حدث في المستشفى

                                   

                           د.سعد العبيدي

يحضر المخاض سيدة بغدادية فاضلة، فيستنفر أهلها وكذلك أقرباء الزوج،

يأخذونها سريعا الى مستشفىً أهلي ذكروا أنه قريب من ساحة الاندلس، تجري الامور في داخلها بشكل طبيعي، لم يلتفت الأهل الى النظافة ولا يعيرون اهتماما الى ملابس الممرضين ولا الى الاسرة والشراشف فقد تعودوا مثل غيرهم من العراقيين على معايير خاصة بالنظافة والجمال مختلفة عن تلك المعايير التي عرفوها من قبل، عيونهم قد تعودت على منظر المزابل المنتشرة جنب بيوتهم وبضوء تعودهم هذا أصبح استبدال الشراشف مسألة لا تهمهم وان كانت ملطخة ببعض بقع الدم وأصبح وقعها لا يخدش معايير النظافة والجمال. ومختلفة أيضا عن تلك الموجودة في جميع الدول العربية والاسلامية التي كان العراق محسوبا عليها أو يتقدمها يوما من الأيام.

المهم في الموضوع هو أنهم يرون الغرفة التي حجزوها في الطابق الخاص بالولادة عادية، جلس المقربون منهم على سريرها لا يتكلمون على النظافة أو الترتيب لأنهم مشغولين بسلامة ابنتهم أولا. أما الأم والزوج فاستمروا بحومانهم حول غرفة العمليات بعد أن أكد الطبيب المختص أن الولادة تتم بعملية قيصرية، لم يعيروا هم أيضا موضوع النظافة أي اهتمام ولم يتكلموا عن غياب الخدمة داخل الغرفة التي تركوها ليحوموا حول الصالة، وكأن المستشفى بلا خدمات.

لكن الامر قد تغير تماما بعد خروج السيدة من صالة العمليات وتكللت عمليتها القيصرية بالنجاح واجتازت الوقت المحدد للخروج من نوبة البنج، اذ ومع دخولها الغرفة ووضعها على السرير، بدأ سيل المهنئين المباركين من كادر المستشفى:

عمال خدمة حضروا مسرعين يتوددون ليس لأن يكملوا مستلزمات التنظيف ضمن واجباتهم الأساسية، بل ليفعلوا شيئا استعراضيا ومن بعده يلتفتوا الى الأم، يباركوا على السلامة ويتمنوا للمولودة الجديدة مستقبلا زاهرا في بلادها العراق.

يخرج ممرض لتدخل ممرضة تحمل قنينة ماء ليس لأن تسد من مائها المستورد عطش الموجودين بل لتبارك بقصد الحصول على المقسوم.

البعض منهم كان ذكيا، تصرف خارج المألوف أخذ حصته من الأم، بقيّ متربصا لها وعندما أحس انشغالها بأمر ما جري مسرعا الى الزوج، حصره في زاوية المباركة وتحميد السلامة بقصد الحصول على المقسوم وقد حصل على المقسوم مضاعفا من جهتين.

منظر يثر الاشمئزاز وان أصبح طبيعيا في عموم المستشفيات بعد شيوع تكراره وبعد أن أصبح الجميع في عيش قوامه التطفل على الجميع، لكن غير الطبيعي في مجاله وغير المألوف في حالته هو حضور طبيبة من المستشفى شاركت في التوليد سألت هي أيضا عن المقسوم دون أن تخجل من مهنتها العظيمة. قالت وبكلمات واضحة لا لبس فيها لقد أعطيتم الكل لماذا لم تعطوني أنا.

أكدت الأم التي كانت فرحة بحفيدتها المولودة الجديدة انها قد خجلت من موقف الطبيبة التي لم تخجل من فعلتها، وبعد أن خرجت من نوبة خجلها تذكرت أنها أعطت الى المهنئين بمتوسط عشرة آلاف دينار وان أعلى رقم أعطته لرئيسة الممرضات خمس وعشرون ألف دينار، عندها أخرجت من جيبها خجلة، آخر خمسين ألف دينار، أعطتها الى الطبيبة التي اخذتها دون أن تتلفظ بكلمة شكر:

ربما تصورت المبلغ قليل بحقها طبيبة فلا حاجة لأن تشكر على تحصيل قليل.

وربما فرحت به رقما كان الأعلى بالمقارنة مع الممرضين وعمال الخدمات والفرحة أحيانا تقلل التركيز.

وربما باتت مقتنعة بان ما حصلت عليه حق لها ولا حاجة أن تعبر عن شكر لحق مأخوذ.

الاحتمال الأخير قد يكون الأكثر صحة، خاصة وان الطب في عراقنا الجديد بات تجارة دخلها بعض الغرباء عن انسانيتها العظيمة مثل غيرها من المجالات التي ستدفع بالعراق الى المجهول.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع