الكرد الخونة!

                                     


                     بقلم: ساهر عريبي  

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 

تشن وسائل إعلام وشخصيات مرتبطة برئيس الوزراء العراقي حملة شعواء على القيادات الكردية بل وحتى الشعب الكردي محملة إياه مسؤولية ما جرى ويجري في المناطق الغربية من البلاد, بعد ان إجتاحت مجاميع مايعرف بتنظيم دولة العراق والشام (داعش) عددا من المدن العراقية قبل أسبوعين. إذ تعتبر تلك الوسائل لأعلامية ماحصل بأنه مؤامرة ساهم في حياكة خيوطها رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني وبالتعاون مع عدد من الدول الأقليمية, وبان هناك صفقة بين الكرد وبقايا حزب البعث , فهل حقا هناك مؤامرة كردية بعثية وهل خان الكرد العراق أم إن وراء الأكمة ما ورائها؟

بداية لابد من من العودة الى الوراء قليلا ومع إنطلاق العمليات العسكرية التي أعلنها رئيس الوزراء للقضاء على المجاميع الأرهابية في محافطة الأنبار قبل قرابة الستة أشهر. فتلك العمليات بدأت قبل أن تحتل مجموعات داعش أيا من المدن العراقية بل كانت تنفذ عملياتها المحدودة إنطلاقا من منطقة الجزيرة قرب الحدود السورية, إلا أن تلك الجماعات وبعد بدء العمليات العسكرية تمكنت من السيطرة على عدد من مدن محافطة الأنبار وخاصة العاصمة الرمادي ومدينة الفلوجة.

وبرغم مرور قرابة الستة أشهر على بدء تلك العمليات فإن القوات العراقية عجزت عن تطهير المحافطة من تلك المجاميع التي لازالت تقاتل هناك عددا من الفرق العسكرية وفي طليعتها قوات الجزيرة المشلكة من الفرقة العسكرية السابعة للجيش و الفرقة الذهبية التي تحاصر الفلوجة وقوات التدخل السريع في الرمادي إضافة الى ثلاثة ألوية مدرعة تتواجد هناك وفرقة من الشرطة الأتحادية. ومن المعلوم أن قائد الفرقة الذهبية هو الكردي فاضل برواري وهو واحد من قلة من القادة الذين لازالوا يقاتلون ولم يفروا من ساحات المعارك.

فماهو دور الكرد في سقوط محافطة الأنبار بيد قوى الأرهاب ؟ وهي المحافطة التي لاتحاذي إقليم كردستان وهي كذلك المحافطة التي لاوجود لقوات البيشمركة فيها أو بالقرب منها وهي المحافطة التي لاتوجد فيها قوات عسكرية عراقية يشكل الكرد غالبيتها وكل مافيها من الكرد هو القائد العسكري البطل فاضل برواري, فمن يتحمل مسؤولية ما حصل في الأنبار هل هم الكرد ام المالكي؟ لاشك بان القائد العام للقوات المسلحة الذي أعلن بدء العمليات العسكرية هناك قبيل الأنتخابات النيابية الأخيرة يتحمل تلك المسؤولية.

فتلك العمليات إنطلقت تحت شعار مقارعة الأرهاب إلا ان الهدف الأساسي لها ظهر سريعا الا وهو القضاء على معتصمي الأنبار الذين مر على إعتصامهم قرابة العام, فالقوات العراقية غيرت وجهة المعارك نحو ساعات الاعتصام حتى تحولت المواجهة الى حرب بين تلك القوات وبين عشائر محافطة الأنبار وهو الأمر الذي أفقد العمليات زخمها ومشروعيتها وظهر واضحا وجليا بأن إطلاقها لم يكن بعيدا عن تحقيق مكاسب إنتخابية. فكانت النتيجة هي تحولها الى حرب بين القوات العسكرية وبين أهالي الأنبار وهو الأمر الذي سمح لمجاميع داعش الأرهابية أن تجد لها موطيء قدم في المحافطة وخاصة في مدينة الفلوجة لتبدأ مرحلة جديدة من هيمنتها على العديد من المحافطات العراقية.

فما شجع تلك المجاميع على إقتحام مدينة الموصل ومن قبلها سامراء وثم صلاح الدين وعدد من قرى محافطة ديالى هو عدم قدرة المالكي على حسم المعارك في محافطة الأنبار رغم مرور خمسة أشهر على بدءها فهذا الواقع أثبت ضعف القوات العراقية وعدم قدرة رئيس الوزراء على إتخاذ قرار بالحسم وهو الأمر الذي أغرى تلك المجاميع للتوغل في المحافطات العراقية بل إن عيونها ترنو اليوم نحو العاصمة بغداد بعد النجاحات التي حققتها. إذن فدوافع عمليات الأنبار وتوقيتها وعدم حسمها عامل أساسي يفسر ماحصل في الموصل ولاعلاقة للكرد بذلك لا من قريب أو بعيد وإن كان لهم دور فهو إيجابي يتمثل بدور القائد برواري.

وإذا عدنا الى ماوقع في مدينة سامراء وهي الأخرى غير محاذية لأقليم كردستان فما هي علاقة الكرد بإجتياحها؟ فمن المعلوم أن مجاميع إرهابية لا يتجاوز تعداد أفرادها المئتين على أقصى التقادير إقتحمت مدينة سامراء من محورين هما محور الجلام من جهة الصقلاوية ومحور بيجي تكريت ونجحت في السيطرة على عدد من أحياء المدينة حتى اصبحت على بعد كيلومترين من حرم الأمامين العسكريين بالرغم من وجود فرقتين عسكرتين هناك للحيش العراقي والشرطة الأتحادية بقيادة صباح الفتلاوي أخو النائبة حنان الفتلاوي عضو إئتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي والتي رفعت راية تخوين الكرد.

فتلك القوات لاتضم كردا وجلها من العرب الشيعة أو السنة غير ان تلك القوات وقائدها كانت تغط في سبات عميق ولم ترد على مجاميع داعش الا في الصباح اي بعد مرور قرابة الخمس ساعات على إحتلال المدينة فما هي علاقة الكرد بما حصل؟
لم تكن عميات سامراء سوى بالون إختبار أرادت من ورائه مجاميع داعش معرفة مدى جهوزية القوات العراقية التي بان ضعفها وهزالها برغم مئات المليارات من الدولارات التي أنفقت على إعدادها وتسليحها. وهو الواقع الذي أغرى تلك المجاميع لتنفيذ مخططها في إحتلال مدينة الموصل والتقدم نحو بغداد.

وبالعودة الى بدء العمليات في الموصل فتلك العمليات بدأت بشكل مباغت وكانت الأرضية مهيئة في المدينة لأستقبال تلك المجاميع بسبب السخط على سياسات المالكي الأقصائية. والقوات العراقية المتواجدة في المدينة لا تختلف عن تلك التي تقاتل في الرمادي من حيث تركيبتها وروحيتها القتالية المتدنية ولا تختلف عن سابقاتها سوى بضمها لعدد من المنتسبين الكرد بحكم كون محافطة نينوى مشتركة يشكل الكرد قرابة الربع من سكانها إضافة لوجود تركمان شيعة وشبك شيعة وغالبية عربية سنية.

وبالعودة الى تلك القوات فإنها تتشكل من فرقتين عسكريتين هما كل من الفرقة الثانية من الجيش العراقي والتي تتواجد في الجانب الشرقي من المدينة والفرقة الثالثة التي تدافع عن مدينة تلعفر وحتى الحدود السورية والفرقة الثانية من الشرطة الإتحادية التي تتواجد في الجانب الغربي من الموصل. وقادة هذه الفرق وضباطها معظمهم من العرب شيعة وسنة وقد ظهرت قوائم الضباط الذين صدرت  أوامر اعفاء أو القاء قبض بحقهم ولم يكن بينهم سوى كردي واحد فكيف يمكن تحميل الكرد مسؤولية ماحصل في الموصل؟ علما بان قائد عمليات نينوى هو الفريق مهدي الغراوي الذي اعفاه المالكي من منصبه فضلا عن تواجد قائد القوات البرية هناك علي غيدان و معاون رئيس اركان الجيش عبود قنبر فما علاقة الكرد بماحصل ؟ وإن هربت بعض المراتب الدنيا من الكرد وهم أقلية في تلك القوات فكيف يمكن تحميلهم المسؤولية وعدم تحميلها الأغلبية العربية شيعية وسنية ذلك؟

ولماذا يتم تحميل الكرد المسؤولية وغالبية القيادات العسكرية عربية شيعية او تركمانية شيعية؟ واما إن كان الكلام عن وجود مؤامرة شارك فيها الأقليم وتم الأعداد لها من وراء الحدود فيجب على مطلقيها الأتيان بدليل على ذلك. وعلى فرض وجود مؤامرة وفرض المحال ليس بحال فلماذا فشل جيش جرار قوامه مليون مقاتل في إحباط تلك المؤامرة وهزم أمام مجاميع إراهابية لا يتجاوز تعداد أفرادها بضع مئات؟ أليس هذا امر مشين ومعيب وأنتهاك للشرف العسكري؟ ولم لم يثبت القادة العسكريون في سوح القتال لأحباط المؤامرة بدلا من نزع البدلات العسكرية والهروب لأقليم كردستان؟

وإن كان الدليل على المؤامرة هو قاعدة قل لي من المستفيد أخبرك من هو المجرم فهذه القاعدة لايمكن تطبيقها هنا. فالبعض يروج لدور خياني للكرد على خلفية تمدد قوات البيشمركة الكردية لمايعرف بالمناطق المتنازع عليها في محافطة الموصل. فمن المعلوم ان تلك المناطق تقطنها اغلبية كردية كمدن سنجار وشنكال وغيرها ويسعى الكرد الى ضمها للأقليم منذ اكثر من عشر سنوات وبلا طائل فهل المطلوب من البيشمركة ترك المناطق تقع فريسة بيد قوى الأرهاب التي ذبحت الكرد في سوريا ام إن واجبا وطنيا يقع على عاتقها لحماية تلك المناطق وسكانها؟ خاصة وأن جميع المناطق التي يحميها البيشمركة تتمتع بالأمن حتى أن العديد من المناطق العربية في المحافطة أو الشيعية تطالب بدخول قوات البيشمركة لحمايتها بعد أن فشلت قوات المالكي في تلك المهمة.

ولرب قائل يقول ولم لم تحم تلك القوات مدينة الموصل؟ وهل يمكن لقوات تابعة لأقليم يقطع المالكي رواتب موظفيه منذ أكثر من ستة أشهر , ويرفض إلحاق قواته بالقوات العسكرية العراقية ويحاربه بكافة الوسائل أن يدافع عن مدينة الموصل بدلا من القوات العسكرية العراقية؟ وهل طلب المالكي من الأقليم المساعدة العسكرية فيكون قد القى الحجة على تلك القيادة؟ وهل كانت علاقة المالكي بالأقليم طوال السنوات الماضية حسنة وهو الذي وضع إتفاقية أربيل تحت قدميه ليقدم له الأقليم المساعدة اللازمة مجانا؟ إذن لايمكن تحميل الكرد مسؤولية ماحصل لا من قريب ولا من بعيد.

واما الحديث عن وجود صفقة بين الكرد وداعش تنص على تسليم مدينة الموصل الى داعش مقابل إستيلاء الكرد على مدينة كركوك النفطية فهو إدعاء واهم لا يصمد أمام الواقع. فالموصل لا يسيطر عليها الكرد فكيف بإمكانهم ان يهبوها لداعش؟ ففاقد الشيء لايعطيه .فمن يسيطر على المدينة قيادة عمليات نينوى التابعة للمالكي فإن كانت هناك صفقة فلابد أن يكون هؤلاء قد عقدوها وقبضوا الثمن ومن يطالب بدليل فعليه ان يأتي بالدليل على إدعائاته أولا. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان مدينة كركوك لا تخضع لسلطة داعش كي تسلمها للبيشمركة مقابل الموصل. فالمدينة تخضع لقيادة عمليات دجلة التي يقودها عبدالأمير الزيدي المعروف بمعاداته للكرد والذي كان على وشك أن يتسبب بحرب معهم العام الماضي وهو الذي أصدر اوامره بإلأنسحاب من مدينة كركوك.

فهو إما ان يكون أصدر الأوامر بنفسه أو بأمر من المالكي فإن كان أصدرها بأمر من نفسه فتلك خيانة كبرى مابعدها خيانة وهي الأنسحاب من مدينة عراقية وتركها لقمة سائغة لقوى الأرهاب التي تمددت نحو المحافطة ونحو صلاح الدين. ولذا فإن دخول قوات البيشمركة المعروفة ببسالتها وشجاعتها منع المدينة من السقوط بيد قوى الأرهاب وحما اهلها من مجازر كانت سترتكب بحقهم فهل في ذلك خيانة؟ وأما عن إلحاقها بالأقليم فهو أمر لم يحصل بشكل رسمي لحد اللحظة وأما من الناحية الواقعية فكركوك تابعة للأقليم منذ زمن إذ أن الكرد يهيمنون على إدارتها بإعتبارهم أغلبية في المدينة وقد فازوا بثمانية مقاعد برلمانية من مجموع مقاعدها الأثني عشر عدا مقعد الأقليات في الأنتخابات البرلمانية الأخيرة ولذا فدخول قوات البيشمركة لم يغير الواقع القائم بل عزز الهيمنة الكردية عليها.
وأما إن كان الأنسحاب من المدينة قد صدر من المالكي فهو لا يخلو من ثلاثة إحتمالات , فاما الأول فهو الأنتقام من الكرد الذين فازا في إنتخاباتها وذلك عبر تركها فريسة لقوى الأرهاب , والأحتمال الثاني هو وجود صفقة عقدها المالكي مع الأقليم تتمثل باعطاء كركوك للكرد مقابل تجديد ولايته, والأحتمال الثالث هو تقديمها هدية للكرد معولا على تغيير موقفهم من ولايته. الا ان تداعيات ماحصل تشير الى إنتفاء الإحتمال الثاني وضعف الثالث ويبدو الإحتمال الأول هو المرجح والقرينة على ذلك هو عدم معاقبة المالكي لعبدالأمير الزيدي بسبب انسحاب قواته من المدينة. وفي ذلك خيانة كبرى.

وبعد هذا الأستعراض فإن مما لاشك فيه أن الكرد لم يكن لهم يد فيما حصل وإن تحميلهم المسؤولية يهدف في المقام الأول الى تبرئة المالكي وقواته من تبعات ذلك وأما الدافع الثاني فهو للإنتقام من الكرد بسبب موقفهم الرافض لبقاء المالكي في منصبه. فالمالكي يعلم علم اليقين بان السبب الأساسي في نجاح العملية السياسية هو موقف الكرد الداعم لها ومنذ إنطلاقتها وبأنهم لعبوا دورا إيجابيا في العراق إلا ان رفضهم لدكتاتوريته هو الذي دفعه لمحاصرتهم اقتصاديا وسياسيا وتشويه سمعتهم عبر وسائل إعلامه, هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن نجاح تجربة إقليم كردستان الذي ينعم بالأمان وبمسيرة إعمار واعدة ونجاح سياساته النفطية هو الأمر الذي يثير الحقد في نفوس المالكي واصحابه الذين عاثوا فسادا في العراق وفشلوا فشلا ذريعا في ادارة البلاد.

ولذا فإن من خان العراق هو المالكي وليس الكرد وذلك لفشله أولا في إعداد جيش قوي يدافع عن الوطن برغم أنه يحظى بدعم اقوى دولة في العالم الا وهي أمريكا وكذلك يحظى بدعم أكبر من لدن ايران القوة الأقليمية الكبرى وبرغم أنه أنفق قرابة المليار دولار من موازنة العراق طوال سنوات حكمه, وبرغم بلوغ تعداد قوى الجيش العراق قرابة المليون مقاتل الا انه هزم امام مجاميع محدودة العدد ومن ناحية أخرى فإن فساد القادة العسكريين الذين عينهم المالكي قتل روح التضحية والفداء لدى الجيش الذي تحولت مهمته من الدفاع عن الوطن الى الدفاع عن قادة فاسدين لاتهمهم سوى كراسيهم ومصالحهم.

ولقد خان المالكي العراق منذ أن إنسحب قادته العسكريون من المدن واحدة تلو الأخرى , وخان المالكي العراق عبر تنكره للمباديء الديمقراطية ولمباديء العملية السياسية وذلك من خلال سياساته الأقصائية التي مارسها طوال سنوات حكمه والتي تسببت بشروخ في المجتمع العراق و تنام في الشعور بالتهميش لدى مختلف فئات المجتمع من سنة وشيعة وكرد, ولقد خان المالكي العراق عبر تنكره للعهود والمواثيق التي قطعها لشركائه في الحكم وفي طليعتها إتفاقية اربيل, وخان المالكي العراق عبر دكتاتوريته وهيمنتة على كافة مفاضل البلاد من عسكرية وامنية وإقتصادية واعلامية وتسخيره للهيئات المستقلة لخدمته وللسلطة القضائية لتصفية خصومه وعبر إصراره على البقاء في منصبه برغم فشله الذريع في إدارة البلاد. فبعد ثمان سنوات من حكمه فإن قرابة الأربع محافطات عراقية خرجت من سيطرته فيما توسع الأقليم ليصبح تعداد محافطاته أربع ولم يعد يحتفط الا بسيطرة على عشر محافطات شيعية ناقمة على سياساته.

إن مكان المالكي الطبيعي اليوم هو في محكمة الشعب التي تحاكمه على جرائمه التي إرتكبها بحق العراق وخيانته للعراقيين عبر تسليم مدنهم لقوى الأرهاب, ولهدره لقرابة الألف مليار دولار كان يمكن ان تعمر بها بلدان. وأما الكرد فلايستحقوا سوى التحية والثناء والتقدير لأنهم أنقذوا حياة مئات الآلاف من العراقيين من الوقوع فريسة بيد قوى الأرهاب ونجحوا في تقديم نموذج رائع في الحكم حولوا عبره كردستان الى واحة للأمن في منطقة مضطربة وملاذا لعشرات الالاف من العوائل العراقية التي فرت من منازلها بعد أن خانها المؤتمن.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1148 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع