قصة قصيرة بعنوان : ( همسات على قارعة الطريق )

                                  

               بقلم : جابر رسول الجابري


استأذنت من صديقي بالانصراف , كانت الساعة تشير الى العاشرة والنصف ليلا , نهضت متجها الى الباب وهو لي مشيعا سألني :

هل تحب الخبز العراقي ؟؟

اجبته : بالتأكيد ...

قال لي : اذن لحظة من فضلك..

تركني واتجه الى المطبخ , برهة ثم عاد وفي يده كيس وهو يقول لي :

قنينة عصير تتسلى بها في طريق عودتك و خبز للفطور صباحا...

شكرته مودعا ثم انطلقت امشي باتجاه داري التي  لا تبعد عن داره الا بضعة دقائق مشيا على الاقدام , كان الظلام يخيم على شوارع  المدينة الا من بعض المصابيح التي كانت تنير الطريق , كان الجو يومها ربيعا  والسماء صافية  ليس على عادتها لان الغيوم عشيقتها , كان الهدوء يخيم على الطرقات الا من ضوضاء ازيز محركات السيارات التي تمر بين الحين والآخر , وكانت النسمات العليلة تداعب وجهي فانساق في نشوة سارحا في الخيال , وكعادتي  عندما اتمشى اشغل نفسي بالتفكير في امر ما عندها امخر في عباب التأملات  فتكون قدماي دليلي الى مرام الوصول ,

نظرت نظرة في النجوم وهي تتلألأ , ثم تسائلت مع نفسي في عجب !؟

- لم خلق الله وقتين متناقضين ؟ نهارا ثم اتبعه بليل  .... ولم جعل الله وجوب هذا التغيير المستمر ؟ ....ولماذا لم تستمر الحياة في وقت واحد ؟ -- وماذا سيحصل لو ان الحياة كانت في ليل فقط او نهار....عندها ماذا سيكون هل الحياة ستندثر ؟ او  تتلاشى فتموت الكائنات ؟.

 كثيرة هي الاسئلة تتلاطم امواجها على شواطيء الخيال في يوم عاصف , ثم جرتني الاسئلة جرا كسفينة تذريها الرياح الى امرالحكم والحاكم ....  تسائلت -- لماذا يتوجب فيهما التغيير أيضاً  ؟ وهل بقاء الحاكم سيفسد الحياة  , توصلت فجأة الى ان كل افعال وصفات الخلق لها طرف مضاد و متغير , فالحق مثلا يقابله الباطل والظلم يقابله العدل  والحب يقابله كره والفساد يقابله نزاهة  والفرح يقابله سرور .... الخ , لم اجد صفة او حال بلا نقيض ولم اجد ايضا امرا بلا مقياس أو سبب , بل لم اجد ايا منها له إمكانية الاستمرار بلا تغيير , عندها فقط ادركت معنى التغيير ولماذا يجب ان يحصل التغيير سواء في الحكم او الحاكم ، ولم لابد من  تغيير نمط الحياة  بين الفينة والاخرى ! , سبحان الله وجدتها آية من آيات الخالق ان جعل التغيير قاعدة اساسية لاستمرار الحياة , بل ادركت ان المكوث على حاكم واحد وطبيعة حكم واحدة تفسد الحياة وتنقل حال الصفات الى الضد السلبي حتى وان كانالحال إيجابيا  على موازين التقييم  , وادركت ان استمرار الحال من المحال حيث لابد من التغيير , وفيما انا على هذا الحال تنبهت مذهولا لصوت خفقان جناحين لطائر هبط على الارض بقربي , وهو لا يبعد الا بضعة خطوات مني , تسمرت قدماي على الارض ومكثت جامدا لا أتحرك  في مكاني متفحصا ذلك الطائر ومراقبا حركاته  ، لحظة واحدة ادركت ان ذلك الطائر ما هو الا طائر النورس , خرجت من ذهولي على زعيق ذلك النورس وهو يتقدم نحوي ويوميء لي بمنقاره ناقرا على الارض كأنه يطلب مني طعام , اقترب مني اكثر فاكثر حتى بات عند قدماي وهو مستمر في زعيقه , بركت عندها  ثم افترشت ناصية الطريق , وبتاجاذبه اطراف الحديث فسالته هامسا :

-هل تريد طعاما؟؟

هز لي راسه كأنه يجيبني بالايجاب , عندها وضعت الكيس الذي في يدي على الارض ثم فتحته وأخرجت  منه قطعة خبز وبت ارمي فتاتها اليه واحدة تلو الاخرى  وهو يلتقمها , حتى اذا جاء وقت آخرها عزف عن التقامها ونفر بمنقاره يمينا وشمالا ----عندها سالته :

هل شبعت...؟؟

لم يجيبني , بل توجه نحو الكيس واخذ ينقر قنينة العصير , تنبهت على الفور انه عطشان يرمي الى شربة من ذلك العصير , ابتسمت ثم همست له :

-آه---- انت عطشان اذن --- دعني اسكب لك قليلا منه .!!

مددت يدي الى الكيس فاخرجت قنينة العصير و فتحتها ثم سكبت شربة منها في احدى حفر الطابوق المرصوف على الطريق , تقدم ببطأ نحو تلك الحفرة وبدأ يلعق بمنقاره شاربا حتى اذا ارتوى , استدار براسه نحوي واطلق زعيقا فحسبته يشكرني على ما فعلت فهمست له تارة اخرى :

لا تشكرني بل اشكر الله الذي سخرني وصديقي في ايصال الرزق اليك .. سرعان ما قطعت كلامي عندما تنبهت الى رجل  بزي الشرطة يتجه نحوي ترافقه سيارة الشرطة , عندئذ طار النورس وحلق عاليا ثم حط فوق أحد اعمدة الكهرباء  القريبة مني , تقدم ذلك الشرطي مني اكثر فاكثر ثم توقف سائلا:

-هل انت على ما يرام ؟؟

نهضت واقفا واجبته مبتسما :

نعم انا على ما يرام..

فاسترسل في سؤاله مستغربا :

-اذن لم تفترش ناصية الطريق في الظلام ؟ اين تسكن ؟ واين بطاقتك ؟.

قلت له : اسكن هنا في نهاية هذا الشارع وكنت في طريقي الى داري لكن ذلك النورس طلب مني الطعام فجلست اطعمه واسقيه من هذاالعصير

استدار الشرطي بنظره ليتفحص النورس, فما كان من ذلك النورس الا ان يطيرمحلقا ثم يهبط بسرعة خاطفة وهو يطلق زعيقا ومهاجما الشرطي لكن الشرطي أزاح بجسمه عن مسار النورس , فعاد  النورس وارتفع محلقا وحط في مكانه, استدار الشرطي نحوي وهو يتلفت يمينا وشمالا خائفا من ان يكرر طائر النورس فعلته , سألني :

ماذا دهاه ؟.

اجبته  : اظنه مستاء منك لانك اقتربت مني .

هز الرجل راسه مستغربا وهو يراني الوح بيدي الى النورس واقول له

- شكرًا ... وداعا يا صديقي .....

فما كان من الشرطي الا ان استدار و ركب سيارة الشرطة وهو يقهقه ثم يتمتم  : معتوه ....

بيرمنجهام - المملكة المتحدة

27 /05/ 2014  

 الگاردينيا:اهلا وسهلا بالأخ / جابر الجابري في حدائقنا ...

              

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

740 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع