوحيدة الضامنة للمصالح الأمريكية في العراق، ويبدو أن ما ذكره بعض المسؤولين الأمريكان من أنهم كانوا مخدوعين بحقيقة نوري المالكي طيلة السنوات الثمان الماضية، كان إداء كاذبا إذ هل يصدق مراقب عاقل واحد أن الولايات المتحدة بما تمتلكه من أجهزة استشعار مبكر ومخابرات لها عيون حتى داخل غرف نوم عناصر الطبقة الحاكمة في المنطقة الخضراء وتحصي عليهم حتى الدقائق القليلة للخلوة الخاصة، وتمتلك أحدث أجهزة الكومبيوتر في العالم، وأكثر مراكز الدراسات الاستراتيجية توسعا في دوائر اهتمامها، هل يصدق عاقل أن أمريكا وقت ضحية مخادعة من المالكي والذي لا يصلح حتى بوابا في أصغر قسم في مجلس الأمن القومي الأمريكي، إلا إذا أرادت أمريكا لنفسها أن تكون مخدوعة في مشهد تمثيلي من أفلام هوليود.
وعندما تزود الولايات المتحدة حكومة المالكي بأربعة عشرة مليون قطعة عتاد حربي خلال الشهور الستة الأخيرة، فمن حق المواطن الذي كان ضحية مباشرة لهذه الصفقة أن يتساءل عن حجم الصفقات السابقة وكم من الدماء سفكت نتيجة استخدامها وكم من الدمار خلفت في المحافظات الست التي انتفضت على التهميش والإقصاء والسحق الممنهج الذي عانت منه طيلة إحدى عشرة سنة؟ كما أن من حق المتضررين أن يعتبروا الولايات المتحدة طرفا مباشرا في ممارسة أسوأ أنواع التمييز ضدهم تحت لافتة مهلهلة أسمتها واشنطن "الحرب على الإرهاب وداعش والقاعدة"، ولكنها كانت حربا على سنة العراق والسنة العرب بل وسنة العالم جميعا انطلاقا من عقدة مستحكمة  سيطرت على عقول مخططي القرار السياسي الأمريكي الاستراتيجي، مؤداها أن الإرهاب في العالم هو إرهاب سني فقط، ومع ما في هذا التبسيط البليد من خطل العقول التي تقود الولايات المتحدة، إلا أنهم لا يريدون مغادرته إلى فهم موضوعي لأسباب الكراهية التي يصادفها الأمريكي في كل مكان، وجانبها الأعظم وقوف الولايات المتحدة خصوصا والغرب عموما إلى جانب إسرائيل بصورة عمياء، بحيث لا يستطيع الغرب رؤية إسرائيل على حقيقتها كقوة عنصرية دينية بغيضة لم تعد تناسب التطورات التي حققها الإنسان على المستويات الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية وكذلك الإنجازات العلمية التي توصل إليها الإنسان عبر سلسلة متماسكة من الجهد الإنساني كان للحضارات التي نشأت في الوطن العربي وخاصة الحضارة العربية الإسلامية الدور الأعظم في تحقيقها.
كما أن المعايير المزدوجة التي تعامل فيها الغرب مع الجرائم الوحشية التي عانى العراقيون من ويلاتها من عام 2003 وحتى الآن، وإغفال جرائم المليشيات الطائفية المصنّعة في إيران أو المدعومة منها وبحماية حكومة المالكي والتي تمثلت في إحراق المئات من المواطنين الأحياء ورمي جثثهم على الطرق الزراعية أو مكبات القمامة، أو تنفيذ أحكام إعدام جماعية في طقوس يشارك فيها غوغاء معبؤون بكل أسباب الكراهية والضغينة، أساليب غادرتها الدول المتمدنة والتي تحترم نفسها منذ مئات السنين، ولكن حالة الارتداد الحضاري التي يعيشها العراق تحت حكم التحالف الشيعي تواصل سحبه إلى المشاعية الأولى حيث تسود البهيمية وحكم وحوش الغابة، الولايات المتحدة كانت تعرف حقائق هذه الجرائم بتفاصيلها المملة ولكنها كانت تتستر عليها انطلاقا من مفهوم التخادم المتبادل لأنها إن أقرت بوجودها فإنها ستحكم على فشل ما تصر على تسميته بالتجربة الديمقراطية النادرة في المنطقة، في حين أن المتحدثين باسم الخارجية الأمريكية والبيت الأسود كانوا يقيمون الدنيا إذا ما صرخ موجوع من وجعه الناتج عن دور أمريكا في إيصال العراق إلى هذه الهمجية، أو من أثر الجرائم التي ترتكبها المليشيات الإيرانية والمالكية.
الولايات المتحدة مارست اصطفافات سابقة كما حصل في فيتنام الجنوبية ضد الشمالية وكذلك الحال في كوريا، وربما أعطى العالم شيئا من المشروعية في الجرائم التي ارتكبتها في الهند الصينية، لأنها كانت جرائم حرب تم ارتكابها في ميادين قتال متكافئ لأسباب سياسية صرفة، ومع ذلك فإن أمريكا خسرت تلك الحرب لأن الشعب الأمريكي نفسه وقف ضد سياسات بلده هناك، غير أن ما يحصل في العراق شيء مختلف تماما، فهناك حكم طائفي يمارس أسوأ أنواع التمييز العنصري والطائفي ضد واحد من أهم مكونات الشعب العراقي وهم البناة الحقيقيون للدولة العراقية الحديثة، فأين الشعب الأمريكي من هذه السياسات العنصرية؟ وهل يظن أنه سيصبح أكثر أمنا إذا ما سحق المالكي سنة العراق؟ وهل يظن أحد أن من واجه أمريكا بقضها وقضيضها وألحق بها تلك الهزيمة، عاجز عن مواصلة الجهاد حتى يتكلل كفاحه بالنصر المؤزر؟ وهل هناك من يشك لحظة واحدة أن العراقيين سوف يلاحقون القتلة المحليين والأجانب وينتزعوا منهم حقوقهم غير منقوصة، والنصر ليس أكثر من ساعة صبر.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1025 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع