د. تارا إبراهيم – باريس
تعودت أن اذهب من وقت الى اخر الى محلات بيع الكتب الباريسية الضخمة لشراء كتاب ما أوالبحث عما هو جديد وغير تقليدي و اللجوء الى متنفس نقي بعيدا عن صخب الحياة ولكن في بعض الأحيان ننتقل إلى صخب من نوع آخر،
فالمكتبات أصبحت تعج بكتب غريبة عجيبة يمكن ان نقول عنها انها كتب عن السيرة الذاتية لشخص ما، ففي فرنسا يحق لكل شخص ان يؤلف كتابا ما ان يجد دارا للنشر تسانده في الطبع، أمر يقودني الى التساؤل، من اين اتى هذا الكم الهائل من الكتب ؟ وهل كل شخص لديه المقدرة على الكتابة ؟، أقصد هنا أسلوب الكتابة الأدبية وما يترتب عليها من معرفة قواعد اللغة والمعاني و الأسلوب النثري وجوانب أخرى .
غالبا ما يقوم بكتابة هذا النوع من الكتب اشخاص عاشوا تجارب كثيرة في الحياة او تعرضوا الى أمور غريبة فيحاولون الكتابة عن انفسهم كي يتعظ الناس من تجاربهم ويتعلموا منهم دروسا في الحياة، فمثلا لدى اطلاق سراح الصحفيين الفرنسيين كريستيان شينو وجورج مالبرونو اللذين أختطفا في العراق كرهائن لمدة 124 يوما لدى عودتهما الى فرنسا قاما بالكتابة عن ظروف احتجازهما في كتابهما " ذاكرة رهائن" كي يتيحا للشعب الفرنسي معرفة الظروف السياسية في العراق وطريقة اعتقالهما . من المعلومات التي قد لا تستفيد منها المخابرات الفرنسية فقط بل وحتى علماء الاجتماع السياسي وعلماء النفس والباحثون في هذا المجال..
ولكن هنالك اشخاص يكتبون فقط من اجل الشهرة والمال والتعريف بأنفسهم وإن كلفهم الامرالتشهير بأشخاص مقربين منهم، حتى وان لم يمتلكوا موهبة الكتابة فهم يستعينون بكتاب يطلق عليهم "كتاب اشباح" وهؤلاء يكتبون للناس مقابل القليل من المال ، لقد وقعت عيناي مؤخراعلى كتاب عنوانه " والدي رجل عصابات" تتحدث فيه فتاة عن والدها وتصفه برجل عصابات وقاتل ولاتنفك عن نعته بالسافل ، فتاة أخرى تكتب عن والدها في كتاب اخرتصف فيه والدها الذي يعتبر رمزا من الرموز الوطنية في فرنسا كونه اول فرنسي يصل الى قمة جبل افرست، بالكذاب وانه قد قتل صديقه الذي كان يرافقه في هذه المهمة كي يصبح هو البطل الأول في هذا المضمار، وهؤلاء الأشخاص لا يترددون في نشر غسيلهم الوسخ أمام الملأ دون أن يأبهوا لشيء سوى للانتقام، أوالإساءة لشخص ما او الحصول على المال كما يقول الناس هنا .
وهنالك نوع آخر من الكتاب الذين يكتبون سيرتهم الذاتية للتعبير عن مشاعرهم او بالتالي الاعتراف بذنوبهم ، فالكتابة تريح ضميرهم من العذاب ويشعرون بالتالي بالراحة، كما هو الحال مع الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر الذي كتب سيرته الذاتية تحت عنوان "الكلمات" عن الأشخاص الذين أثروا على حياته وما الذي كان يظنه فيهم ، أعطاه راحة الضمير لما تبقى من حياته.
ولكن الأمر لا يقتصر على السيرة الذاتية بل تشير الاحصائيات الى ان 17 بالمائة من الفرنسيين لديهم كتاب أو هم بصدد الكتابة ، بغض النظر عن نوعه سواء كان رواية أم قصة أم شعر ..الخ، امر يقودنا الى السؤال التالي في فرنسا الجميع يكتب ولكن، من يقرأ ؟!، الامر في الحقيقة يبعث على التفاؤل فعند رؤية هذه النسبة نستطيع القول ان الشعب الفرنسي هو شعب مثقف ، والغالبية التي تكتب هي من النساء، ولكن القراءة تراجعت في ظل عصر التكنلوجيا والمعلوماتية ، وتشير الاحصائيات الى ان الفرنسي يقرأ نصف ساعة اقل في اليوم من السنوات السابقة ، ويعلل الفرنسيون ذلك بقولهم ان مشاهدة مسلسل او فيلم سينمائي او فيلم وثائقي اومتابعة الانترنت ليس اقل نبلا من القراءة.
1278 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع