مدرسة مدام عادل التي تاسست في ثلاثينيات القرن المنصرم في بغداد

مدرسة مدام عادل التي تاسست في ثلاثينيات القرن المنصرم في بغداد

اسستها سيدة لبنانية الاصل زوجة الاستاذ التربوي الدكتور انيس عادل عرفت عراقيا باسم مدام عادل وشقيقتها المربية الفاضلة فكتوريا. هذا الثلاثي التربوي اللامع قام بتأسيس اول روضة و مدرسة اهلية مختلطة في بغداد عرفت باسم مدرسة عادل الاهلية .مدام عادل... المرأة الحديديه.

كان الباص الأحمر ذو الطابقين والذي يقوده السائق ياسين أشهر باص في بغداد في الخمسينات والستينات بعد باصات مصلحة نقل الركاب نوع ليلاند ذات الطابقين... وسبب شهرة باص السائق ياسين تعود الى انه باص من ممتلكات مدرسة عادل الأهلية وليس باصا حكوميا. كان ذلك الباص يقوم بنقل طلاب تلك المدرسة القاطنين في الأعظمية والصليخ والوزيرية الى موقع المدرسة الكائن في العلوية ذهابا وإيابا
قدمت السيدة زهورة عادل وهي مسيحية لبنانية ، ويقال ان جذورها من مدينة ماردين التركية، الى بغداد من لبنان بصحبة زوجها الدكتور انيس عادل وشقيقتها فيكتوريا في عام ١٩٣٢ وأخذت بالتفكير بإنشاء مدرسة نموذجية لمرحلة الروضة والتمهيدي والابتدائية فحصلت على ترخيص بذلك في عام ١٩٣٣ وافتتحت تلك المدرسة الصغيرة باديء الامر في دارها المتواضعة في محلة الاورفلية...

ثم قابلت في عام ١٩٣٥ الوجيه ابراهيم الأورفلي الذي وافق على تأجير داره الجديدة الواسعة وساعدها ماديا من خلال التساهل ببدلات الايجار والأقساط فانتقلت المدرسة الى هناك وبقيت الى عام ١٩٤٤ حيث انتقلت بعدها الى منطقة العلوية بعد ان تم بناء مدرسة عادل الأهلية بمواصفات حديثة.

اكثر ما يثير الدهشة والإعجاب في آن واحد ان مدام عادل قررت منذ البداية ان تكون هذه المدرسة مختلطة حيث يجلس الطلاب والطالبات في نفس الصف وهذا امر لم يكن شائعا او مستساغا في ثلاثينيات القرن الماضي ولكنها ادركت ببصيرتها الثاقبة ان ذلك هو امر محبذ تربويا كي لا ينشأ البنين والبنات على فكرة العزل والتهيب والخجل من وجود الجنس الاخر على نفس مقاعد الدراسة .

ليس هذا فحسب بل تم في بناية المدرسة في العلوية انشاء قسم داخلي يقيم فيه بعض الطلاب الذين تكون عوائلهم من خارج بغداد... ولكي تكتمل الحلقة التربوية كان هناك مطعم في المدرسة تقدم فيه وجبة ساخنة ظهرا لطلاب القسم الداخلي وكذلك للطلاب الذين يقوم ذويهم بتسجيلهم في مطعم المدرسة ضمانا لحصول اولادهم على وجبة غداء ساخنة في منتصف النهار.

كانت الدراسة تمتد من الثامنة صباحا الى الرابعة عصرا باستثناء يوم الخميس حيث تنتهي في الواحدة ظهرا. كان لدى المدرسة خمسة باصات تنقل الطلاب من ارجاء بغداد المختلفة ولكن باص ياسين السائق كان يتميز عنها بكونه ذو طابقين الى ان تم استبداله بباص حديث مرسيدس اصفر اللون بحدود سنة ١٩٦٤.
كما إن هناك بعض الجوانب الإيجابية في هذه المدرسة كالانضباط واحترام المعلم وحب التقيد بالتعليمات سببه القيم التربوية السليمة التي غرزتها مديرة تلك المدرسة في نفسية كل طفل ... لقد كانت مدام عادل شخصية جبارة لا يستطيع اي طفل مهما كان شقيا ان يقف بوجهها واثناء الاصطفاف الصباحي انها كانت تقوم بتفتيش الاظافر و ... والويل لمن يعصي اوامرها. اعتقد جازما لو ان مدام عادل قد قررت ان تحترف السياسة بدل التعليم لانتهى بها المطاف ان تصبح قائدة تاريخية مثل مرغريت تاتشر او إنجيلا ميركل.


لقد كانت مدام عادل تنتقي هيئة التدريس بدقة حيث لا تقوم بتعيين سوى أفضل المعلمات وتكافئهم سنويا في أعياد الكريسمس على الرغم مما كان يشاع عنها ان يدها مغلولة بعض الشيء الى عنقها ... وتعد السيدة دورا حنا وكانت من اقدم معلمات المدرسة ان مدام عادل كانت تمنح باقي المعلمات ليرات ذهبية كهدية في أعياد الميلاد.

كانت السيدة فيكتوريا شقيقة مدام عادل مسؤولة مشرفة على صف التمهيدي والروضة وكانت تصطحب بعض الأطفال بين حين وآخر لزيارة بيت الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان يقع قريبا جداً من المدرسة... حيث لم يكن رئيس الوزراء يقيم آنذاك في المنطقة الخضراء لان كل العراق كان اخضر ببساتينه ونخله ووحدته من زاخو شمالا الى ام قصر جنوبا...كانت الست فيكتوريا عادل هي نفسها التي كانت تتنكر بزي بابانويل اثناء الحفل السنوي التي تقيمه المدرسة في أعياد الكريسمس.

 كيف يعقل ان تتمكن امرأة لبنانية بجهد شخصي ان تبني في العراق قبل سبعين عاما صرحا تعليميا بهذا المستوى.
تم تأميم مدرسة عادل الأهلية في عام ١٩٦٩ وتركت مدام عادل العراق مع عائلتها المكونة من زوجها الدكتور انيس عادل وابنتيها هيام وهدى وابنها نبيل وشقيقتها فيكتوريا الذين عملوا جميعا في تلك المدرسة الأسطورة... حيث قامت وزارة التربية بتعيين احدى المدرسات القديرات من الكادر القديم وهي الست ليلى عزت لإدارة المدرسة حيث حاولت جاهدة الإبقاء على بعض مستواها السابق.
اتخذت هذه المدرسة في الاربعينيات من قطعة ارض شاسعة المساحة بحسابات ذلك الزمان تقع في منطقة العلوية المقابلة تماما لمنطقة بارك السعدون ومقابل كنيسة السبتيين مقرا لها.

كانت المدرسة مكونة من ثلاث بنايات واحدة تحتوي على صفوف وقاعة كبيرة للالعاب مخصصة لصفوف الروضة والتمهيدي ومكاتب الادارة والمطعم الذي كان يقدم وجبة الغذاء للطلاب وبنايتين أخريين لصفوف المرحلة الابتدائية من الاول الى السادس. وكانت المدرسة تحتوي على حديقة خلابة كبيرة المساحة تحتوي على مسرح صيفي وهناك خلف الحديقة مشتملات لسكن الحراس والعمال والطباخين وكان هناك ايضا قسم داخلي لبعض الطلاب وساحة للرياض..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

867 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع