علي السوداني
ليست هذه نبوءة ، ولستُ أنا بمتنبىء ، إنما هي أُمنية انفلتتْ الليلة من دفتر الكرة ، بعد أن تطيّن دفتر السياسة بكلِّ ما هو مخجلٌ ودونيّ من سقط الكلام ومن دكة المزاد وما ترك الغزاة الأوغاد .
بباب الطفولة الرحيم ، كنّا نلعبها وندعبلها حتى لو كانت جاروباً محشوّاً بقطنٍ أو قشٍّ أو بعشرة جواريب مثقوبات من جهة إبهام الرجْل ، بسببٍ من نموّ الظفر خارج بيت اللحم بنصف شبر . كان الفتى الذي يمتلك كرةً جديدةً مشتراة من أوروزدي باك ، كنيتها طوبة كريكر وأصلها من بلاد الأفرنجة وسعرها يشبه كثيراً منظر جيب الأب على عتبة العشرة المتأخرات من رمضان ، كان هو من بيده الملك والعصمة وتوزيع الأدوار . بمقدوره أن يزرعك بمنصب رأس الحربة ، أو يغيظك بموقع حارس المرمى ، أو يشمرك خلف الهدف تركض وراء الكرة الخارجة كما لو أنك كلب غولف . من أجل الفوز المبين ، كنّا نفضّل أن يكون حارس مرمانا من الفتيان المدشدشين ، حيث تلعب الدشداشة هنا دوراً جوهرياً في تبييض الوجه وعدم تصيير الساقين جسراً غادراً لولوج الكرات . صاحب الطوبة النحس ، هو اللاعب وهو الحَكَم وهو من يفتي بحلال الهدف ، والرمية والغلط ونهاية اللعبة .
من اللحظات المميتة أيّامها ، هو ذلك النداء القاسي الذي يتغنوج على حنجرة أُم الولد المدلل :
علّوكي ماما ، كافي لعبْ ، الدنيا ظلّمتْ . هنا تنتهي اللعبة غالباً بخمس حسرات مقابل حسرة واحدة قد يحسبها الولد الحقير بباب التسلّل .
ثمة برنامج ثلاثائيّ مشهور اسمه " ألرياضة في أسبوع " وصانعه الوجه البديع مؤيد البدري ، تضبط الناس من سكنة بلاد ما بين القهرين ، ساعاتها البايولوجية على دقّات قلبه وموسيقاه المذهلة حلّاق أشبيلية . ألناس بأوّلها وتاليها تحبّ أخبار وشرائط كرة القدم ، وكان مؤيد أبو زيدون يشيل على راحته أنباء ورسوم الكرة ويطشّها مثل خلالات الجائع ، وإذ تنفد أخبار المدورة الساحرة ، فإنّ نصف النظارة سينفضّون من حول التلفزيون ، وجلّ ما سيتبقى سينطرون مناظر منتظرة من جمناستك النسوان ، توطئةً لليلةٍ عاطرة بالحبّ وبالحنان .
جمهور برنامج الرياضة في اسبوع ، كان أعظم من جمهور برنامج العلمُ للجميع ، حيث الأكثرية المريحة من الرعية ، ما كانت تفضّل تمطيقات كامل الدباغ الطيبة ، ونبأ اكتشاف بروتين اللحم من ضلع الذهب الأسود ، لكنَّ ساعة المدوزن مالك الصوت الحلو مؤيد البدريّ ستكون مملةً وبطيئة عند مجانين الكرة ، وهي تشبه كثيراً ما تبقى من فلم الرسالة القويّ الجميل ، بعد واقعة مقتل عبد الله غيث عمّ النبيّ . شكراً .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن
1216 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع