في الذكرى ١٠٢ لتأسيس الشرطة العراقية ٩-١-١٩٢٢

في الذكرى ١٠٢ لتأسيس الشرطة العراقية ٩-١-١٩٢٢



الأستاذ الدكتور/ أكرم عبد الرزاق المشهداني

في 9 كانون الثاني من كل عام، تحتفل الشرطة العراقية بذكرى تأسيسها عام 1922. وبالرغم من أن العراق عرف وجود أجهزة شرطة وامن بتسميات مختلفة، منذ زمن طويل، يعود إلى العصر الأموي ثم العباسي، إلا أن يوم الـ 9 /1/ 1922 كان شاهداً على تتويج جهود التأسيس النظامي التي بُذلت خلال العهدين العثماني والبريطاني، ليشهد ظهور جهاز الشرطة العراقي بشكله الحديث تزامناً مع الإعلان عن قيام الملكية في العراق.
تذكر المراجع التاريخية ان الدولة العثمانية كانت تعتمد على قوة الإنكشارية لحفظ الامن في الولايات الثلاث (الموصل، بغداد، والبصرة) إلا أن تعاظم قوة الإنكشارية وتحدّيها لسلطة دولة الخلافة جعل السلطان العثماني يُقرّر حل "الإنكشارية" في الولايات العثمانية وتشكيل قوة "البوليس" بدلا عنها وهي قوة نظامية.



أفراد الشرطة العراقية في العهد العثماني

بداية الاحتلال البريطاني للعراق من مدينة البصرة 1914:
ابتدأ الاحتلال البريطاني للعراق باحتلالهم مدينة البصرة 1914 حيث اسسوا مكتب طبعات الأصابع ليكون الأساس فيما بعد لإدارة التحقيقات الجنائية (CID) ثم نقلت فيما بعد إلى بغداد، وكانت تضم قسم طبعات الأصابع، ومديرية للجوازات وكان البلد يدين لأنشطتها كثيراً، أما شرطة السكك التي تمتد أنشطتها إلى جميع منظومة قطارات سكك الحديد في عموم العراق، فإنها جزء لا يتجزأ من المنظومة، وتتمتع بثقة معروفة ولدرجة ملحوظة وكان لرجال شرطة السكك دور مهم في حماية خطوط السكك وكان وجودهم في القطارات يبعث على الارتياح والطمأنينة خوفا من تعرّض القطارات لقطاع الطرق المعروفين بـ "السلّابة".



وعند احتلال الإنكليز للبصرة كان إجمالي قوة الشرطة العراقية الجديدة (400) عنصر، وعند احتلال الموصل أصبح العدد (950)، وعند اكتمال احتلال العاصمة بغداد بلغ عدد أفراد الشرطة العراقية (2000 عنصر تقريبا)، وجرت إضافات أخري عام 1920 على مهمات وواجبات الشرطة وأصبح حجم قوتها يبلغ (2628) فرداً.


وحين دخل الإنكليز مدينة بغداد في 11 آذار 1917 بعد انسحاب العثمانيين منها، تحتم عليهم إقامة نظام اداري جديد لحكم البلاد. وكانت دائرة الحاكم المدني العام التي يرأسها السير آرنولد ولسون قد أسندت تبعية تشكيلات الشرطة الى "مفتشية الشرطة" برئاسة مفتش الشرطة العقيد كريكسون.



الجنرال مود يدخل بغداد يوم 11 آذار 1917

وكانت تشكيلات الشرطة في العراق بعد مغادرة العثمانيين تتألف من جنسيات مختلفة (هنود، صوماليين، ومصريين، وانكليز) وقد أنشأ الإنكليز فرقة "الشبانة"، وهي قوة شرطية غير نظامية تشكّلت من أبناء العشائر للمساعدة في تنفيذ بعض المهام العسكرية والإدارية، على أن تكون نواة لإنشاء جيش عراقي مستقل في المستقبل، بلغ عددها عام 1918 قرابة 2000 رجل. بعد ان لاقت القوات البريطانية معضلة عزوف أبناء العشائر العربية عن الانخراط في الشرطة بسبب نظرتهم السلبية إزاء كل عراقي يقبل التعاون مع الانكليز.

وعقب اصدار مؤتمر باريس للسلام 1919 والذي ضم الحلفاء المنتصرين في الحرب الأولى قرار وضع العراق تحت الانتداب البريطاني، اكتسب الوجود البريطاني نوعا من الشرعية الدولية الشكلية، حيث تم مطالبة انكلترة باعتبارها دولة انتداب، ان تطور الدول الخاضعة لسيطرتها حتى تتمكن من حكم نفسها بنفسها. وفي 1920 أصدرت سلطة الاحتلال قرار رقم 72 الذي عرف لاحقا بـ "بيان البوليس" والذي حَدّدَ بالتفصيل (واجبات الشرطة في العراق) ووضع أسس تنظيماتها الإدارية والانضباطية.
في 1921 خرجت إلى النور أول حكومة عراقية في العصر الحديث، بقيادة عبدالرحمن النقيب، الذي شكّل حكومة تكوّنت من 12 وزيراً، عُيّن لكل واحدٍ منهم "مستشار بريطاني" وفقاً لبروتوكول تعاون وقّعه النقيب مع السير بيرسي كوكس. وفي هذه الحكومة، ظهرت "وزارة الداخلية العراقية" للمرة الأولى وشمل عملها الإشراف على قطاعات الشرطة والجمارك والسجون والزراعة والواردات والبيطرة ومطبعة الحكومة والاملاك والصحة العامة والدعاية (الاعلام)، والطب العدلي والهاتف. فيما نُقلت "الشبانة" إلى اختصاصات وزارة الدفاع. وكُلِّف بالإشراف على وزارة الداخلية السياسي العراقي ذي الأصول الهاشمية طالب النقيب، وبهذا أصبح النقيب أول وزير داخلية في تاريخ العراق. وقد استعانت وزارة الداخلية في البداية بالعديد من الأجانب في تسيير أعمالها، حيث ضمّ تشكيل موظفيها 74 بريطانيّاً و150 هندياً و9 مصريين و3 أرمنيين و4 إيرانيين. وعقب تأليف الحكومة العراقية أصدرت وزارة الداخلية أمراً بتأسيس قوة الشرطة في 9 كانون ثاني عام 1922، حيث تشكّلت من 3 آلاف فرد من المشاة والخيالة والهجانة، وضابطين عراقيين، و22 ضابطاً بريطانيّاً و71 موظفاً بريطانيّاً يقومون بأعمال إدارية.
تعاوَن العراقيون والبريطانيون في إدارة جهاز الشرطة حتى عام 1927 حين بدأت تُنقل المهام الإدارية والتنفيذية إلى الضباط العراقيين. وعقب عقد معاهدة 1930 بين العراق وبريطانيا، أصبحت الحكومة العراقية هي المسؤول الرئيسي عن الأمن الداخلي في البلاد. بناءً على ذلك، انتقلت المسؤولية التنفيذية إلى الضباط العراقيين وبقي عدد محدود من الضباط البريطانيين انحصرت أدوارهم في الأعمال الاستشارية والتفتيشية. وبقيت بنود "بيان البوليس" الإنكليزي تحكم عمل الشرطة العراقية حتى صدر القانون الخاص بخدمة الشرطة رقم 7 لسنة 1941، بعدما اعتبرت الحكومة أن "بيان البوليس فيه نواقص كثيرة، لذا أعَدّت قانوناً خاصُا شاملاً يتعلق بمسلك الشرطة"، بحسب البيان الذي قدّمته الحكومة حينها لمجلس الأمة لتبرير رغبتها في إلغاء العمل بـ "بيان البوليس" بعد 20 عاماً من العمل به.



العقيد نوري السعيد أول مدير عام للشرطة العراقية

وبدءاً من عام 1931 سعى جهاز الشُرطة إلى توفير الأعداد الكافية من الضباط المؤهلين فعقد دورات تدريبية التحق بها طلبة الحقوق والمدرسة العسكرية التي أقيمت خصيصاً لإعداد ضباط الجيش، وبهذه الطريقة تزوّد جهاز الشرطة بما يحتاجه من ضباط، أعقب ذلك إيفاد عددٍ من الضباط إلى بريطانيا لتلقي المزيد من التدريبات الفنية والتقنية هناك كي ينقلوها إلى زملائهم لاحقاً، ويكوّنون النواة التي سيُقام عليها جهاز الشرطة العراقي في السنوات التالية.

ويشير بعض المؤرخين ان الشرطة حظيت باهتمام حكومي كبير نتيجة طبيعية لسياسة بريطانية مدروسة أرادت أن تجعل من الشرطة الجهاز الأمني الرئيس للبلاد، بديلا عن الجيش الذي لا ترغب ان تراه قويا، حتى لا يصبح خطرا يهدد الوجود البريطاني على أرض العراق، ولكي يبقى العراقيون بحاجة دائمة لدعم ومساندة الإنكليز، ولكن الواقع يؤكد ان تأسيس الجيش العراقي تم في 6 كانون الثاني 1921 أي قبل تأسيس الشرطة العراقية بنحو عام واحد.



اتخذت الشرطة العراقية يوم التاسع من يناير/ كانون الثاني من كل عام يوما للاحتفال بذكرى تأسيس الشرطة العراقية في 9/1/1922 إذ تم في ذلك اليوم تشكيل مديرية الشرطة العامة وتنسيب العقيد نوري السعيد مديراً عاماً لها. علما أن العراق عرف ظهور تنظيمات الشرطة بمختلف تسمياتها منذ العصر الاموي ثم العباسي مرورا بالعهد العثماني حتى احتلال بغداد من قبل القوات البريطانية عام 1917. ليشهد ظهور جهاز الشرطة العراقية بشكله الحديث تزامناً مع الإعلان عن قيام الملكية في العراق.
في التاسع من كانون الثاني عام 1922 تشكلت الشرطة العراقية، لتنهض مع شقيقها جيش العراق الباسل بمهمة حماية امن الوطن والمواطنين، وكان للجيش والشرطة عبر التاريخ مواقف ومشاهد خالدة، وبطولات ترسخت في تاريخ حافل مجيد امتد عقوداً من الزمن، قدّم فيها كل من الجيش والشرطة بمختلف تشكيلاتهما أمثلة رائعة في التضحية والفداء والايثار والحرص على أمن الوطن.
لقد كان للرجال الوطنيين الذين تسلموا مهام قيادة وزارة الداخلية ومديرية الشرطة العامة بمختلف تشكيلاتها، وعبر 102 عاما، مآثر وطنية حافلة سجلها لهم تاريخ العراق، بالمواقف المخلصة والنزيهة تجاه الوطن والشعب ووضعوا حجر الأساس لقوة الشرطة ومعها مختلف التشكيلات الوطنية التي تفرعت عنها مثل الأمن العامة والجنسية والمرور والدفاع المدني وكلية الشرطة، كي تقدم الخدمات للمواطنين وتحفظ أمنهم وسلامة أرواحهم وممتلكاتهم والدفاع عن القيم والقوانين. وظلت على مدى عقود كثيرة تسير بفكر وطني وقيم أخلاقية وشعورٍ عالٍ بالمسؤولية القانونية والأخلاقية.
تحية لشرطة العراق في ذكرى تأسيسها عام 1922 تحية لرجال الشرطة الابطال الذين ضحوا بأرواحهم من اجل امن الوطن والمواطنين.. تحية لرجال الشرطة الذين سطروا المفاخر والبطولات وهم يقارعون الجريمة والانحراف والمجرمين ويقدمون الخدمة الصادقة للمواطنين...يرحم الله شهداء الشرطة الأبرار...

عبد الجبار فهمي اول ضابط شرطة يوفد الى بريطانيا سكوتلاند يارد للتدريب والدراسة على طبع الأصابع 1932 اصبح فيما بعد مديرا لشرطة بغداد ثم متصرف لواء بغداد واعدمته محكمة المهداوي بعد 1958

 



  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

499 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع