كمال القيسي
في ربيع عام 2002 جرى الأتفاق في جنيف بين الأدارة الأمريكية وأيران على ان تلعب الأخيرة دورا مفيدا عند حدوث الأحتلال من خلال الأيعاز والتنسيق مع بعض من المنظوماتها الشيعية العراقية بالعمل على دعم الأستقرار السياسي وإقامة مؤسسات الدولة وتشكيل حكومة غير دينية وإعادة الأعمار وعدم مقاومة المحتل !
هدفت إيران من الصفقة ، التوصل إلى تفاهم إستراتيجي طويل مع الولايات المتحدة الأمريكية يقر مصالح أيران في العراق، دعم الأيرانيين بالحصول على التعويضات عن الحرب الأيرانية- العراقية والأعتراف بالدور الأمني في المنطقة! أهمية أيران في العراق ناجمة عن تمكّنها من آليات قادرة على أحتواء الشبكات الأجتماعية العشائرية العراقية المعقّدة ولروابطها التأريخية الوثيقة مع البعض من قيادات الفصائل الكردية وقدرتها في التأثير!
إيران في العراق تتصرّف بمهارة كبيرة وحذر بالغ وقياداتها تتصف بالذكاء والدهاء والمراوغة في ادارة التقاطع بين الأيديولوجية المعلنة والأستراتيجية الباطنيّة لها ! إن الأدارة الأمريكية تتجنّب التورط المتعمد مع إيران نظرا لأمتلاكها مفاتيح مهمة تمكّنها من تحويل المأزق الأمريكي الراهن إلى هزيمة وفشل ذريع من خلال قدرتها في تأجيج حروب أنابة ضدّ المصالح الأمريكية على طول المنطفة وعرضها يساعدها في ذلك نفوذها المخابراتي والعسكري والسياسي والديني و الطائفي المنتشر ! يرى بعض المحلّلين والمراقبين أن من الخطورة بمكان دخول أمريكا بحرب مع إيران لأن القيام بذلك قد يعيد ترتيب أوضاع المنطقة لصالح روسيا والصين واليابان ! لذا أوصى الخبراء الأستراتيجيّين بأن تعمل أمريكا على أضعاف التحالف الأيراني السوري واجراء مفاوضات ثنائية منفرد معها بعد أقصاء اللتأثير الأيراني عن العراق والخليج ولبنان وفلسطين ! في إطار هذا النهج عرضت تركيا على سوريا إستعداد إسرائيل لأرجاع كامل مرتفعات الجولان مقابل تطبيع العلاقات بين البلدين بشرط إنهاء علاقاتها مع كل من إيران وحزب الله وحماس ! هناك أعتقاد عام بان أيّ هجوم أمريكي أو إسرائيلي على إيران سيحدث كارثة بالموقف الأمريكي في العراق وفي المنطقة نظرا لقدرات إيران المتشابكة في الهجوم المضاد وإشاعة الفوضى وما نشهده اليوم على الساحة العراقية نموذج لتلك الفوضى ! لتفادي الكلف العالية يبدو ان أمريكا وإسرائيل تعملان على التوصل لصيغة استراتيجية مشتركة للتسوية مع إيران وتفادي المواجهة معها داخل العراق وخارجه ! لحين التوصل الى الأتفاق المشترك تبقى السياسة المفضّلة التي ستنتهجها أمريكا هي الحفاظ على التوازن بين القوى اللاعبة على الساحة العراقية وستحاول التوصل الى حل متوازن بشأن قدراتها النووية مقابل دورا إيجابيا لأيران في العراق والمنطقة!
يرى أكثر المراقبين عدم وجود حلول مؤكدة في المدى المنظور بل هناك سيناريوهات متعددة محتملة أولوياتها مرهونة باتفاقات تجري حاليا في الخفاء :
* السيناريو الأول، أن تتوصل أمريكا مع إيران إلى نوع من الأتفاق يساعد على خفض العنف في المنطقة و في العراق كمرحلة اولى لكي يتسنى بناء دولة وتمكين الحكومة القادمة !
* السيناريو الثاني ، تعا ظم التأثيرات الخارجية التي ستبقي على فشل دولة العراق بسبب من إحتدام النزاعات والصراعات حول السلطة والثروة النفطية!
*السيناريو الثالث ، تطوير تفاهم مشترك بين امريكا وأيران (غير معلن ) حول مصالح مشتركة ونزاعات محلية يجري تعريفها تمنع التفكك الكلي للعراق!
يعمل الأمريكان في الوقت الحاضر على( 1) توفير درجة من الأمن والأستقرار من خلال تحقيق تفاهم سياسي بين الفرقاء السياسيين المعتمدين وأستخدام القوى الأمنية في تحقيق الأمن الجماعي للعراقيين بشكل حيادي !
(2) تحقيق حاكمية فاعلة وقوى أمن منضبطة في إطار البرنامج الأمريكي للعراق (3) إستخدام العوائد النفطية بشكل يعمل بإتجاه ترسيخ المناطقية والطائفية والعرقية والعشائرية !
إن ما يحدث من كوارث وتداعيات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وإنسانية في العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن والبحرين وفلسطين هي نتاج " حروب إنابة " تضطلع بها المنظومات العسكرية والأمنية والمخابراتية والسياسية والأقتصادية التابعة للقوى المنشأة لها ! أن ما يحدث من حروب محليّة ( وربما أقليمية قادمة ) نتيجة لأعادة بناء أستراتيجيات وقوى وموارد ودفاعات القرن الجديد ضريبتها " آلام ولادة شرق أوسط جديد " على حد قول كونداليسا رايس !!
احتلال وتدميره العراق أصاب الدول العربية بالضعف وعرّض أمن الخليج وأقتصاده لمخاطر متعدّدة الأبعاد وضمن لأسرائيل ميل ميزان القوى اللاعبة أقليميا إلى جانبها ولفترة طويلة من الزمن ! ضعف وتدمير العراق أكسب إيران النفوذ الجيوسياسي والقوة الأقليمية التي ترتهن بعضا من عناصر القدرة والهيمنة! إن إيجاد نظام دولة ديمقراطية حقيقية سيؤدّي الى تطويق وتحجيم إيران ويجعل منها هدفا يتعذر الدفاع عنه!!!
1044 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع