زينب حفني
أثار نبأ استقالة بابا الفاتيكان (بنديكتوس السادس عشر) ضجة كبيرة بكافة وسائل الإعلام العالميّة، واعتبرها الكثيرون حادثة نادرة لم يشهدها التاريخ المعاصر من قبل وصدمة للكنيسة الكاثوليكيّة. وإن كان هذا الأمر لا ينفِ وجود حالات مُشابهة وقعت بأوروبا منذ ستة قرون.
عُرف عن البابا بنديكتوس مواقفه السلبية تجاه المسلمين. والجميع يتذكّر مقولته الشهيرة "الإسلام لم يأتِ إلا بما هو شرير وغير إنساني" التي قالها ضمن محاضرة له بألمانيا، مما أثار أيامها غضب الأزهر الذي أعلن وقتها تجميد العلاقات مع الفاتيكان.
الآراء تباينت حول سبب استقالة البابا! فطلع علينا أحد الباحثين السعوديين المتخصصين في شؤون التنصير، ليقول إن السبب الحقيقي للاستقالة يعود إلى شعور البابا بالحرج بعد تسريب وثيقة فاتيكانيّة لإنجيل قديم مذكور فيه اسم نبينا محمد. إضافة لكم القساوسة الذين دخلوا في ملة الإسلام في الخفاء إبّان عهده!
أحد الكتّاب الروس ارجع سبب استقالة البابا، إلى تدفق المسلمين على أوروبا الغربية وتنامي المد الإسلامي مما دفعه إلى الاستقالة، كي يُفسح المجال لبابا آخر أصغر سنّاً قادر على التعامل مع الشباب ومواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين.
هناك رأي ثالث يقول إن فضائح التحرّش الجنسي بالأطفال المتورّط فيها عدد من القساوسة، بجانب تسريب وثائق سريّة مهمة تكشف الصراعات التي تجري داخل أروقة الفاتيكان، كانت وراء استقالة البابا وليس بسبب مرضه كما أُشيع!
كنتُ قد قرأتُ تساؤلات لأحدهم تعقيباً على استقالة البابا.. ماذا لو استقال رجال الدين عندنا، ورفعوا أيديهم عن كافة مرافق الحياة؟ متابعاً.. هل سيعم الفساد؟ هل ستُعلن حالة الطوارئ في كل مكان تحسباً من وقوع اضطرابات هنا وهناك؟ هل ستتفاقم مشاكلنا؟ هل سينعدم الاستقرار في العالمين العربي والإسلامي؟ هل ستتسع مساحة الفرقة بين المذاهب والطوائف والأديان؟ والإجابة للأسف جميعها جاءت بلا!
تُرى لماذا فشل دُعاتنا في حل القضايا الطائفية والمذهبية التي تتفاقم يوماً بعد يوم داخل مجتمعاتنا؟ لماذا رغم خطب المنابر التي تُحذر الناس من الوقوع في الآثام وأهوال يوم القيامة، ترتفع موجة الإرهاب والعنف؟ لماذا رغم المناهج المكثفة للدين الإسلامي بمؤسساتنا التعليميّة التي تحثُّ على التسامح والعدل والحرية، عجزت عن ترسيخ هذه القيم الإنسانية الجميلة بعقول الأجيال الصاعدة؟
وعودة إلى الباحث السعودي، أقول له كفانا تعليق كل شيء على مشجب الإسلام! وكفانا تعصباً لديننا وتقليلاً من مكانة الأديان الأخرى! أقول له ما تفعله الجماعات المتطرفة وفي مقدمتها "داعش" يوميّاً على شاشات التلفاز من مشاهد دمويّة ومن هدم للكنائس والمعابد، كفيل بتشويه صورة الإسلام والنظر إليه على أنه دين متوحّش بربري!
علينا كما نتباهى بدخول مسيحيين للإسلام، أن نقر بأن هناك مسلمين تنصّروا! بجانب الاعتراف بوجود ظاهرة غريبة بدأت تتوغّل بالسنوات الأخيرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تتمثّل في انتشار فكر الإلحاد. فتجد من يستهزئ علناً بتعاليم الدين الإسلامي وتشريعاته، بحجة أنها أضحت تقليعة قديمة، وينعتك بأنك إنسان رجعي متخلّف إن خالفته في توجهاته المتطرفة!
هناك هوّة عميقة أضحت تفصل بين دعاتنا وبين مجتمعاتنا! ولو لم يتدارك مشايخنا ما يجري ويضعون أيديهم على موطن الخلل ويُغيّرون من نهجهم وطريقة تعاملهم مع الأجيال الصاعدة تحديداً التي تقف موقفاً صادماً من كل موروثات الماضي، ويتخلّى المتشددون منهم عن تعصبهم الأعمى، سندخل في نفق مسدود ومستقبل محفوف بالمخاطر.
إذا فشل دعاتنا في ردم الهوة فعليهم أن يكونوا شجعاناً ويستقيلوا أمام الملأ، ويتركوا الناس يتلمسون طريق الهداية بأنفسهم. فالخير هو الأصل في الإنسان.
1135 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع