د.سعد العبيدي
كل شيء شاخ في بغداد العاصمة العراقية التي شهدت تاريخا عظيما وتطورا باهرا منذ بنائها أول مرة زمن العباسيين، وشهدت هجمات ودمار أكثر من مرة كان اقساها الذي حصل على يد هولاكو، وهكذا استمرت مدينة السلام هدفا للأعداء يريدون تدميرها، يحاولون الامعان بفعل التدمير، وقاعدة قوية للأهل الذين يسعون الى بنائها بشكل أفضل كلما تعرضت للتدمير.
لكن الأمر مختلف هذه المرة، فبغداد غزاها أهل الريف وتغير أهلها أو بعضهم غير القليل من بناة عظام يهمهم أمرها الى حملة معاول يشاركون الأعداء تدميرها. إذ ضيّفَ بعضهم القادمين من أجل التدمير في بيوتهم أدلوهم على أهداف في ساحتها ليفجروها فأصبحوا هؤلاء على قلتهم من بين حملة معاول التهديم.
وقدم بعضهم معلومات الى إرهابيين ليغتالوا خصما لهم أو ابنا من غير طائفتهم حقدا، فكانوا مثل هؤلاء مشاركين في عملية الهدم.
وشمر البعض ساعده ليعطي مالا من أجل الانتقام من خصومه البغداديين فكان مثل غيره مشاركا في هدم أعمدتها.
وتهافت البعض على الفضاءات الفارغة والحداق المتروكة والمناطق الموجودة ضمن مخططات تطوير بغداد استولى عليها بالغش والفساد فكان هو من بين الهدامين بل أكثرهم هدما وان بنى على الأرض قصرا أو جامع لمسح الذنوب.
ومنح مسؤول فاسد لمقاول فاسد مقاولة لتجميل شوارعها وارصفتها فهرب بالمال قبل الإنجاز أو أنجزها مغشوشة فكان حقا من أخطر الهدامين على حاضر بغداد ومستقبلها.
وفوق هذا وذاك نسب الساسة لإدارة أمانتها غير المناسبين أو حتى الجهلة فكانوا يرون مزابلها حدائق غناء وحفر شوارعها أرقى أنواع التعبيد والتجاوز على تصاميمها ضرورة مذهبية فكان هذا وغيره طعنا في خاصرة بغداد.
مسلسل هدم مستمر وكأنه في بعض الجوانب مقصود، أقل الهدامون في حالته تأثيرا أولئك الذين مسكوا سكاكين وليس معاول هدم، فمنهم من بنى سياجا على رصيف الشارع واقتلع شجرة من الشارع وحول المنتزه معرضا للسيارات وتجاوز على عرصة في جانبه، حتى امتدت السكاكين الى أكثر من مجال ليكون أصحابها وتكون سكاكينهم على بساطة الجروح التي تسببها أدوات شاركت في تمزيق بغداد.
تعالوا لتكشفوا على أحياء سكنها متجاوزون فتشوا عن أصول المتجاوزين، بعضهم يملكون وباتوا مهوسين بالتجاوز والاستحواذ على المال العام، وبعضهم متخلفين يسهمون في قذارة بغداد. سيروا بين أولئك المتجاوزون ستجدون الجرذان تتجول بين بيوتهم وفي الشوارع التي فتحوها وتجدون تلول القمامة ماثلة وستجدون أيضا التهريب والحشيش والحبوب المهلوسة والدعارة وستجدون أكبر من هذا اثما ودمارا.
لقد أنتهى عقد من الزمان وبدأنا العقد الثاني وما زالت معاول الهدم تفتك في بغداد، ومازلنا ننظر الى بعض أصحاب معاول الهدم والسكاكين كونهم فقراء أمعنوا في الهدم والتدمير، ونحسب أصواتهم دعما لنا في الانتخابات فتمردوا على الدولة وقوانينها وزادوا من وقع الهدم.
بغداد الآن وبفعل الهدم باتت جسما عليلا مترهلا شاخ مبكرا، اذا لم تتخذ الحكومة وأمانة العاصمة خطوات خارج العاطفة السياسية والمذهبية ستشيخ بغداد وربما تموت على يد أهلها المتمردون عليها والزمان.
الفرصة المواتية لانعاش بغداد واخراجها من دائرة الهدم هي السنتين الأولى من عمر الحكومة أية حكومة لأنها ستكون خلال هاتين السنتين غير ملتزمة بالتمهيد للانتخاب الذي يلي ولا تحتاج الى استخدام المكاسب في التلاعب بعقل الجمهور لانتخابها، ويكون الجمهور من جانبه قد نسيّ فعلها في الإنقاذ وان كان قد تضرر به شخصيا، عندها يمكن أن تكسب بغداد فرصة لإنقاذها من الشيخوخة أو الموت، لكن تجارب اليوم تشير الى أن هذا أمر صعب كونه خارج قدرة السياسيين على الاستيعاب.
1687 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع