«داعش» والأوهام الهوليوودية

                                              

                                 ديانا مقلد

 نعم، نجح تنظيم داعش في بث الرعب فينا..

فدفْقُ مشاهد استعراضات القوة في المناطق التي سيطر عليها في العراق، ولقطات جز الرؤوس وفيديوهات التفجيرات والاغتيالات المصورة بتقنيات عالية وفيديوهات الإعدامات الجماعية وصور تجنيد الأطفال وإجبارهم على حضور عمليات إعدام، كلها كافية لأن تجعلنا نرتجف ونعترف للتنظيم بصدارته لممارسة العنف الجنوني.

باتت كلمة «داعش» ماركة تجارية في عالم القتل والعنف المروع..

لكن في الحقيقة ليست الدموية هذه بجديدة، فقد شهدنا مثلها خلال العقد الماضي في العراق ولنا في الفيديوهات العنيفة سجلُ سنواتٍ ثلاث لارتكابات مروعة مارسها، ولا يزال، النظام السوري. أما تاريخ المنطقة والعالم فهو حافل بأضعاف هذا العنف والقتل، وبعضه موثق بالصوت والصورة. لكن القفزة التي تميز «داعش» إلى جانب القدرة على السيطرة والتمدد في بقعة خطرة سياسيا وأمنيا في العراق هي الفعالية الإعلامية. فقد انشغلت دوائر غربية في تتبع وتحليل طاقة هذا التنظيم وقدرته على إنجاز وبث أشرطة دعائية له وانتشاره إخباريا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فلـ«داعش» على سبيل المثال صفحات عديدة عبر «تويتر»، فهناك مثلا صفحة «ولاية الموصل» أو «ولاية نينوى». وها هو التنظيم شرع يصدر تطبيقات أو Apps، منها تطبيق «الفجر» لبث أخباره، عدا عن فيديوهات الأناشيد وتجميع مشاهد القتل أو توزيع المساعدات على الأهالي. هذا يثبت أن ما يقدم عليه الداعشيون هو عمل استراتيجي إعلامي حتى نكاد نشعر لشدة انكباب التنظيم على تصوير ارتكاباته أن هذا القتل والعنف ما كان ليكون لو لم تكن هناك كاميرا تصوره وتنقله إلينا.

النقاش هنا ليس في قدرة التنظيم على الانتشار والمتابعة إعلاميا وهو أمر قد حصل فعلا، لكن في ذلك الانشغال الغربي الذي يقارب الافتتان به. فقد سقط الإعلام الغربي في فخ جاذبية العنف الذي يمارسه قتلة «داعش» وشرع يبث الفيديوهات الدموية والدعائية التي ينتجها على نحو يخرق معايير الالتزام التي تميز بها تحديدا الإعلام الأميركي في الامتناع عن بث مشاهد كتلك التي يتداولها. لقد وصل الأمر بقناة «CNN» أن قارنت مثلا بين لقطات في فيديو دعائي داعشي بث منذ أقل من أسبوعين وفيلم هوليوودي شهير عن مطاردة أسامة بن لادن، وجرت الكثير من المقارنات بين مشاهد القتل الحقيقي سواء عبر مطاردة سيارات أو عبر تفجيرات داعشية وبين خيال هوليوودي في أفلام الأكشن. وهنا تبدو المقارنة مع هوليوود فيها شيء من الإعجاب وفي هذا تكمن الخطورة حين يجري تعميم هذا النموذج من المقاربة. فهذا التنظيم وكما نحتاج لأن نفهم كيف تشكل ولماذا تمكن من السيطرة، نحتاج أيضا لأن نعيد النظر في كيفية التعامل مع المادة الإعلامية القاتلة التي يقذفها في وجوهنا كل لحظة..

نعم، الرعب وسيلة دعاية فعالة تجذب كثيرا من المأزومين وشذاذ الآفاق تحت ذرائع شتى، فماذا علينا أن نفعل.. لقد تبين أن الحظر والمنع ليس وسيلة ناجعة لضبط هذا الجنون الإعلامي، وها هي «داعش» تلقننا درسا قاسيا عن البروباغندا المضللة، خصوصا حين تكون مقرونة بأوهام القوة في غير محلها.. هذا يجعلنا جميعا كأفراد وكإعلام ودول أمام تحديات لمواجهة الخطاب العنيف المتسرب. ومن يشغله انتشار دعاية «داعش» وأسلوبها عليه ألا يكتفي بالمشاهدة السلبية وبالخوف. نعم هناك حاجة ملحة لسياسة إعلامية ذكية تجرد هذا الخطاب وتحاصره لا تصوره بصفته إعجازا هوليووديا كل جاذبيته تكمن في القدرة على القتل واقعا لا خيالا..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1186 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع