«بوزات»

                                        

                           دلع المفتي

تابعتُ، بشغف، حسابين جميلين على موقع التواصل الاجتماعي، الإنستغرام، مؤخرا، أحدهما لمصور شاب روسي، والآخر لكاتبة ومبدعة سعودية. ولا أبالغ إذا قلت إن الحسابين أضافا إليَّ الكثير من الجمال والمتعة.

الشاب الروسي، مراد أوسمان (عثمان) مصور مبدع. نشرَ على حسابه سلسلة صور رائعة أسماها «اتبعني!».. وهي صور مختلفة لحبيبته، التقطها في مختلف أنحاء العالم. والمميز في صوره تلك، أن صديقته، في كل الصور، تبدو وهي تسحبه من يده فلا يظهر منها إلا ظهرها.. ولا يظهر منه إلا يده.

يقول مراد، إن الصورة الأولى التي التقطها لحبيبته، أثناء قولها له «ألن تتوقف عن التقاط الصور؟» فيما كانت تسحبه من يده. بعدها اعتمدَ تلك «الثيمة»، وأخذ يصورها في أجمل بقاع الأرض، وبالوضعية نفسها.

أما الكاتبة السعودية، هيلدا إسماعيل، فقد أخذتنا معها في رحلة رائعة إلى تركيا. لكنها ليست «تركيا المسلسلات الرمضانية والمدن المزدحمة»، بل إلى مناطق تركية نائية، وقرى رائعة حفرت وجودها في الصخر؛ كابادوكيا، جورميه، أورغوب. سجَّلت هيلدا مشاهداتها وانطباعاتها، بل وحتى أماكن زياراتها والفنادق المذهلة التي نزلت بها، ليصبح حسابها مرجعا ودليلا سياحيا جميلا في هذا الشأن.

قارنتُ بين هذين الحسابين وبعض الحسابات التي أتابعها على الإنستغرام، لأناس بعضهم أعرفه وأغلبهم غرباء: طعام، مكياج، دراعات، حقائب، غدوات، عشاءات، حفلات، سهرات.. وبوزات (والبوز لمن لا يفقه في علم التصوير، هو وضعية التصوير التي يتخذها البعض لضمان ظهور الجماليات وإخفاء أقصى قدر من العيوب.. وأحيانا التركيز على جزء صغير من الجسم أو الوجه بطريقة مبالغ فيها.. «الفم» مثلاً).

نجلسُ في ضيافة إحداهن. بعد «الأهلا والسهلا» وفنجان القهوة الأول، فجأةً، وبقدرة قادر تتقافز الهواتف من الحقائب. هذه تصور صينية الفواكه، وتلك تصور بوكيه الورد، وثالثة تصور السجادة. أما الأدهى والأنكى؛ فهي تلك المجموعة التي انزوت في مكان قصيّ من القاعة لتلتقط صورا ببوزات «غير شكل»!

نعودُ، كلٌّ إلى بيته، وقبل أن نخلد الى النوم، نفتح حساباتنا على الإنستغرام، لنجد أنفسنا على الشاشات، طعامنا وشرابنا، ورودنا وسجادنا.. وصديقاتنا. تعليقات من قبيل: «سهرة جميلة، شكرا»، «ما أحلاك»، «تهبلين»، «فستانك رائع».. إلى ذلك من التعليقات المهمة والخطيرة.

لا أريد أن أكون ممن يجلدون الذات، ففي كل بقاع العالم، هناك المجتهدون والمبدعون، وثمة الكسالى وأصحاب «البوزات». وكما أن هناك «بوزات» عندنا، هناك «بوزات» عندهم. الطريف أن موضوع «البوزات» الذي يجعل البعض ينشر «عشرميت» صورة له على الإنستغرام، جعلنا نعرف كم حبة خال في وجه المدام، وكم شعرة في شوارب المسيو. حفظناكم عن ظهر قلب، فحاولوا أن تجددوا.

* * *

• تنويه:

كالعادة، سأتوقف عن الكتابة خلال شهر رمضان الكريم، حيث إجازتي السنوية، وكي أتفرغ، أيضا، لحل سوء الفهم وعقد الصلح مع صديقاتي بعد هذا المقال. وكل عام وأنتم بخير!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1184 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع