د .أكرم المشهداني
يثار جدل، ليس في العراق وحده، بل في مختلف دول العالم، بشأن حق العسكريين في المشاركة بالانتخابات، كما تعدّدت مواقف القوانين الانتخابية في العالم بشأن المسألة: فهناك دول تحظر مشاركة العسكريين فى التصويت فى الانتخابات، ودول أخرى تسمح بذلك. والمسألة تتعلق بالخبرة السياسية وحالة الاستقرار لا أكثر ولا أقل.
ومن حيث الترشح للانتخاب فتكاد تجمع نظم الانتخاب العالمية على وجوب استقالة العسكري من وظيفته قبل ان يترشح لخوض غمار الانتخابات ولا يجوز بقاء العسكري برتبته بعد الترشح.
أما موضوع اشتراك العسكريين (جيش وشرطة) في الادلاء بأصواتهم في الانتخابات سواء البلدية أم النيابية، فهناك دول سمحت لهم التصويت في انتخابات المجالس المحلية او البلدية، ولكنها منعتهم من التصويت في الانتخابات السياسية (التشريعية او النيابية)، بإعتبار ان المجلس المحلي شأن محلي والعسكري مثل أي مواطن آخر في إطار محافظته أو ولايته له الحق في اختيار من يمثله في ادارة الشؤون البلدية لمحافظته او مقاطعته.
الدول التي حرمت على العسكريين الاشتراك في التصويت للانتخابات ومنها (دول أمريكا اللاتينية كالبرازيل والارجنتين والأكوادور، وكذلك تركيا والكونغو وأندونيسيا، ومصر وقطر والكويت ودول عربية اخرى وغيرها) المسألة برمتها تتصل بالخبرة الخاصة بكل دولة، والعلاقات المدنية ــ العسكرية بها. والحجة التي تستند اليها تلك النظم هي الخشية على القوات المسلحة من التحزب او الإنخراط والتورط في الصراعات الحزبية. ولكي تحافظ القوات المسلحة على حياديتها وبعدها عن الحزبية المقيتة.
أما الدول التي تسمح بتصويت العسكريين فى الانتخابات مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا والمملكة المتحدة والسويد، يضاف إليهم إسرائيل وجمهورية التشيك ونيوزيلندا والعراق وغيرهم. وتنظم قوانين هذه الدول طريقة تصويت العسكريين فى الانتخابات عبر ترتيبات خاصة تناسب طبيعة عملهم، ومدى ارتباطهم بالدوائر الانتخابية التى كانوا بها قبل التحاقهم بالخدمة العسكرية.
في مصر نتذكر كيف أن اللجنة التشريعية بمجلس الشورى قبل فترة قررت إرجاء ممارسة أفراد القوات المسلحة في التصويت بالانتخابات، وأجلته حتى عام 2020، حيث كان القرار الذي اتخذته المحكمة الدستورية بتصويت العسكريين في الانتخابات قد أثار لغطاً وجدلاً كبيراً لما له من آثار على الأمن القومي المصري ولكن قيادات القوات المسلحة طلبت تأجيل عملية تصويت أعضاء القوات المسلحة حتى سنة 2020 لاعتبارات عسكرية وحرصاً على استقرار الوطن حيث إن التأجيل يهدف إلى الحفاظ على الأمن القومي ويعد هذا القرار ليس تأجيلاً لحكم المحكمة الدستورية التي اعطتهم الحق في التصويت، لأن هذا القرار ملزم وواجب التنفيذ وهو لا يقبل الالتفاف حول أحكام الدستورية ولكن تجب مراعاة اعتبارات الأمن القومي عند تنفيذ الأحكام وهو ما رحبت به كل القوى السياسية وجاء في الصالح العام من وجهة نظرها.
الفقيه الدستورى الدكتور رجب عبدالكريم أستاذ القانون العام يرى أن حكم المحكمة الدستورية بأحقية رجال الجيش والشرطة فى ممارسة الحق السياسى فى الانتخاب أمر خطير للغاية، وينذر بكارثة سياسية معرباً عن تخوفه من أنه قد يؤدى إلى استقطاب واضح داخل المؤسسات العسكرية من قبل الأحزاب، مما يؤثر سلباً على الحياة الديمقراطية بمصر
اما بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، فيرى إن مشاركة ضباط ومجندي القوات المسلحة في الانتخابات «سيثير الشكوك حول وضع القوات المسلحة»، مؤكداً أن كل دولة تختلف عن غيرها في مسألة تصويت القوات المسلحة في الانتخابات، ونحن في مصر تأقلمنا على ابتعاد القوات المسلحة والشرطة عن أي انتخابات.
خبير آخر له رأي آخر، حيث يرى ان منع القوات المسلحة من التصويت يفترض ان لايشمل الشرطة لان الشرطة وفقا لتعريفها بالمادة 199 من الدستور هي هيئة مدنية، هو «عدم تحزب الجيش» بحيث يكون فوق الحزبية والتحيزات الضيقة وهذا مفهوم في دولة مثل مصر، لكن ماذا عن ضباط وجنود الشرطة، والتي تعد وفق التعريف القانوني «هيئة مدنية»؟.
رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، أشار إلى أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تجيز استثناء بعض الفئات من حقهم في الممارسة السياسية سواء بالترشح أو التصويت، حيث أوضح بأن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ورد فيه أنه «يجوز حظر ممارسة أي نشاط سياسي على الشرطة والجيش لأن ذلك قد يحتوي على مخاطر تهدد استقرار المجتمع». وان اشراك القوات المسلحة التي تتميز بالولاء والطاعة لأوامر قادتها سوف يجعلها عرضة للتأثير ويثير الشكوك في إمكانية تزوير الانتخابات. ان ضرورات الحفاظ على الأمن الوطني والقومي تقتضي ضرورة الحفاظ على الجيش بعيدا عن الصراع السياسي خشية من امتداد الصراعات السياسية إلى داخل القوات المسلحة.
إن إشراك القوات المسلحة من جيش وشرطة وقوى امنية بالشكل الذي شاهدناه عبر شاشات التلفاز وكانما هم يساقون لتمرين عسكري او مهمة قتالية وبامرة ضباطهم وآمريهم، يعطي الحق لمن يشكك في دوافع ومعطيات هذه الممارسة التي تؤدي الى حرف نتائج الانتخابات باتجاه دعم القابضين على السلطة والمتحكمين بالقوات المسلحة والقوى الامنية، فاذا كانت اساليب الابتزاز والرشوة قد مورست مع المدنيين بشكل واضح ومقرف، فان الضغط على العسكريين من خلال آمريهم المرتبطين مصيريا بالسلطة القائمة يجعل احتمالات التزوير اكبر وهو ما سيكون ليس في صالح الممارسة الديمقراطية في البلد، ويولد مزيدا من الاحتقان والازمات والتناحر.
1210 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع