بناء العقل الإصلاحي أم بناء دولة؟

                                             

                            د.سامان سوراني

من مميزات العقل الإنساني الوحدة والترابط والقدرة على التعبير ، أما المعرفة الإنسانية ، التي لاتستطيع الإستغناء عن العقل فهي ثمرة ونتاج العقل الإنساني ، الذي ينمو كما تنمو سائر المخلوقات الحية وتتشكل كما تتشكل تبعاً للمواقف والاتجاهات والثقافات.

يتصف العقل بالعملية والتجريبية ويستطيع القيام بدور الإشراف علی ماهو نظري وما هو عملي ، فبدونه لا يستطيع الإنسان إدراك التجربة والاستفادة منها واستغلالها لتقدم الأفكار والعلوم معاً. والإنسان کائن متكامل لايمكن فصل أجزاءه.
العقلانية الحديثة لايعني فقط  كما كان عند الفيلسوف اليوناني أرسطو ( 384 ق.م - 322 ق.م ) الايمان بالعقل وبقدرة الانسان على استجلاء ما خفي من اسرار الطبيعة بل هي الإيمان بمطابقة مبادئ العقل مع القوانين  الطبيعة والاقتناع بقدرة العقل على بناء منظومات تتسع لتشمل مختلف الظواهر ، وهذا يعني الإيمان بكفاية العقل واستقلال مرجعيته، واستبعاد الوحي من دائرة البحث العلمي والتفكير العلمي المنضبط.
فمن الواضح بأن العقل الإصلاحي يقوم بتحليل الوقائع في ظل مٶسسة مستقلة ترجع الی الماضي كوسيلة لا كهدف وتثبت الحاضر لتسبق نحو المستقبل ، بعيداً عن التكرار والتجميع أو الإعتماد علی منهج المعني بالغيبيات والمقدسات ، التي هي ليست موضوعات.
لقد لقد آن الاوان أن نترجل من عرجاء السلاحف التي تسمى بالإصلاح ، فلا يمكن الأصلاح والتجديد إلا بالفكر ، والمجتمع الذي يريد العيش في القرن الواحد والعشرين ليواكب العصر علیه أن يملك مؤسسة فكرية فلسفية. أما إذا أردنا تقليد مجتمعات خاملة لا تعرف سوى السلطتين الدينية والسياسية المتحالفتين فمآلنا المراوحة في الربع الخالي.
نحن نعرف بأن عملية الإصلاح كمفهوم حضاري لا يتمكن من قلع الفساد من جذوره ، لأن الإصلاح هو التعامل مع واقع يعتریه بعض القصور ، لا واقع قائم بالأساس علی القصور. الإصلاح هو مشروع لتعمير هياكل البنية التحتية للشخصية الاجتماعية الممزقة ، وترميم منظومات الوعي الاجتماعي المخترقة ، وحرث التصورات المنمطة وتغيير القناعات المتكلسة حول وقائع السياسة وحقائق التاريخ وعلاقات الاجتماع وتحولات الثقافة وبنوك الذاكرة وتوطين فكرة القبول بالاختلاف والرضا بالتنوع و تعميم مبادئ العقلنة وتسييد قيم المواطنة.
إن ثقافة تمرير الإيديولوجيات التي تعزف نغمة التفرد في كل شيء قائمة وتنشر في الدين سياسة التصادم بدلاً عن التراحم وفي التربية نظرية الإنكفاء بدلاً عن الإرتقاء ، هي سعي لإحياء الوجه الرابع لثالوث الكاهن والسياسي والتاجر ، هذا الوجه الذي يدفعنا جميعاً للمساهمة في إنتاج أزماتنا المستمرة وصناعة كوارثنا الغير منقطعة ، لنضع بواسطته العقل الإنساني في زنزانة التاريخ.
تجارب البلدان المتقدمة علمياً و صناعياً وبالأخص بلدان أوروبا الغربية تٶکد لنا فشل الهيمنة النصية للمؤسسات سواء كانت مٶسسات الأيديولوجية الدينية أم الوضعية.
الحل هو بناء نمط فكري تحليلي وإعادة النظر في التعليم الأساسي للمجتمع. أما الإصلاح فهي بحاجة إلى حوامل ونحن نخاف أن نستخدم حوامل جديدة ولانزال نستخدم الحوامل القديمة. إذن المشكلة كما قال الروائي العالمي وليم شكسبير في مسرحيته يوليوس ‌قيصر ، ليست في النجوم بل في انفسنا وفي تعاملنا مع بعضنا البعض. نحن إذن في أمسّ الحاجة لأن نتعلّم كيف نتحاور، وأن نتعلّم فن الإصغاء للغير إن كنّا بالفعل نبحث عن ذواتنا في أنفسنا. فالعقل كما يصفه الشاعر والعالم الإنجليزي ، صاحب ملحمة "الفردوس المفقود" جون میلتون (١٦٠٨-١٦٧٤) ، قادر على أن يصنع من الجحيم نعيماً ويصنع من النعيم جحيما.
وختاماً يقول الكبير مهاتما غاندي: "فلسفة الحياة ترى أن الغاية والوسائل حدود وعكوس... وإن قيمة الغاية هي قيمة الوسائل ، والوسائل كالبذور والغاية كالشجرة والمرء انما يحصد ما زرع ، ولذا فإننا إذا انتبهنا إلى الوسائل وثقنا من بلوغ الغايات".
الدكتور سامان سوراني

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1224 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع