زينب حفني
عادت المرأة إلى صدارة المشهد الإعلامي بكافة بلدان العالم مع ارتفاع المد الإسلامي المتطرف المهووس بكل ما يخصُّ شؤون المرأة! ولم تتوان هذه الجماعات عن استخدام وقائع بعينها جرت أيام الرسول، أو حديث له أخرجوه من سياقه، للنيل من كرامة المرأة واستعبادها واستغلالها جسديّاً.
وقد سمع الجميع ما جرى لفتيات كثيرات من اللائي غُرر بهن باسم الدين الإسلامي، وتم الزّج بهن في المعارك الجارية بسوريا عبر زواج المناكحة لجماعات داعش والنصرة وغيرهما.
منذ عدّة أشهر مضت، كتبتُ عن جماعة (بوكو حرام) الإسلاميّة المتطرفة، التي لا تختلف معتقداتها عن تفكير الجماعات المتشددة الأخرى! وعادت مؤخراً إلى واجهة الأحداث بعد تورطها فيما يزيد عن شهر بخطف ثلاثمائة فتاة نيجيريّة مسيحيّة من مدارسهن تحت جنح الظلام. وقد استطاعت حينها عدّة فتيات الهرب من قبضتهم ليحكين بالتفصيل قصّة اختطافهن المأساويّة.
زعيم الجماعة (أبو بكر شيكو) ظهر في شريط مصوّر، ليعلن عن اعتناق الفتيات المختطفات للإسلام. وظهرت صورة جماعيّة لهن في شريط مدّته 27 دقيقة، وهنَّ يرتدين اللونين الأسود والرمادي، اللذين كانا يُغطّيا أجسادهن من الرأس لأخمص القدمين، ويقمن بتلاوة الشهادة وقراءة آيات من القرآن الكريم، وبدونَ مستسلمات لقدرهن المخيف!
لم تتوقّع هذه الجماعة أن يُثير خطف الفتيات كل هذه الاحتجاجات، ويتم تدويل قضيتهن بتقديم دول كبرى خدماتها للعثور على الفتيات وفك أسرهن! وعاد زعيم الجماعة للظهور في شريط مصوّر جديد، يعرض فيه إمكانيّة مقايضة الفتيات بسجناء الحركة القابعين في السجون النيجيريّة، ويقول بلهجة تهديد إنَّ هؤلاء الفتيات سبايا، وسيتم بيعهن في الأسواق حسب الشريعة الإسلاميّة!
كل هذه الانتهاكات الصارخة صارت تجري باسم الشريعة! إنها قمّة الإهانة لديننا، ودعاية مجانيّة لمن يرغب في تشويه صورته والتأكيد على أنه دين يستعبد المرأة ويُعاملها كالرقيق، وأن الإسلام دين إرهاب بلا منازع! فهل هناك أيد مجهولة متورطة في الخفاء بخطف الفتيات من أجل المتاجرة بهن، أم أن الهدف ينحصر في رغبة الجماعة اعتناق الفتيات للدين الإسلامي؟ هل حادثة خطف الفتيات ستكون البداية للقضاء على الإرهاب كما أعلن الرئيس النيجيري؟
أعجبني مقال تمَّ نشره في صحيفة الإندبندنت البريطانية، ترى كاتبته بأن المقطع الذي ظهرت فيه الفتيات وهن يرتدين الأسود والرمادي، يؤكد على الأوضاع المزرية التي تعيش فيها المرأة بدول العالم الثالث الفقيرة، آملة أن لا تنتهي المشكلة عند إطلاق سراحهن وعودتهن إلى أهاليهن، وإنما يجب أن يتم تحريك قضية هضم حقوق المرأة، وتفعيل قوانين دوليّة تهدف إلى حماية المرأة من مثل هذه الجماعات التي تُعلّق تصرفاتها على شمّاعة الدين!
سيدة الولايات المتحدة الأميركيّة الأولى ميشيل أوباما، شغلتها هذه القضية وقادت بنفسها حملة التصعيد، مطالبة الجماعة بإطلاق سراح الفتيات دون قيد أو شرط. وانضمت لهذه الحملة منظمات حقوقيّة متخصصة تُنادي بوجوب حفظ حقوق المرأة، بالتضامن مع منظمات أخرى تُحارب العنف الجسدي والمتاجرة بالنساء التي تقوم بها جهات غير قانونيّة وتندرج جميعها تحت بند جرائم ضد الإنسانيّة.
قد لا يهتم البعض ويُردد بأن قضية الفتيات النيجيريات لا تقع على أراضينا العربية! لكن الحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع بأن هذه الجماعة لم تنشأ من فراغ، بل استمدت أفكارها من دعاة دين متطرفين ينظرون للمرأة على أنها خُلقت من أجل تلبية احتياجاتهم الذاتيّة!
إن الخوف يكمن في انتقال هذه العدوى الخطيرة إلى مجتمعاتنا العربية، التي أصبحت هشّة من الخارج بإمكان أي داعٍ متطرّف كسرها والعبث بعقلية شبابها، ولحظتها ستكون الطامة الكبرى!
1657 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع