هل بات العراق بحاجة إلى مقاربة جديدة للحل؟

                                                 

                              طارق الهاشمي

لو كانت الأوضاع طبيعية في العراق، وهي بالتأكيد ليست كذلك، وإذا كان كل المطلوب هو الاتفاق على الرئاسات الثلاث وتشكيل حكومة توافق وطني، لو كان هذا هو المطلوب لما كان هناك ثمة اعتراض على محاولة البعض المضي بسرعة طبقا للدستور إلى الجلسة الأولى للبرلمان الجديد المزمع انعقادها يوم الأول من يوليو.

لكن المطلوب في الحقيقة هو أكبر بكثير من هذه الشكليات الدستورية التي لاشك تبقى مطلوبة، لكن في مرحلة لاحقة وبعد أن نعثر على حلول توافقية لمشاكل باتت تهدد العراق بالتقسيم والحرب الأهلية.

المشاكل والتحديات التي واجهت بناء العراق الجديد ليست جديدة، إنما رافقتنا منذ البداية وبقيت معلقة حتى لوقت قريب بعد أن فشلت الآليات الديمقراطية في حلها، ولهذا لم تكن انتخابات عام 2005 ولا عام 2010 بناءة، والذي حصل هو ترحيل مشاكل وطنية كبرى عجزت عن حلها العملية السياسية وتراكمت حتى وصلت حد الانفجار في انتفاضة العرب السنة في محافظاتهم الست في ديسمبر كانون أول عام 2012.
ولهذا فإن المحلل لا يجد من تفسير مناسب لتهافت البعض في الاستعجال بالذهاب للبرلمان قبل حل مشاكل باتت خطيرة للغاية ودون أي ضمانات للحل مستقبلا، لا يجد من تفسير سوى التهافت الكريه على الجاه والمنصب.. دون أي إحساس بالمخاطر المحدقة بالوطن، هؤلاء يتعمدون تكرار تجارب سياسية فاشلة، لأنهم ببساطة غير معنيين بهذه المشاكل ولا يرغبون في حلها، نتيجة منطقية لنخبة هي أما مارست الظلم والفساد والتبعية أو سكتت لاعتبارات مصلحية ونفعية مختلفة. أما نحن المفجوعين بالظلم والتطهير الطائفي فحالنا حال أم الولد!! وأقصد ممثلي العرب السنة، فهؤلاء ينبغي أن يقترن موقفهم هذه المرة بالحسم والحزم، لأننا بتنا مستهدفين بالقتل بالجيش النظامي والمليشيات الرديفة، وأتباع المذهب يرفعون السلاح بناء على فتاوى ليس لتحرير الأقصى... لا، ولكن لتطهير الأرض من النواصب... أهل السنة والجماعة، والحشود لا تتوقف والقتل بكل الأسلحة حتى المحرم منها يمضي على قدم وساق.
الأزمة الراهنة لا يمكن اختزالها بخلافات سياسية حتى نلتمس لها حلا سياسيا، بل هو خلاف أوسع وأعمق يطال الهوية والوجود قبل أي شيء آخر، لقد استهدفنا لا لفشلنا سياسيا أو لعجزنا إداريا... بل حصرا لانتمائنا لا غير، أن تكون عربيا سنيا أنت متهم... والجزاء إما قطع الأرزاق وفق قانون المساءلة والعدالة أو بقطع الأعناق وفق قانون مكافحة الإرهاب.... لا أدري كيف تعالج العملية السياسية - وهي عجزت وفشلت في الماضي - نزعة الكراهية والحقد هذه وهي متأصلة في الآخر؟؟ كيف نتوقع أن ننجح في إطار عملية سياسية جامعة عندما لا يتكافأ المشاركون ويتعاملوا كأنداد؟؟ لا كأتباع..... كما يريد الطرف المهيمن على كل شيء.
في إطار العملية السياسية القائمة حاليا، في نطاق الدستور الدائم، في ظل الممارسات الديمقراطية.... تفاقمت مشاكل العراق حتى وصلت حد الاحتراب بين شركاء الوطن، بمعنى أن هذه المشاكل إنما تمثل مخرجات كارثية لعملية سياسية فاشلة، وبالتالي فإن تكرار عملية فاشلة يعني الإبقاء على تلك المخرجات الكارثية، بل ربما تفاقمها.. بينما الحل المنطقي هو المراجعة والتصويب لتجربة أمدها إحدى عشرة سنة في جميع جوانبها السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية والاقتصادية وعلاقات الجوار الدولية... ويبقى من غير المقبول التركيز على الظاهرة المرضية وتجاهل مسببات المرض. وهذا يبدو ما تهدف إليه النخبة السياسية إلا استثناءات محدودة كالقائمتين الوطنية والعربية.
الأسبقية الآن لإيقاف نزيف الدم ووضع حد للعدوان على المحافظات الست، وهذا لن يتحقق دون رحيل حكومة نوري المالكي واستعادة السيادة ومنع تدخل إيران، ومن ثم تكليف حكومة خلاص وطني تعالج الأوضاع المضطربة في العديد من المحافظات وتهيئ لانتخابات جديدة، خلال ذلك يلتقي ممثلو المكونات الاجتماعية المختلفة على طاولة مستديرة من أجل الاتفاق على شكل الدولة وطريقة الحكم... تقاسم السلطة والموارد...إلخ، ما يقود في النهاية إلى تعديل الدستور وربما توقيع عقد وطني بين المكونات يضمن التعايش المشترك على قدم المساواة بين الجميع، وهذا ما يفتقده العرب السنة والتركمان والكلدو آشوريون المسيحيون وبقية الأقليات.
يفترض أن يجري ذلك كله في إطار توافق وطني، لكنه بالطبع غير ممكن في ظل الصراعات الداخلية وأجواء انعدام الثقة وبالتالي لا مناص من تدخل المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن.
الحاصل، الوضع الحالي بحاجة إلى مقاربة جديدة للحل نتفادى فيها تكرار تجارب فاشلة كما فعلنا في السابق، ولابد أن نتحرك بسرعة.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1140 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع