مكارم ابراهيم
عقيق النوارس للاديب العراقي الدكتورلميس كاظم
اضاءة على رواية الاديب العراقي المغترب الدكتورلميس كاظم!
كثير من العراقيين تركو الوطن الام لاسباب مختلفة قسريا بالتسفير او اراديا هروبا من الاعتقالات والحروب والملاحقات ومنهم من عاد للعراق بعد سقوط الديكتاتور صدام حسين على يد القوات الامريكية عام 2003 ومن عاد منهم كبطل الرواية هاني كان حاملا معه احلاما وردية في بناء العراق الجديد الديمقراطي المدني ولم يتصور احدهم ان يكون هو بنفسه اداة لتخريب العراق الجديد ليعود من جديد الى منفاه خائبا فاشلا محطم الاحلام والامنيات ومنهم لم يعود لمنفاه ولم ينجو من المفخخات في شوارع العراق او الاختطاف هذا ماتناولته رواية الدكتور لميس كاظم والكثير باسلوب شيق للغاية وصور حية بحيث لاتستطيع ترك الكتاب من يديك ولن نكشف نهاية الرواية !
كل العالم بات يعرف قصة الشعب العراقي المشرد في جميع بقاء الارض على هذا الكوكب فمنهم من ترك العراق بارادته لينجو من النظام البعثي الفاشي او لانه رفض المشاركة في الحرب ضد ايران ورفض ان يقتل انسان برئ ومنهم من اجبر على مغادرة العراق تسفير قسري وتجميد كل املاكه كما حدث مع الاكراد الفيلية او كما لقبوا بالتبعية الايرانية رغم انه تم تسفير عائلات عربية غير ايرانية الاصل فقط لانهم تجار اغنياء ليستفيد نظام البعث من املاكهم في الماكينة الحربية ضد ايران عام 1980
رواية الدكتور لميس تسلط الضوء على قصة طفل اسمه هاني من مواليد بغداد منطقة البتاوين يهاجر مع اسرته والده انور ووالدته مليكة الى امريكا ويعود للعراق بعد مرور عقود بعد ان اصبح رجلا ذو منصب هام في امريكايعود لبغداد مع زميلة عراقية نوال عاشت مثله في امريكا تربطهم علاقة عميقة عمليا وعاطفيا كما تربطه علاقات ليلية ساخنة مع الكثيرات يعود للعراق حاملا معه حلم اعادة بناء العراق الجديد بعد سقوط الديكتاتور سمع قصص عن بغداد كعروس جميلة تزخم بالمهرجانات الثقافية والحب والشعراء ليعود الى بغداد ويراها جثة مشوهة ومقطعة الى اشلاء ويجد امامه بلد تتلون شوارعه بالجثث بلد تتسابق فيه الفتاوي لترفع عدد القتلى بلد ملتحف باللون الاسود حتى في النهار حتى نساؤه لكن هاني يستمتع بكل النساء هناك رغم انه في امريكا كان يرفض الارتباط باية امراة عراقية حسب ذوق والدته يعود هاني للعراق لبلد غاب عنه الجمال الا ان البطل هاني يعود محملا باحلام جديدة تصطدم بكوابيس بلد ترابه عجنت بدماء الابرياء الذين ينحرون يوميا باختلاف عن الاغنام التي تنحر فقط في الاعياد مرتين في العام ولكن اثارة النساء لهاني تجعله يعيش في تلك الارض الميتة
يمكن تلخيص شخصية البطل هاني بافضل صورة بمقولته التالية " لاني لم اترك نهدا الا وتسلقت مرتفعاته لم ار عنبة سوداء او عسلية ناهضة الا وقرصتها بين اسناني لم التق بلمى رطبة الا وتذوقت نعومتها لم ارى سيقانا سكرية الا وعصرتها بين افخاذي كان طعمهن مختلفا عن كل اللاتي تلذذت بهن من قبل لااعرف سر هذه المدينة التي سحرتني بجمال نسائها كان اجسادهن مخمرة بعذوبة ماء دجلة ومعتقة بخل تمرها ومحمصة بابتسامة البدر المنور ظله على شرفات المدينة
رواية لكنها اشبه بنص شعري بصور رومانسية رائعة لبطل الرواية الذي لايتعب من اللعب بالنساء يعيش كل يوم قصة رومانسية جديدة مع امراة جديدة.الجدير بالاشارة انه في امريكا رفض الزواج باي فتاة عراقية تقدمه امه اليه رفض الزواج التقليدي من عراقية ورغم زواجه من الفتاة الامريكية التي يحب الا انه يظل بين امراتين حتى عندما يعود للعراق يطير من زهرة لاخرى لايستقر على امراة واحدة فيلتحف كل ليلة بامراة مختلفة العراقيات في العراق يصبحن الهواء الذي يتنفسه هاني بعد ان كان يرفضهن في امريكا ضمن ايطار زواج شرعي حسب والدته.
رواية لكنها تتخلل المئات من قصص شهرزاد لتكشف الواقع العراقي مع دخول القوات الامريكية للعراق بحجة بناء العراق الجديد بعد اسقاط الديكتاتور صدام حسين الذي جثم على قلب الشعب العراقي عقود وزج شعبه في حروب لاطائل لها و حصار اقتصادي دفع ثمنه الفقراء وتتضمن الرواية روايات عديدة بصور شعرية عميقة لمعاناة العراقيين بعد الغزو الامريكي حيث الموت هو اغنية الصباح والمساء فالمفخخات لاتميز بين طفل وكهل واختطاف الابرياء مقابل فدية خيالية تنتهي بقتل الضحية ولاينسى الروائي الاديب الدكتور لميس ان يسلط الضوء على فضيحة الاعتداءات الجنسية على المعتقلين والمعتقلات العراقييات في سجن ابو غريب من خلال قصة احدى السجينات العراقيات ومحاولة فضح تلك الانتهاكات عالميا من خلال البطلة نوال التي عادت للعراق مع هاني والقوات الامريكية
لايمكن لاحد منا ان ينكر ازمة او فجوة اصطدام الحضارات عند الهجرة لدولة ثقافتها تختلف عن ثقافة الوطن الام فاما ان تندمج وتتاقلم بالثقافة الجديدة بشكل طبيعي وتتاقلم مع افراد البلد الجديد او تنفر من ثقافة البلد الجديد وتعاديه وردة الفعل تختلف من فرد لاخر احيانا تكون قاسية يدفع الثمن بكل الاحوال المغترب كانعزاله عن المجتمع وبقائه وحيدا وربما يصبح مدمن على الكحول او المخدارات والحشيش وربما يصبح مدمن على الادوية وربما ينتحر ويدور في مشاكل نفسية كثيرة وخاصة للذين في الاصل تركو الوطن الام بعد تعذيب في سجون المعتقليين السياسيين والملاحقات الامنية واذية اسرتهم وربما فقدوا احد افراد اسرتهم هذا المغترب الامه اكثر بكثير من المغترب الذي ترك وطنه بارادته ولم يكن معتقلا في السجون ولم يجبر على ترك اهله او حبيبته اوثروته او مبادئه وقيمه بل هجر وطنه بارادته .ربما يكون ثمن الاغتراب ايجابيا فيتغير المرء نحو الافضل باختلاطه بحضارة متقدمه لها قيم عالية مثالية تخلصه من رواسب ثقافته الرجعية وربما يكون ثمن الاغتراب سلبيا فيتحول المغترب المهاجر الى وحش كاسر مجرم مريض نفسي او مدمن كحول ومخدرات او ارهابي وينتهي للسجن او الانتحار الوحدة يضرب زوجته واطفاله يسرق ينصب يقتل .
في بداية رواية عقيق النوارس للاديب للدكتور لميس كاظم يسلط الضوء بشكل دقيق وذكي على الازمة الاجتماعية التي يعانيها الفرد العراقي مع اسرته وابنائه وخاصة اذا كان لديهم ابن وحيد في مجتمع امريكي بعيد عن ثقافة المجتمع العراقي ويتناول ازمة الاندماج مع ثقافة غربية في نفس الوقت مع رغبة الحفاظ على ثقافته الشرقية يصورها الدكتور لميس بدقة وجمال وكانها لعبة يمارسها المغترب العراقي للاندماج مع الحضارة الجديدة الغربية وفي نفس الوقت يحاول التثبت النفسي للحفاظ على عاداته الشرقية يصورها الدكترو لميس من خلال محاولات الام المتكررة بالضغط على الابن هاني للزواج من فتاة عراقية وليس الزواج من فتاة امريكية حتى لو كان الابن يحبها . فهل يتزوج الابن بامراة عراقية تحافظ على حياته وتفهمه ام يتزوج من امراة غربية من البلد التي ارتحل اليها واندمج مع ثقافتها انها لعبة معقدة لعبة الاندماج مع الثقافة الجديدة دون التخلي عن الثقافة العراقية الشرقية يصورها الاديب الدكتور لميس كاظم بجمالية شاعرية بوصف علاقة البطل هاني وتمزقه بين امراتين امريكيتين مختلفتي في الشخصية احداهن تتصف بالجدية المحافظة تريسا والثانية الفاتنة اللعوب التي تعرف كيف تثير جنون الرجل وتجره زاحفا الى سرير الحب التمرجح بين امراتين فتمرجحه بين امراتين كتمرجحه بين حضارتين الثقافة العراقية والثقافة الامريكية فاللعب بين امراتين واحدة تحترم العادات والتقاليد كما تصور له والدته العادات العراقية وتحاول اقناعه بالزواج بامراة عراقية ملتزمة اما المراة الاخرى تمزق كل تقاليد المحافظين وتبعثرها على سرير الحب.ربما هذه حال العديد من الاسر العربية التي تهاجر للغربفيعيش الابناء بين شخصيتين متذببتين تربية عربية ملتزمة وتربية غربية فيصبح الطفل ثنائي الشخصية
يستخدم الاديب الدكتور لميس كاظم شخصيات في الاصل هم ولادة العراق ولكن يهاجرون مع اسرهم الى امريكا ويكبرون هناك في حضارة وثقافة غربية ثم يعودوا للعراق مع القوات الامريكية ويعملون مع القوات الامريكية على اساس خبرتهم بالثقافة واللغة العراقية وحلمهم باعادة بناء العراق الجديد بعد اندثار الديكتاتور لكنهم يصطدمون بالموت الذي يلاحق الجميع ليخسروا اعز الناس وتخنق احلامهم الوردية ومن تلك الكوابيس التي يصطدمون بها كسرقة اثار متاحف العراق امام اعين الجيش الامريكي وكابوس صكوك الغفران التي يقدمها الامريكان للضحايا العراقيين وهي عبارة عن شيك تعويضات مالية في حالة القتل الخطا
الرواية تزخر بصور حية لدرجة انني عند وصولي للصفحة 316 اجهشت في البكاء ولم اقوى على ايقاف دموعي وكانني ارى المشهد امامي عند اجتماع الاخوة في المستشفى لرؤية جثة اخيهم محمود للمرة الاخيرة
في الختام اتمنى ان تترجم رواية عقيق النوارس الى اللغة الدنماركية والانكليزية والى لغات مختلفة وتصور سينمائيا لانها توثق معاناة الشعب العراقي بعد الغزو الامريكي وتفضح الواقع العراقي الذي يغوص يوم بعد اخر في مستنقع الموت والظلام
ختاما تحياتي الخالصة للاديب الدكتور لميس لانه سمح لي ان اترك واقعي المترف لايام واعيش واقع العراقيين الماساوي ولاانسى الصور الرومانسية الساخنة التي تحملنا من عالم الروتين الممل الى عالم شهرزاد الخيالي
مكارم ابراهيم
1247 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع