عادل حبه
يتوجه العراقيون في الأيام القريبة القادمة من شهر نيسان 2014 إلى صناديق الانتخاب ليدلوا بأصواتهم لانتخاب أعضاء مجلس النواب العراقي، الذي سيقع على عاتقه مهمة انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
إن تجارب كل الانتخابات السابقة التي جرت في السنوات الماضية التي تلت انهيار نظام البعث في العراق، رغم أهميتها، تضمنت نقاط ضعف خطيرة لم تحقق الأمن والسلام والازدهار وآمال العراقيين. فلم تعبد العمليات الانتخابية الطريق أمام ترسيخ الهوية الوطنية العراقية وإرساء ثقافة الحوار وزرع روح التآخي بين مكونات الشعب العراقي. وتتحمل النخب السياسية المتنفذة سواء في المحافظات العراقية أم في الاقليم وفي مجلس النواب العراقي والحكومة العراقية مسؤولية كبيرة في تأزيم هذه الأجواء الملتبسة والمحتقنة في البلاد، والتي تم استثمارها من قبل دوائر اقليمية لزرع الفوضى في العراق والتدخل الفظ في شؤونه.
ومع الأسف يتحمل الناخب العراقي هو الآخر المسؤولية فيما آلت إليه أحوال العراق والعراقيين في انتخابه قوى وشخصيات على قاعدة الخيار المذهبي والطائفي والقومي والعشائري والمناطقي، هذا الخيار المتعارض مع خيار الهوية الوطنية والكفاءة والنزاهة ومعيار الحفاظ على سيادة العراق في اختيار النواب. وهكذا ولج العراق في دهليز خطير طغت فيه النزاعات العبثية الدموية والتهجير بين أبناء البلد الواحد، مما ألحق الخسائر الجسيمة بالأرواح والخراب بوادي الرافدين، ووضع البلاد على كف عفريت تعصف به الأزمات تلو الأخرى جراء الخطأ في هذا الخيار وتراكم آثاره السلبية.
والآن لا مناص أمام العراقيين والنخب السياسية وهم على عتبة انتخابات جديدة ومن أجل الخروج من الأزمة الخطيرة وانقاذ البلاد من المطب المهلك الحالي إلاّ أن يغيّروا الخيار والمسار المتعثر للعملية السياسية، ويعيدوا النظر بالتجربة الفاشلة التي عاشها العراقيون في العقد المنصرم عن طريق انتخاب نواب جدد يختلفون عن من سبقهم وبان فشلهم الصارخ. إن أمام الناخب العراقي والنخب السياسية فرصة، وربما هي الفرصة الأخيرة، في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في الأيام القادمة لخليص العراق المنزلق الحالي عبر انتخاب نواب قادرين على انقاذ البلاد وممن يتوسم بهم القدرة والارادة في:
1-العمل على إعادة النظر بالدستور العراقي الحالي على قاعدة التخلي عن كل الروائح الطائفية الموجودة في الديباجة وفي بعض مضامينه، والتناقضات وعدم الوضوح في بنوده، والتي كانت أحد أسباب تأجيج الاحتقان الطائفي عن طريق التفسيرات المتضاربة لبنوده. فدستور بلادنا الحالي لا هو ديني ولا هو علماني، ولا هو طائفي ولا هو مدني، ينصف المرأة ويهمشها، يأخذ بيد المواطن ويبعده في آن واحد، يساوي بين المواطنين العراقيين ويميز في نفس الوقت بعضهم عن بعض على أساس الدين والمذهب والطائفة، مما وضع الدستور في مجموعة من المطبّات التي من شأنها شلّ العملية السياسية الديمقراطية التي يحلم بها العراقيون. ولهذا يتطلب اختيار نواب لهم الإرادة في الاستعانة بعلماء في القانون لإعادة صياغة الدستور على أساس معايير الدولة المدنية الديمقراطية العصرية، وليس بضوابط عاشتها مجتمعاتنا قبل قرون خلت وبان فشلها.
2- طي صفحة التجربة السابقة المتعثرة، بإلتزام الناخب العراقي بالخيار الوطني والهوية الوطنية والمعارضة الحقيقيةً للخيار الطائفي، واختيار الخبير والنزيه والقادر على حل المشاكل وليس افتعالها. لقد سئم العراقيون في العهود السابقة، وخاصة في عهود البعث المظلمة من التمييز على أساس الطائفة والعرق والقومية، ولكن ما أن انهار هذا الحكم حتى تغيرت المواقع ليتحول المهمَشين في العهد السابق إلى مهمشِين ودعاة للتمييز الطائفي من خلال تأسيس أحزاب وحركات على أساس مذهبي رغم إدانة هذه الحركات اللفظية المتكررة وتنصلها من الطائفية وشرورها. إن الخيار والتمييز الطائفيين بعد انهيار حكم البعث، لم يختلفا في حقيقة جوهرهما عن ممارسات الحكم منذ تأسيس الدولة العراقية، حيث لم يجلب الاستقرار واللحمة للمجتمع العراقي، بل رسّخ التمزق والتمييز والفساد الذي تفاقم بعد انهيار الطغيان. إن شعار "ما ننطيها" أو شعار "الربيع السني قادم" التي ترفعه الكتل الطائفية المتطرفة أو تلوح بها، ضمن الاصرار على التمسك وتكرار وأحياء أحداث تاريخية مدمرة جلب عدم الاستقرار والتفكك والمحن للعراقيين.
3- ولا يمكن للعراقيين أن يبنوا دولة مدنية ديمقراطية عصرية عبر انتهاك القوانين المتعلفة بحقوق الانسان، وخاصة حقوق المرأة ومساواتها بالرجل والذي نص عليه الدستور العراقي والمعاهدات الدولية التي وقع عليها العراق.
فليس من المقبول انتخاب نواب يروجون لعبودية المرأة و"اغتصاب" صغار السن منهن بدعوى الزواج المبكر تحت ستار ديني ومذهبي مزيف، كما هو الحال في مشروع "قانون الفقه الجعفري" الذي تقدم به وزير العدل للمصادقة عليه من قبل مجلس النواب.
4 – كما أن العراق لا يستقر ولا يفتر الارهاب وتكسر شوكته إذا ما كرر الناخب العراقي الخطأ ذاته بانتخاب شخصيات وكتل تحتفظ بميليشيات ومسلحين خارج سيطرة المؤسسات الأمنية والعسكرية. فالعديد من الأحزاب والحركات المتنفذة في البرلمان تحتفظ بالمسلحين وتمارس الضغط على العملية السياسية وممارسة النفوذ من خلال هذه القوى المسلحة وأفعالها الاجرامية. ويتعدى الأمر هذه الحركات إلى النواب أنفسهم الذين يحتفظون بكتائب مسلحة ممولة من قبل مجلس النواب بدعوى حمايتهم، دون الاستعانة بالأجهزة الأمنية التي يقع على عاتقها وليس غيرها توفير الحماية لهؤلاء. لقد أكدت عملية اغتيال الكثير من العراقيين، واخيراً الإعلامي محمد بديوي، خطأ وخطر احتفاظ الحركات السياسية بميليشيات لا تأتمر بالأجهزة المركزية الاتحادية، بل بالأحزاب التي تديرها. ولنا في ذلك مثال الاحتفاظ بكتائب وشبكات من المسلحين والجيوش المجمدة وغير المجمدة من قبل القوى السياسية العراقية المتنفذةز إن تهديدات أحد مسؤولي الأحزاب في الاقليم وهو يقول: " إن الحكومة (يقصد حكومة الاقليم) من دون الاتحاد (الوطني الكردستاني) لن تستطيع الوصول إلى منطقة ديكله (الفاصلة بين مدينتي أربيل والسليمانية)"، لخير دليل على خطر احتفاظ كلا الحزبين في الاقليم بقوات مسلحة تسيطر على منطقتين منفصلتين في اقليم كردستان العراق، وهي ممارسات خطيرة تعرقل بناء دولة ديمقراطية مستقرة في بلادنا وتتناقض مع قواعد الديمقراطية التي تنص على الاحتفاظ بقوة مسلحة واحدة وليس تعدد هذه القوى.
5 - كما لا يمكن اشاعة الاستقرار إذا ما كرر الناخب العراقي انتخاب فلول البعث أو من يغازلهم ويتستر عليهم أو من يضع رجل في العملية السياسية ورجل أخرى في النشاط الارهابي والتخريبي، ويتستر على فرق الموت وحاملي كواتم الصوت ومدبري المفخخات التي تطحن أرواح العراقيين. فالعديد ممن انتخبوا في الدورات السابقة ما زالوا يتغزلون ويتشدقون بماضيهم البعثي وعلاقاتهم بأمثال طارق عزيز الذي يقضي فترة سجنه بقرار من القضاء العراقي. وهناك من النواب المنتخبين ممن يتسترون على جرائم الابادة الجماعية ضد المواطنين الاكراد واستخدام السلاح الكيمياوي في كردستان وضحايا المقابر الجماعية إلى حد نفيهم لها. لقد تم إشاعة الاستقرار والبناء في المانيا بعد انهيار النازية عبر حرمان اعضاء الحزب النازي من المشاركة في العملية السياسية وعدم السماح لهم بالترشيح للانتخابات أو تبوء مناصب في أجهزة الدولة الألمانية الديمقراطية تفادياً لمخاطر عرقلة هذه العملية. وهذا ما لم يحدث للأسف في العراق بعد انهيار الديكتاتورية في عام 2003 بسبب عدم اتخاذ موقف حازم وموحد تجاه مصير حزب البعث واجهزته الاجرامية من ناحية، ومن ناحية أخرى انتقال أعضاء حزب البعث و "الجحوش" والأجهزة الأمنية السابقة وضمن خطة مسبقة إلى صفوف الأحزاب المتنفذة بكل ألوانها مما سمح لها بالتأثير سلباً على العملية السياسية.
6 – لقد انتخب الناخب العراقي في الدورات السابقة نواباً لم يحضر بعضهم ولا جلسة واحدة من جلسات البرلمان باستثناء جلسة أداء اليمين الذي لم يلتزموا به. وأصبح عدم المشاركة في جلسات مجلس النواب ضمن الصراع العبثي بين الكتل المتنفذة المتصارعة تقليعة بيد كل الكتل المتنفذة لعرقلة تنفيذ وظائف السلطة التشريعية التي تعد أعلى سلطة في البلاد.
وعرقل اعضاء في المجلس عبر هذه المقاطعة المستمرة لجلسات مجلس النواب في تشريع الكثير من القوانين المهمة المتعلقة بمصير الشعب ومستقبل الدولة العراقية ومنها تشريع قانون للأحزاب الذي بدونه لا يمكن اجراء انتخابات تتسم بالنزاهة والشفافية. وأخيرا جرت عرقلة تشريع الموازنةً والتي يتوقف على اقرارها حياة ابناء الشعب واعمار البلاد، في الوقت الذي لم يترددوا هؤلاء النواب ولم يقاطعوا جلسات المجلس المخصصة لزيادة رواتب أعضاءه أو رواتب ذوي المناصب العليا على حساب قوت الشعب. فأية أمانة يتصف بها هؤلاء الذين أدوا اليمين وخدعوا ناخبيهم، وهل سيعيد الناخب العراقي انتخاب مثل هذه النماذج المخجلة التي لا تتصف بالحد الأدنى من صفات الحرص على مصالح الشعب والوطن.
7 - إذن الكرة الآن وعلى عتبة الانتخابات القادمة تدور في ملعب الناخب العراقي، وفي دائرة المواطنين العراقيين الذين يترددون في المشاركة في الانتخابات، كي يبادروا إلى المشاركة الفعالة في الانتخابات وعدم التخلي عن المشاركة، واختيار نواب يتسمون بالخبرة والنزاهة والالتزام بالقسم واليمين والولاء للهوية الوطنية وليس لدول اقليمية. نواب قادرين على تفعيل دور السلطة التشريعية وقدرتها على اختيار سلطة تنفيذية قادرة على مشاكلنا العويصة، سلطة تنفيذية تضع العراق على جادة الازدهار والتقدم والديمقراطية الحقة. فهل سيلدغ الناخب العراقي من جديد، أم سيعالج خطأ خياراته السابقة ، ويبجث عن خيارات أخرى؟.
8 – إنني اقترح على المواطن العراقي المشاركة بقوة في الانتخابات بشكل أوسع، وأن يشارك بفاعلية الجزء الصامت الذي لم يشارك في الانتخابات السابقة. وهناك مؤشرات مشجعة على مشاركة أعداد أكبر في الانتخابات. فآخر احصائية لعدد الحاصلين على البطاقة الالكترونية حسب المفوضية المستقلة للانتخابات قد بلغ 18 مليون ناخب. كما اقترح على الناخب الكريم أن يصوت لصالح قائمة التحالف المدني الديمقراطي (232) التي تشارك في بغداد وغالبية المحافظات، وأن يصوت إلى قائمة البديل المدني في البصرة(245) وقائمة تحالف النجف الديمقراطي(245) وقائمة الوركاء الديمقراطية (299). فلو تصفحنا تاريخ مرشحي هذه القوائم لوجدناهم بعيدين عن الولاء الطائفي والمناطقي والقومي والعشائري. فهم ينحدرون من الأطياف العراقية الزاهية جميعاً من اقاصي شمال الوطن وإلى جنوبه ولم تتلوث أياديهم في المجازر الدموية الطائفية ولم تتطلخ أياديهم بدماء أبناء أرض السواد والجبل.
ولم تتلوث أياديهم بالمال السحت والحرام. ولم يسيطروا ويشتروا مناطق بكاملها في بغداد لتتحول إلى "غيتاوات لهم" ويتحكمون بها. فهم أنصار الاعمار والازدهار لهذا البلد العزيز وانصار المساواة الحقيقية بين ابناء وبنات الشعب العراقي.
انهم رسل سلام مع دول الجوار الاقليمي والعالم الخارجي دون أن يبيعوا ولائهم للدول الاقليمية بثمن بخس هو لتهديم العراق وقتل أبنائه. إنهم أنصار حماية الدين من تجار الدين والتداول بعملة تزييف الدين وتحويله من معتقد ايماني مشروع إلى بضاعة لخداع ونهب خلق الله.
إنهم من خيرة الكفاءات في العراق، ويشهد عليه تاريخم ونضالهم من أجل خدمة شعب العراق،كما يشهد على ذلك الشهداء الذين سطروا بدمائهم آيات من الشجاعة والفداء وحب هذا الوطن العزيز.
وكان آخرهم شهيد انتخابات عام 2014 مهدي مصطفي وادي مرشح التحالف المدني الديمقراطي في نينوى على يد الإرهابيين المتوحشين. ولذا أدعوا مواطنينا و مواطناتنا الأحبة إلى التصويت لصالح هذه القوائم فهي خير مفتاح لقيادة العراق إلى درب الأمان.
22/4/ 2014
1193 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع