قصّر الدشداشة وأطل اللحية

                                  

                          علي السوداني

هي حالٌ بدتْ من فرط خرابها ، كما لو أنها جنونٌ جمعيّ أو شذوذ ضد الطبيعة ونواميسها السماوية والوضعية . رغبة قوية في الموت ، من طرابلس غرباً حتى بغداد شرقاً وما بينهما وحولهما من ثغور هشة وأمصار مريضة .

إنحسار مروّع في بيبان العلم والأدب والعمارة والفنون الجميلة والسلام ، بمواجهة طوفان من خرافات وخزعبلات وبِدَعٍ مستلةٍ من دفتر الضلالة السمين ، ودثار غليظٌ فوق عيون وصدور الناس . تصنيعٌ ضخمٌ لعمائم سودٍ وبيضٍ وخضرٍ . تفريخٌ عابرٌ للمنطق وحدّ الله الجميل ، لكائنات بشرية بينها وبين العلم والآدمية جبلٌ من نار ، فهذه العمامة آية عظمى دام ظلها ، وتلك السماحة قُدّسَ سرّها ، وذاك الإمام هو روح الله حتى لو قتل الناسَ جميعاً . عمامةٌ تريد منك وأنت المخيم بباب القرن الحادي والعشرين ، أن تطيل اللحية وتكنس الشارب وتقصّر الثوب . ثانية تهدر دمك لأنك رسّام ومثّال . ثالثة تجيز لك فضّ بكارة أربع فتياتٍ غضّات يلعبن الختّيلة عند عتبة سنتهنّ التاسعة . رابعة تحدثكَ بحديث نكاحات المسيار والمتعة وإرضاع الكبير والتفخيذ . ألصورة الفوتوغرافية النصفية حلال ، والمشخصنة الكلية حرام . تقول له يا مولانا إنّ هذه المسألة شكلية ولا صلة لها بجوهر الله ، فيلطمك على حلقك لتبلع نصف أسنانك ، ويقول لك إنها والله لمنَ السنّة أيها الولد الضالّ . يقمّطك بحزامٍ ملغّمٍ ، ويطبع فكرته المميتة فوق ظهرك ويدفعك دفعاً صوب مسجد وكنيسة ومطعم ومقهى وحشد عمالة على باب الرزق ، ثم يعدكَ بعشاءٍ طيبٍ مع النبيين والصدّيقين . ينبشُ خرافةً مطمورة ببطن التأريخ ، وعلى عفنها تسيح بحارٌ من دماء وأنفسٌ حرّمَ الرحمن الرحيم العادل قتلها إلّا بالحقّ ، وإذ يضيقُ صدرك وتلوبُ روحك وتعبر الخطّ الأحمر المرسوم لك ، وتفتي بأنك مؤمنٌ لكنك تسأل حتى يطمئنّ فؤادك الشكّاك ، ينزل عليك هذه المرة من علياء منبره ، ويغرسُ في وريدك أبرة الرجل المنتظر ، في تأويلٍ سطحيٍّ لفكرة وجوهر المخلّص الذي لن تراه أبداً ، بل هو قائم في ضميرك يعينك على انتاج الحبّ والعمل والتقوى والعلم الذي ينفع الناس .
إختفاء مزرٍ للقوة الليبرالية المدنية التي هرمت وانهزمت وجبنتْ وصارت تتمسّح وتتبارك بأذيال عباءة مخبولٍ بمستطاعه هو الفرد أن يحرك القطيع صوب الوجهة التي يريد ويشتهي .
قلنا وأفتينا في غير موضعٍ وموضع ، إنّ الدكتاتورية الدينية لهى أقسى وألعن من الديكتاتورية السياسية ، والحلّ حتى تتوقف الدماء وتقوم القائمة المشتهاة هو في تأميم وتمدين وتهذيب الدينيّ وإرجاعه إلى حضن الله وتسويره داخل " فاتيكان " ثم معالجة السياسيّ الممكن جداً .
ألدولة الإسلامية في زمن فاروق وجمال عبد الناصر ، لهي أجمل وأحلى وأرحم وأعلم وأعدل وأطيب ، من الدولة الإسلامية في زمان القرضاويّ والسيستانيّ . ألفكرة ممكنة ومتاحة فشدّوا الحيل والحيلة وأنتم أحرار كما ولدتكم أمهاتكم ، فإن فعلتم فالفعل عظيم ومبارك من الله ، وإن لم تفعلوا ، فخيّطوا منذ الليلة لكم ولأبنائكم ، دشاديشَ مقصّرة تحت الركبة بإضمامة أصابع .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1136 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع