علي السوداني
ألأيام ليستْ على ما أرومُ . أقصد أيّامي وأيامكم بالطبع . ثمة ثقب الأوزون والإحتباس الحراريّ والرعب النوويّ وتوازن الطبيعة وتصحّر الخصيب ونحيب القطب المنجمد ، والكورونا ابنة انفلاونزا الطير وكلفة زمزمة الماء ،
وعنوانات مقززة منفّرة مروّعة شائنة تتهاطل فوق مائدتك القفر ، من شاشة أنباء المساء . تورطتُ قبل ساعة بمشاهدة شريطٍ قاسٍ يوثّقُ واقعةَ ذبح وسلخ خروف ضخمٍ مهيب . شبعتُ قهراً عند أوّل الفلم ، لكنّ الحال كان يتغيّر بعد انفناء كل دقيقة ضاجّة من دقائق المذبحة . شعرتُ ببهجة قوية على منظر نصب المنقل وإشعال النار وتحمير وتسميق أسياخ الكباب والتكة الطيبة ، ومن فرط الشهية ، كدتُ أشمُّ عطرة الشواء وهي تنبعثُ كما رحمة من بطن الشاشة . زاد منسوب الأمل المطشوش اللحظة على مسائي عندما استرجعتُ حديث البدويّ القويّ عن فوائد الذبح والسلخ ، التي منها جاكيت محترم وعباءة صوف نادرة مغزولة على منوال الصبر ، وقندرة أصلية ومسمدة بعرور ، وشكوة بطن الخروف المغدور التي ستتحول تالياً إلى مخضّة عجيبة تخضّها الأمُّ فتنتجُ لبناً وزبداً ودهناً طيّباً فيه لذة وعافية للشاربين . بقيَ من الكبش رأسه النبيل وقرناه المعقوفتان ، وهذا سيعلّق لاحقاً فوق باب الدار ، دفعاً للبلاء وإطفاءً للعيون المالحة ، وهذه التعليقة لها أخت بالمعنى النابت إذا كان الرأس الشريف رأس غزالٍ أهيَف . سأحرنُ قليلاً عند رأس الخروف وأزيد أنّ سكنة بلاد ما بين القهرين وما حولها ، تصنعُ منه والأرجل والمقادم والمصران والكرشة ، أكلة ً قوية مغذية اسمها باجة بتعجيم الجيم ، وهذه المثرودة المنقوعة الملحّمة ، يقبلُ على قدورها الفائرة ، سوَقَة صباح الرزق والعافية لتعينهم على حمل الطابوق ولَيّ الحديد .
وأيضاً عندك من المفترسة أكيلة الكوارع ، السكارى الذين يشفطون أواخر الكؤوس ، فتأتي بهم أرجلهم وما تيسّر من مركوب ، صوب قدْر الباجة الذي يخرج من حلقهِ بخارٌ يكفي لسحل سبع مقطورات ، وهؤلاء ينقضّون على صحونهم بنهمٍ عظيم ، حتى يكاد واحدهم لا يفرّق إن كانت خمستهُ والراحة قد طمست في ماعونه أم في مثرود صاحبه .
ثمَّ عندك كعب الخروف الذي جمعهُ الساري كعاب ، وهذه ستصير واحدة من أحلى لعب الطفولة البائدة ، حيث لعبة الكعاب والطنّب والكحيل والطاي والصاي ، والصول الذي هو أجمل وأثقل وأقوى الكعاب إذ يُثقب من جهة البطن ويُصبُّ فيه الرصاص ، وحيث يتلاعب به الفتى الخبرة ويؤرجحهُ بين الإبهام والسبّابة ، ساعتها لا رادَّ أبداً لضربتهِ الضاربة . ولقد ذهبَ هذا الصول مذهبَ مثالٍ وقياس شائع فصار يطلق على الكائن المنحوس المتعوس الأثول الذي خسر تجارته وشغلته وغرقت مراكبه بالبحر ، لأنه لم يتدبّر ويتحسّب ، بأنه رجلٌ أضاع صول كعابهِ ، ولم أسمع من طول جلوسي في الحانات وفي المانات وفي المقاهي ، أنَّ امرأة ثولاء قد ضيّعتْ صول كعابها العزيز .
ألآن بمقدوري الإنصات إلى صوت شديد الوضوح يكاد يترسُ أذني والصيوان الكبير :
عربْ وين ، علّوكي وين !!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن
1547 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع