عصام اكرم الفيلي
كلمة مؤسف قليلة جداً بحق ما سيئول اليه الوضع في العراق ، وليس من السهل مجرد التخيل ان فرداً ما من ابناء هذا البلد يقبل بما سنضطر للتعايش معه في قابل الايام مما ينطبق عليه وصف واقع حال ، فما سنكتشفه من نتائج الاحداث الدراماتيكية المتسارعة بتسلسل مدروس ودقيق قد يبدو ضرباً من المستحيل ، ولكن كم من المستحيلات اصبحت حقائق ، خاصة في العراق .
الاحداث الاخيرة بدأت في اقصى الشمال الغربي للعراق ، ولكني لن ابدأ من هناك بل سوف اعكس المؤشرات لأبدء من بغداد ، الاف الموظفين الامريكان ينامون هادئين مطمئنين في السفارة الامريكية التي تحتل مساحة شاسعة من المنطقة الخضراء في قلب بغداد ، كوادر كل السفارات متواجدة في اماكنها وتمارس اعمالها اليومية المعتادة ، لا توجد أي مؤشرات على الاطلاق من خوف دولي أو امريكي على وجه التحديد من موضوع صادرات النفط الذي يمثل اهتمامهم الاول بلا منازع ، 1500 مسلح فقط من داعش يقفون على مشارف الموصل و52000 مقاتل حكومي مسلح ومجهز بكل انواع الاسلحة والمعدات ينسحبون فيدخل الداعشيون و( يفتحون ) نينوى ! بيجي وتكريت والشرقاط والحويجة والعديد من المدن تتسلمها داعش بنفس الطريقة ويقفون ( مؤقتاً ) على ابواب سامراء ، الاكراد يتقدمون بنفس الوقت من محاور اخرى باتجاه المناطق التي تهمهم ، يزحفون بسرعة وجاهزية مريبة نحو المناطق المتنازع عليها ، ويسيطرون بلا اطلاقة واحدة على كركوك قدس كردستان كما سماها الطالباني .
السؤال الذي اراه جوهرياً بل هو فصل الخطاب فيما حدث و سيحدث ، لماذا لم تكشف داعش عن وجهها الحقيقي ولم تقم بأفعالها المعتادة التي رأيناها في سوريا خلال السنتين الماضيتين !؟ اين الذبح والجزية واطلاق اللحى ومنع التدخين !؟ اين قطع اليد والجلد والرجم !؟ ما هذا التسامح الذي هبط من السماء على قاطعي الرؤوس من مخلوقات قريش القرن السابع الميلادي !؟ إذن وراء الاكمة ما وراءها وهو لن يكون بأي حال من الاحوال سوى شيئين مترابطين ، الاول ان ما يجري ( بكل ابعاده ) هو تجسيد محكم لفصول مسرحية متفق عليها تحت اشراف خفي من منتج متستر بالدين ومخرج رأسمالي بارع ، والثاني ان اهداف داعش لم تتحقق جميعها الى الان وبالتالي يجب عليهم عدم تكرار اخطائهم في سوريا ، وتأجيل الكشف عن وجههم القبيح لما بعد انتهاء الخطوط المرسومة لذبح العراق .
سمعنا ان المنتج الاقليمي والمخرج العالمي لا مانع لديهما من الاجتماع لتدارس شؤون العراق ، ولكن كيف سيخرجون لنا مشهد الختام ؟ الكومبارس سيثيرون اقتتالاً داخلياً طائفياً ودامياً يشل العاصمة ، قصف ربما يكون بالمدفعية التي استولوا عليها من مقرات ثلاث فرق منهارة لمطار بغداد والمنطقة الخضراء ، ، ارتفاع مهول في اسعار المواد الغذائية وانقطاع للماء والكهرباء يرافقها ازمة وقود خانقة ، فوضى عارمة في العاصمة فقط مع استقرار مؤقت في المحافظات الاخرى ومدنها يوحي للجمهور بأفضلية الخلاص اياً كان وجهه واياً كانت طريقته ونتائجه ، ضغط داخلي واقليمي ودولي على المالكي سيدفعه بالنهاية الى الاستقالة .
وماذا بعد الاستقالة ؟ حكومة طوارىء ( قد يسمونها انقاذ وطني أو وحدة وطنية ) لن تصمد طويلاً رغم الرعاية والمباركة الخارجية ، كلا الطرفين الشيعة والسنة سيدخلان في صراع ثنائي مميت على السلطة سيؤدي بالنتيجة الى انهيار الحكومة الورقية الجديدة ، الاكراد من جانبهم طبقوا المادة 140 من الدستور بتطويع واستغلال الظرف لمصلحتهم وبهذا تكون الحدود الادارية قد رسمت ، وهناك على الجبل البعيد سوف يتربع الكردي على عرشه ، الخيار الوحيد الذي سيكون متاحاً امام الاغبياء هو يا جاري انت بدارك واني بداري ، اذن هو التقسيم ، سيصفق الجمهور المخدوع طويلاً ، سيعيش وهم ان التقسيم هو حبل الانقاذ ، لن يجعلوه يشعر انه شاركهم الجريمة ، وانهم بالطرف الثاني من الحبل شنقوا الوطن ، يقهقه المخرج الدموي خلف الستار ، يلتف حوله القرقوزات ، يناولونه كأس دماء سنية شيعية ملؤوها من بالوعة الحماقة ، يمسك بخيوط الدمى ، يلفها حول معصمه ، يشدها بقوة ، يبصق عليها ، يقطعها ، ثم يدخل الى خشبة المسرح معلناً انتهاء اللعبة .
ليس افضل لمشهد ختامي من نفض رقعة الشطرنج بمن فيها لتتساقط كل الاحجار ، لا ملك ولا قلعة ولا حتى جندي ، ليس سوى الخراب ، وجوه جديدة تتصدر المشهد الاخير المبني برماد الشرف على اطلال الوطن ، تزاح ستارة الفصل الاخير لتكشف عن اربعة اقاليم ، كردي وسني وشيعي ، والرابع هو بغداد ، فمن مصلحة المنتج والمخرج معاً ان تكون العاصمة اقليماً لوحدها ، وربما تحت رعاية أو وصاية دولية لعدد من السنين ، لا عشقاً لشارع ابي نؤاس ولا حباً بسواد اعين العراقيين الذين سيندمون بعد فوات الاوان ، ولكن لتأمين الضرع الذي يتدفق منه النفط والاموال ليس الا ، وعلى حساب العراق سيجتمع الرخيصون في حانة ارخص منهم ليشربوا نخب وطنِ ضاع .
عصام اكرم الفيلي
21 حزيران 2014
1119 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع