هيفاء زنكنة
بعد ساعات من اعلان نهاية التصويت في الانتخابات العراقية، بدأ ساسة العملية السياسية التي شرعها الإحتلال، اعلان فوزهم.
بعضهم اعلنه واقفا على منصة المزاد السياسي العلني، وبعضهم من كرسي لامثيل له بضخامته ولونه الذهبي. المقابلات التلفزيونية حافلة بالوعود. فالحكومة الجديدة ستكون: نزيهة، حكومة اغلبية، شراكة وطنية، شراكة حقيقية، شراكة وطنية قوية وحقيقية، وحكومة مصالحة وطنية . كلها تعمل ‘بوطنية’ من اجل الوطن والمواطن. مفردة ‘الوطنية يلوكونها كالعلكة، وكل الائتلافات الرئيسية تحمل اما صفة المواطن او الوطن او الوطنية. وكما حدث مرارا فمصير هذه المفردات هو الرمي باقرب سلة مهملات حين يلتقون، بعيدا عن الاضواء، للاقتتال والتساوم على المناصب لكتلهم واتباع زعامتهم الطائفية والإثنية، أي بعيدا عن الوطنية التي ترفض هذه التقسيمات المزيفة. وبعد تقاسم مناصب رؤساء مجلس النواب، والوزراء، الجمهورية والوزارات السيادية يأتي دور مدراء الاقسام. إنها ‘الإستحقاقات’.
بعيدا عن المنصات والاستديوهات حيث تتم اعادة تدوير وجوه الساسة ذاتها، يبقى البلد في حالة حرب. قد تستخدم لوصف حالة الحرب هذه مفردات ناعمة مقتبسة من قاموس الامم المتحدة، على غرار ‘عنف’ و’نزاع′ و’تمرد’، وخصوصا ‘ارهاب’، لكن الحقيقة هي ان العراق في حالة حرب مسكوت عنها وحملة انتقام وتصفيات يتم التعمية عليها باجهزة اعلام تضليلية، ولا تتسرب اخبارها الا بشكل غير مباشر. والا فما توصيف عناوين الصحافة الرسمية على غرار: ‘المروحيات تقصف اماكن الارهابيين بالفلوجة’، ‘اشتباكات بين ارهابيين من تنظيم داعش وقوة من الجيش العراقي وسط قضاء بلد جنوب تكريت’، ‘مقتل 100 من داعش وتحرير ثلاث مناطق جنوبي الفلوجة’، و’اعتقال عشرات المطلوبين بتهمة الارهاب جنوب الموصل’؟ ناهيك عن التقاريرالحقوقية المحلية والدولية؟
كيف نفسر حال بلد يحاصر فيه المواطن فعليا واعلاميا، يروعه المسلحون والارهابيين والقاعدة وداعش وغيرها، ويتهم بالارهاب حالما يتظاهر او يعتصم او يطالب بحقوقه، ليقع ضحية عمليات عسكرية لا يعلن الا عن بعضها او حين لا تسفر عن خسائر حكومية فادحة؟
ما هذه الحكومة التي تعلن النصر تلو النصر منذ هجومها الاول على المعتصمين في محافظة الانبار في 21 كانون الأول/ديسمبر 2013، ثم تهاجم المدن وتقتل المدنيين قصفا لتعلن النصر من جديد يليه شن عملية عسكرية اخرى تختمها باعلان النصر للمرة العاشرة ؟ فعن أي نصر يتحدثون؟
ما هذه الحكومة التي تستخدم في هجومها على السكان، ما تستخدمه الجيوش الجرارة في حربها مع جيوش بلدان اخرى ، من قوات هي وحسب البيانات الرسمية المعلنة ‘قوة مشتركة من قيادة القوات البرية، فرقة التدخل السريع الاولى، وجهاز مكافحة الارهاب، وطيران الجيش، واللواء المدرع 36، قوات النخبة، القوات المشتركة والأجهزة الساندة لها، الفرقة الثامنة قاطع عمليات الانبار المحور الاول’؟
وهل هي ‘داعش’ أم انها الحرب على الشعب المنتفض ضد الظلم والطائفية والفساد، بحجة محاربة الارهاب، القاعدة، داعش او اية تسمية تقتضيها التغطية الاعلامية لابادة سكان المناطق المنتفضة؟ ماهذه الداعش التي تقتضي كل هذه العمليات والفرق العسكرية واستجداء الاسلحة، بالمليارات، وتدريب القوات والفرق الخاصة سواء من امريكا أوغيرها، وهي تفعل ذلك بفخر، متباهية بقوة سادتها؟ عن العلاقة الامريكية مع نظام المالكي، تجدر الاشارة الى قيام مكتب المالكي بتوزيع ونشر (11 ايار/مايو الحالي) خبر عن زيارة قائد القوات الأمريكية المركزية الجنرال لويد اوستن، والسفير الأمريكي ببغداد روبرت بيكروفت للمالكي. يصاحب الخبر صورة تظهر المالكي مبتسما، متباهيا، برميه البراميل المتفجرة على ابناء الشعب.كما يتباهى قائلا: ‘ان القوات العراقية وجهت ضربات قاصمة للإرهابيين من القاعدة وداعش ومن يتعاون معهم، وستبقى تلاحقهم حتى القضاء عليهم وتخليص العراق سيما محافظة الأنبار من أعمالهم الإجرامية’. فطمأنة الجنرال اوستن حول ‘استمرار التعاون بين البلدين واستعداد الولايات المتحدة الامريكية لدعم الجيش العراقي تسليحا وتدريبا’، وقال ‘ان المعركة ضد الارهاب مشتركة ولا بد من استئصال هذه الجماعات لأنها تشكل خطرا ليس على العراق فحسب بل على المنطقة برمتها، وأشاد بالخطة المتبعة لتحرير مدينة الفلوجة’.
وفي الوقت الذي لا شك فيه بان مباهاة المالكي نابعة من رغبته بتقليد سادته، مهما كانت همجيتهم كغزاة، الا ان ما يستدعى الانتباه هو انني لم اعثر للخبر، على اية تغطية في الوكالات الاجنبية او وزارة الدفاع الامريكية لتأكيد التصريح المالكي الصيغة، خاصة وان الجنرال أوستن، كان قد صرح في 6 آذار/مارس 2014 ( موقع البنتاغون)، بموقف مناقض، قائلا : ‘ان السبب الرئيسي لعدم الاستقرار المتزايد في العراق هو افتقار الحكومة بقيادتها الشيعية للإصلاح ذي المعنى واقصائها الاقلية السنية والاكراد’.
ستستمر إذن حرب الابادة بالمباركة الأمريكية والإيرانية لـ ‘الخطة المتبعة لتحرير مدينة الفلوجة’ لأنها ضرورية للنظام الطائفي في صراعه مع بقية ‘شركاء العملية السياسية’ حول السلطة ولتغطية تفشي الفساد والفشل الكلي.
ومنذ أيام، أضاف المالكي الى الآلة العسكرية الضخمة مسؤول استخبارات مكتبه للاشراف عليها. كما ‘اوعز بتعزيز الدعم اللوجستي والعسكري لقائد عمليات بابل الجديد وارسال خمسة افواج وتجهيز 50 همر عسكرية واكثر من 70 احادية وتجهيز لشرطة الطوارئ والمحلية بـ 13 سيارة مدرعة!’ .
والنتيجة؟ تصريحات متناقضة كالمعتاد. فرئيس جهاز مكافحة الإرهاب يعلن تنظيف مدينة الرمادي باستثناء بعض الجيوب المتفرقة. أما رئيس اللجنة الامنية لمناطق الوسط والجنوب فيبشرنا بان ‘ العملية العسكرية الواسعة سوف تستمر 10 ايام ولن تسمح لأي طائر بالخروج’. فموجة إعلانات النصر الجديدة تشير الى حسم المعركة مع ‘الارهاب’ يوم 17 من الشهر الحالي، بالتحديد. اي يومها ستنتهي التفجيرات الارهابية، ويبدأ النازحون والمهجرون العودة الى بيوتهم، وترفع نقاط التفتيش والحواجز الكونكريتية، ويتوفر الماء الصالح للشرب والدواء والكهرباء، وتنظف المدن من بقايا اليورانيوم المنضب، وتستخدم عائدات النفط الهائلة لتوفير فرص العمل للمواطنين ورفاهيتهم، وسيسود السلام والوئام بين ابناء الامة جمعاء. ونبشر المولعين بحقوق الانسان، بانه سيتم اطلاق سراح جميع المعتقلين البالغ عددهم عشرات الآلاف، وبينهم الـ 1384 الذين أعتقلو خلال شهر نيسان/ابريل، وحده، حسب قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين المعتمدة على الأرقام المعلنة.
أما ذوو القتلى من كل العراقيين، فيتساءلون حين يدفنون قتلاهم بصمت يقطر دما: ترى اي نوع من الحكومات كانوا سيختارون؟
1556 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع