حظ أمحيسن ! مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات ولغاية أحتلال بغداد في9/نيسان2003
الحلقة الثالثة والعشرين
تعرض "أمحيسن", لمتاعب عديدة خلال عمله في ليبيا في التسعينيات جعلته أكثر إيماناً من أي وقت مضى بضرورة البحث عن عمل بديل في أي جامعة أخرى أو الهجرة الى أمريكا أو أوربا , لأن الأوضاع في العراق ما زالت عـسيرة,.. وتسير من سيئ إلى أســوإ , ولا أمل في الانفراج ,.. وأضافة الى ذلك, فهو الآن في شتاء العمر،.., وقد تسربت الإشاعات بالأستغناء عن أي أستاذ جامعي جاوز السن القانونية للتقاعد,..والحليم تكفيه الأشارة !
ولذا قدم في شهر نيسان (أبريل) 1999 استقالته من الجامعة .., وبدأ يستعد لإتمام معاملة الخروج النهائي المزعجة,.. حيث يطلبون من العضو المستقيل تقديم براءة ذمة من ثلاثين مؤسسة حكومية , حتى ولو لم تكن له معها أية علاقة , مثال ذلك أدارة المواصلات لأثبات تسديد الديون المتراكمة عليه من أستعماله للتلفون , بالرغم من عدم حصول أي دكتور مغترب في الجامعة على تلفون !, وهكذا أصبح "أمحيسن" جاهزاً لمغادرة ليبيا , ولم يخطر بباله رفض الجامعة الليبية دعوته للعودة للعمل بها مرة أخرى في حالة عدم حصوله على التأشيرة (الفيزة), إلى أمريكا ، ولم يعيروا أهمية لخدمته الجامعية فيها لأكثر من ســتة عشـرة سنة !
في 29/10/1999 توجه " أمحيسن " إلى تونس باحثاً عن عمل , وبناءً على نصيحة زميل له توجه الى عاصمة الجنوب صفاقس , حيث بدأ التعريب فيها,.. وما أن دخل قسم الكيمياء حتى تعرف بالصدفة على دكتور تونسي مختص بالكيمياء, وإطلعه على وثائقه, و وعـده بتقديم المساعدة , بعد عرض الموضوع على العمادة .
استقر "أمحيسن" تلك الليلة وتعرف على سيدة تونسية في الفندق جاءت لصفاقس للمشاركة في مؤتمرعلمي, ورحبت به لكونه عراقي , وأبدت عطفها مع شعب العراق ,وسـر بعطفها, ثم خرجا معاً للنزهة,.. وهكذا ولأول مرة ضحكت له الدنيا, ووافقت على تكراراللقاء، إلا أنها لم تف بوعدها, وانفعل " أمحيسن" لاعناً حظه الذي ما كاد أن ينهض ليوم واحد,حتى يهوي !
وفي صباح اليوم التالي , أتصل به رئيس قسم الكيمياء بكلية علوم صفاقس وأعلمه بالموافقة على تعيينه بمعيتهم , بكلية العلوم بجامعة الجنوب في مدينة صفاقس, وبعد ثلاثة أيام تمكن من الحصول على سكن بسيط يسمى "ستوديو", وهو يشبه "المشتمل" في العراق .
بدأ "أمحيسن" يشعر بالأستقرار بعض الشيئ ,..وفي 14/6/2000، قاده الحظ ليصطدم بمطب جديد, عندما وقع نظره على أمرأة أنيقة في مقتبل العمر,.. وآمن بأن قدره بدأ يدفعه بطريق مظلم جديد أو قل قصة " الشيخ غيرالمراهق " !
وعلى أية حال,.. فقد أخذت هذه العلاقة تتطور يوماً بعد يوم وصار"أمحيسن" مؤمناً بأن هذا الطريق سـوف يقوده الى أرتباط وثيق بتلك الفتاة,.. فقد سلبت عواطفه وأبعدته عن مشاكله وجروحه السابقة ،.. وهكذا ودع "أمحيسن" فترة قلق من نوع خاص, ليبدأ قصة اعجاب من طرف واحد, على يَـد هذه الفتاة المبهمة, فنسى نفسه وسرح بحلم اليقظة مع الصوت الملائكي,
لأم كلثوم وهو يشاركها الآهات ويردد معها ســيرة الحب بصمت وألم لا يحس به الا من أكتوى بنار الحب ,..:
طول عمري بخاف م الحب وسيرة الحب
وظلم الحب لكل أصحابه
وأعرف حكايات مليانة أهات ودموع وأنين
والعاشقين دابوا ما تابوا,... دابوا ماتابوا
طول عمري بقول لا أنا قد الشوق وليالي
الشوق ,.. ولا قلبي قد عذابه عذابه
وقابلتك إنت لقيتك بتغير كل حياتي
معرفش ازاي حبيتك معرفش ازاي يا حياتي؟
من همسة حب لقيتني بحب وأدوب في الحب
وصبح وليل علي بابه!
فات من عمري سنين وسنين شفت كتير وقليل عاشقين
اللي بيشكي حاله لحاله واللي بيبكي على مواله
أهل الحب صحيح مساكين صحيح مساكين
يا ما الحب نده على قلبي مردش أي جواب
ياما الشوق حاول يحايلني وأقول له روح يا عذاب
يا ما عيون شغلوني لكن ولا شغلوني
الا عيونك انت دول بس اللي خدوني وبحبك أمروني
أمروني أحب لقتني بحب وأدوب في الحب,...
وصبح وليل على بابه
يا اللي ظلمتو الحب وقلتوا عليه مش عارف إيه؟
العيب فيكوا يا في حبايبكوا
أما الحب أما الحب يا روحي عليه
في الدنيا مفيش أبداً أبداً أحلى من الحب
نزعل نغضب نشتكى منه لكن بنحب
يا سلام على القلب وتنهيدة في خصام وفراق
وشموع الشوق لما يقيدوا ليل المشتاق
يا سلام على الدنيا وحلوتها في عين العشاق
يا سلام يا سلام على بهجتها يا سلام يا سلام!
في تلك الحقبة ,صـعدَ " أمحيسن عتبة شتاء العمر ، ولا يدري أن كانت هذه العتبة قادرة على الصمود, حتى يسـتناد عليها ليتسـلق العتبة التالية، أم أنها ستنهار في لحظة ما, وعلى أية حال يعيش "أمحيسن" الآن كشيخ مفعم بهموم الزمن, بعد أن ولى الشباب!
أستقر" أمحيسن " في بلد تطبع لحد ما بحضارة غربية ، فشعر بانتعاش أحاسيس الصبا المطمورة , ونمت تلك الأحاسيس كزهرة في شتاء العمركشجرة الصبيرفي الصحراء !
لم يتعض " أمحيسن " من المطبات التي واجهته,.. وكان دائماً يسبح ضد التيار لكي يدرك الحقيقة ,.. وما أن يصل إلى شاطئ الأمان، حتى ينهكه التعب وتنهار صحته فيستسلم للواقع! ,وهكذا تراكمت عليه الهموم وجفت عواطفه لأسباب عديدة، يعزيها هو لحياة الوحدة بعد فراق زوجته وعائلته لفترة تجاوزت الثلاث سنوات,.. إضافة إلى نظرة المجتمع السيئة الى كل من يعاشر امرأة كصديقة !,..ولذا انطوى " أمحيسن " على نفسه وأصيب غرائزه بسـبات , وصار يتخوف من أية امرأة ، وعاش وحيداً يصارع مباهج الحياة,فقد مزقته قوانين الحلال والحرام , وما أن هدأت عواطفه,.. وآمن بالأمرالواقع حتى قاده القدر ليقع في هذا المطب الجديد!
سار "أمحيسن" منزوع الوعي والإرادة مع أمرأة أثارته بجسدها المتكامل الأوصاف وسحرِ عيونها وعذوبة منطقها وابتسامتها,.. عندما شاهدها وهي تشتري مجلة من مكتبة على قارعة االطريق ، واستمتع بتلك اللحظات السعيدة وهو يسترق السمع بذهنية الشيخ المراهق , عندما وقف خلفها يراقب نهاية حديثها مع البائع، وما أن انتهت حتى تقدم واشترى جريدة ولحق بها فأدركها,.. وفوراً لمته على تصرفه الصبياني فقال لي : مهلاً لا تحكم على بأحكام جائرة حيث أنني لم أر الفتاة بعيني بل أحسست بها, لأن الجمال شُعاع غيرمرئي!
لا أريد أن اسبب ألماً لشخص قد يلمس صدقاً في سـرد ما عاناه "أمحيسن" من متاعب عندما سار خلف تلك المخلوقة التي حسبها " الهناء ", بالرغم من أن حدسـه لا يخيب, فقد حدس بأن ما رآه كان سراباً ، ودفع ما تبقى من عمره ثمناً باهضاً لذلك "الهناء" المزيف,.. وسار خلف عواطفه من سيئ إلى أسوإ، واثقاً من كسب الرهان فخسر كل شيء واكتسب الذكريات ليقدمها كعِظَّةً لمن يتعظ بأخطاء الآخرين قبل فوات الأوان، طالباً من كل فاشل بالحياة أن يتعامل مع الواقع مهما كانت قسوته !
ولذا شَّـنَ "أمحيسن" الحرب على التردد أو قل صار متهوراً، فبعد اليأس من العثور على إنسانة تقدر مركزه الاجتماعي بعيداً عن الغرائز الجنسية, وضع الحظ أمامه أنسانة تمكن من إلقاء التحية عليها بصورة عفوية ، ونظرت نحوه بتعجب؟,.. ولم ترد تحيته ، إلا أنها ابتسمت له وسألته عن هويته عندما سمعت لهجته المخالفة للهجتها، فأجابها "أمحيسن" ..عراقي أنا ، فسُّرت وعلا وجهها بعض الاستغراب المشبع بالرضا، فابتسم "أمحيسن" لتلك النتيجة وهو لم يصدق بقدرته على ترويض تلك اللبؤة, فهدأ قليلاً وسار بجانبها وكأنهما خلان منذ زمان !,
ثم قادته ليكملا حديثهما في مقهى على قارعة الطريق وبدأ الحوار بينهما بكل أدب وحشمة وأسمعها عبارات تفصح عن عواطفه الجياشة، فشكرته بلهجتها وقالت له "يِعَيّشكْ"!
ولسان حاله كتبه الشاعر اللبناني بشارة الخوري (الأخطل الصغير) :
حسناء ، أي فتى رأت تصد
قتلى الهوى فيها بلا عدد
بصرت به رث الثياب ، بلا
مأوى بلا أهل بلا بلد
فتخيرته ، وكان شافعه
لطف الغزال وقوة الأسد
ورأى الفتى الآمال باسمة
في وجهها ، لفؤاده الكمد
والمال ملء يديه ، ينفقه
متشفياً إنفاق ذي حرد
ظمآن والأهواء جارية
كالسلسبيل ، متى يرد يرد
روض من اللذات ، طيبة
أثماره ، خلو من الرصد
يتبع في الحلقة / 24
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثانية والعشرين:
http://www.algardenia.com/maqalat/10117-2014-04-28-17-25-31.html
959 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع