يوسف علي خان
تكلمنا في مقالات سابقة كيف كان يعيش البشر في بدايات الخليقة الاولى والتي للاسف لا زال الملايين من المتخلفين مستمرين في اجوائها حيث كانوا من ضمن البهائم التي كانت تعيش معهم وجزء منها انذاك...
فقد كانوا جهلة تحكمهم شريعة الغاب المرتكزة على القوة البدنية فالقوي يأكل الضعيف... فهي كانت وسيلة حصولهم على الطعام كمعظم الحيوانات التي تعتاش على اللحوم في تغذيتها ... حيث كان الانسان يشاركهم تلك الحياة كما كانوا يعيشونها فرادا او جماعات صغيرة قد لا تتعدى عدد من الذكور والاناث التي تتواجد في مكان واحد من اجل التزاوج تدفعهم الغريزة الجنسية للتجمع وقتيا او بشكل دائم او قد يتجمع البعض منها كي تكّون قطعانا يحمون انفسهم ببعضهم من عدوان غيرهم من الحيوانات المفترسة او لحماية انفسهم بالنسبة للبشر من بعضهم البعض... حيث كان الانسان يصطاد اخيه الانسان من اجل قتله ثم يأ كله.. وكما لا زلنا نجد امثال تلك الجماعات من اكلة لحوم البشر في بعض مجاهل القارة السوداء في افريقيا ... ولم تكن هناك في ذلك الزمان سلطات او قوانين رادعة غير شريعة الغاب التي تسود تلك المجتمعات التي تكون فيها الغلبة للقوي وهي النظرية التي على ما يبدوا سائدة حتى الان في بعض المناطق من العالم مع كل ما توصل له الانسان من تطور علمي وحضاري مكنه من ارتياد افاق السماء ...فقد كان البشر يتصرفون تلقائيا مندفعين بغرائزهم دون وازع من قانون او خشية من سلطان لعدم توفرها لديهم... فلم يكن لديهم شرائع يلتزمون بها او يتقيدون بتعاليمها لا سماوية دينية ولا قوانين وضعية دنيوية ... حتى بدأت تتكون المجاميع البشرية وتشكل القبائل والاقوام إذ يتمكن احد افرادها مما يتمتعون بالقوة البدنية بالسيطرة على الاخرين من ابناء جنسه فيفرض ارادته عليهم ويصبح زعيما لهم ويغدو بذلك الحاكم بامره فهو السلطة وهو القانون يحكم فيما بين الناس وعليهم السمع والطاعة لحكمه الساذج المتخلف دون أي اعتراض وإلا تعرض لعقابه الشديد ...غير ان الحال لم تستمر طويلا فقد بدأ البعض من هذه المجاميع يتمرد على زعامته ليعلن نفسه زعيما اخر فلم تعد لتلك القوة الفردية ان كانت قومية او عشائرية ذلك التأثير النفسي الذي يدفع بقية افراد القبيلة لا طاعته ... فكان لا بد من ايجاد اسلوب جديد كما وجد اثناء ذلك بعض المفكرين والمتأملين لطبيعة هذا الكون منطلقين مما يترائى لهم من ظواهر وما يتعرضون له من كوارث ان يحاولوا البحث عن حقيقة هذا الكون وحقيقة هذه الارض التي يعيشون فوقها وحقيقة ما يحدث فيها من رعود وزلا زل وبراكين وفيضانات تصيب العديد منهم فتحرقهم بنيرانها او تغرقهم بمياهها اضافة لما تسببه من دمار وخراب ... فتواجد فريق اخر من الزعامات التي تدعوا للخشية من هذه الظواهر والخوف منها واعلنوا انفسهم الوسطاء بينها وبين بقية البشر ...وبنوا المراكز لها وعينوا انفسهم كهنة فيها واستمر الحال دهورا وقرون ... غير ان هذا التأثير والهيمنة اخذ يضعف ويضمحل ايضا وتخفت جذوته ولم يعد الناس يخضعون لتلك الزعامات أويخشون تهديداتهم بغضبها عليهم ... فاتجه البعض للبحث عن بدائل يكون لها تاثيراكبر و فعال وقوي يرعب الناس ويخيفهم من جديد.... كما اخذ بعض المفكرين والمتأملين لهذا الكون الواسع الفسيح وما يرونه من اضواء متلألئة في الفضاء ولم يكن يعلموا بكونها كواكب تعد بالملايين اكبر من الارض التي يعيشون فوقها والتي هي الاخرى كانوا يعتقدون بكونها منبسطة مفروشة مثل الحصير والتي كانوا واثقين بانها الوحيدة في الوجود وان كل هذه النقاط المضيئة ليست سوى مصابيح او قناديل حتى الشمس كانوا يعتبرونها مجرد كرة مضيئة تظهر في السماء فتجعل ارضهم نهارا وتختفي ليلا فتحيلها الى سواد وظلام وتمنحهم الدفيء والحرارة ولم يكن يعرفوا سوى تلك الظواهر التي يؤمنون بها ويعتبرونها الحقيقة ولا حقيقة غيرها ... وقد استطاع بعض المفكرين والمتأملين لأ فاق السماء وسط هذا الجهل العميم أن ينسبوا كل ماهو موجود في الفضاء وما يحدث فوق الارض الى فعل صانع عظيم يحكمه ويديره ويحدث ما تراه العين وتتنبه له المشاعر وترتعش من هوله الابدان لما يحدثه من خراب ودمار في كثير من الاحيان ... فهي القوة التي يمكنهم ان يجعلوها البديل لكل ما كانوا يؤمنون به خطأ ويتخذونه كقوة ردع وهيمنة على البشر بعد أن ضعفت قوة الزعماء وتمرد عليهم تابعوهم من البشر فلا بد لهم من قوة اكبر تثير في نفوسهم الرعب فتعيد اليهم السلطان وقد وجد الكهنة بأنه لابد لهم من بديل يسيدهم على الاقوام فأطلقوا لعقولهم العنان وبعد تفكير معمق وطويل اهتدوا الى الحل الاكيد بان يبشروا بصانع لكل ما حولهم على الارض وما هو موجود في السماء وكل ما يحدث من اضطراب او حركة فيصل الليل بالنهار بأن يظهر الشمس ثم يغيبها فتختفي فتظهر المصابيح المتلألئة من جديد...كل ذلك يفعله الخالق لكل هذا الكون الواسع الفسيح ...وأن الذي يحدث الرعود ويفجر البراكين ويغرق الاراضي بالفيضان ويهطل الامطار لابد وان يكون خالق عظيم يخيف الناس فيعبدوه ويطلبوا منه الرجاء والغفران كي يجنبهم الكوارث ويبعد عنهم الاحزان فهو الالاه الاوحد الذي لا الاه غيره مالك السماوات وارض... فنجح الكهنة والرهبان واصبحوا هم وكلاء هذا الالاه المخولين منه على الارض ...وقد استغل الملوك والسلاطين اؤلائك الكهنة والرهبان وقربوهم اليهم كي يمنحوا القوة والدعم لحكمهم العتيد وهو ما فعله الفراعنة في مصر او ما حدث في الصين واستمر الكهنة مسيطرون على الملوك والزعماء ردحا من الزمان يصدرون التعاليم فتعددت الاجتهادات واختلف الرهبان فكان لا بد من اعادة التوحيد وجمعهم على دستور واحد... فظهر الانبياء والرسل إذ ظهر موسى عليه السلام فنشر التوراة باعتبارها كلام الله الخالق الجالس على عرشه في السماء واستطاع هذا الدستور ان يجمع كلمة الفرقاء عدة قرون غير انهم بدأوا يختلفون من جديد... فلا بد من ايجاد البديل فظهر عيسى عليه السلام في نفس المكان... وبشر بدعوته بوجود الخالق الوحيد الذي انزل تعاليمه وفروضه عن طريق ملائكة الرحمن الذين بامكانهم التجوال بالفضاء والتنقل بلمح البصر بين الارض والسماء... الذين كانوا ينقلون تعاليم الخالق الى الانبياء التي يجب ان تصان بما اعلنوه على لسانه... ثم دونت تلك الاقوال في الانجيل الذي حفظه عنه اعوانه ومريديه ومع ما اصاب عيسى من تعذيب وتنكيل على ايدي الحكام الجائرين فقد تجمع الناس حوله في اخر المطاف وتمسكوا بما دعى اليه في الانجيل من تعاليم وفروض فسار عليها الناس وتابعها اعوانه من الكهنة والقساوسة من بعده والرهبان ... وقد ظهر اخيرا القرأن عن طريق محمد ابن عبدالله الذي وصف بانه اخر الانبياء ما دفع بعض رجال الدين أن يطلقوا على انفسهم شتى الصفات كي يتقربون الى الله دون ان يدعوا النبوة.... وتبنى البعض منهم الحركات الدينية واجازوا باب الاجتهاد... وفي جميع الاديان وتعدد المفسرون وتكونت نتيجة ذلك مدارس فقهية وجامعات وكنائس كل تدعم مريد وداعية ... واخذ هؤلاء يتدخلون في مختلف نشاطات الحياة ثم بدا الصراع فيما بينهم إن كان على مستوى الاديان او على مستوى الاجتهاد والتفسير ... وثارت الحروب والنزاعات وهو ما نشهده اليوم من صراع الاديان التي استغلتها الامبريالية العالمية فاطلقت جيوشها الخفية باسلحتها الجديدة التي اغنتها عن استعمال اسلحتها التقليدية التي صنعتها لها التكنلوجيا من متفجرات ودبابات وطائرات... فلم تعد بحاجة اليها فقد استعاضت عنها بحروب العقول واثارة النعرات... كما تحولت الديانات نفسها من عبادات سماوية موجهة الى الخالق فتحولت الى نشاطات سياسية وهو امر في الحقيقة ليس بجديد فقد بدا مع ظهور الاديان في الماضي السحيق... وعلى الاقل وبقدر علمي منذ عهد موسى حيث انقسم اتباعه الى اقسام عدة كما تنوعت التفاسير والعبادات للتورات نفسها باختلاف دعاة الدين اليهودي الذي بشر به موسى... فقد انبثقت عنه ما يعرف اليوم بالماسونية فقد كان يقصد بهم اتباع موسى نسبة الى الموسوية التي تحورت الى الماسونية .... ثم قام الحاخام الكبير عزرة الذي كان قد واكب السبي البابلي الذي تم على ايدي نبوخذنصر وجيء به الى العراق... فوضع توراته الشهيرة المحرفة عن توراة موسى بما حقق فيها مصالحه حيث تجزا الدين اليهودي منذ ذلك التاريخ وهو نفس ما حصل للديانة المسيحية على يد اتباع عيسى من الحواريين فقسمت المسيحية الى عدة اقسام كالارثدوكسية والكاثولوكية والبروتستانتية وغيرها من الاقسام ..ثم بدأ بينهم الاقتتال على ايدي كهنتهم من القساوسة والرهبان ...وهو نفس ما حدث في الاسلام حيث تجزأ هو الاخر الى شيع وطوائف وعاد كل فريق الطرف الاخر ووصل ذلك العداء حد الاقتتال... وقد حدث الخلاف فور وفاة الرسول واستمر الانقسام حتى يومنا هذا وأدى الاختلاف والاجتهاد بالتعاليم الدينية أن يصبح كل اجتهاد دين خاص له اركانه وفروضه.... وغدى في الحقيقة بعيدا كل البعد عما جاء به محمد فظهر نتيجة ذلك الاسلام السياسي الذي ابتعد عن الروحانيات السماوية واضحى اكثر قربا للفكر المدني المبني على المصالح وهو نفس ما حدث في باقي الاديان.... فقد حلت الصهيونية وهي افكار سياسية بحتة بدلا من تعاليم موسى وغرقت اوربا في عالمها المدني فلم يعد للمسيحية سوى الهوية وزيارة الكنائس يوم الاحاد للبعض منهم وانتشرت الالحادية في كل مكان ... كما اخذت الامبريالية تستعمل الاديان كاسلحة جديدة في محاولة لهيمنتها على الدول او على الشعوب وهو ما اطلق عليه بالجيل الرابع من الحروب حيث اضحى الدين احد وسائله المهمة... يؤيد ذلك ما ظهر من دعوات بعض المفكرين الذين وصفوا المسلمين بالمتخلفين وأن ما يدور الان في الوقت الحاضر هو صراع حضارات باعتبار الغرب الجهات المتحضرة والبلدان الاسلامية البلدان المتخلفة التي يجب القضاء عليها ولكن ليس عن طريق الجيوش النظامية كما كانت تجري الحروب في الماضي البعيد او القريب بل عن طريق اثارة النعرات وخلق الفوضى في البلدان وتحريض البعض على البعض الاخر وهو ما حدث ولا زال يحدث من خلال الربيع العربي وما سبقه من ثورات ملونة في بعض دول البلقان التي نجح فيها التغيير ولا زال الصراع قائما في بلاد المسلمين ...
1217 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع