الكرخ ومقاهيها وذكرياتي عنها

    


الكرخ ومقاهيها وذكرياتي عنها/على هامش الجولة البنرامية في الكرخ (2)

       
            

                                     

                           د . عمر الكبيسي

                              

               

في بغداد (والعراق على العموم) تاريخ عريق للمقاهي ومن يريد تفاصيل نشوء واسباب انتشار هذه المقاهي وفقا لتاريخ توسع بغداد المعماري وعلاقة ذلك بطبيعة وجود السلطة وقوات الأمن والجيش بجانب الكرخ والرصافة فعليه مراجعة ما كتبه الأستاذ ياسين النصير بشأن ذلك .

ورد في جولة الزميل سعد هزاع التكريتي في جولته البنورامية بين ساحة الشهداء وساحة حماد شهاب ذكر لعشرة مقاهي واستطرق في مقالتي هذه لذكرياتي كطالب ودارس في بعض هذه المقاهي التي اقتصر تواجد طلبة الكرخ فيها لسبب واحد هو الافتقار الى بيوت ودور سكن فارهة تسمح للطلبة بالسهر والدراسة بشكل جماعي بعيدا عن أجواء الضجر وبما يساعد على السهر ولم تكن كل المقاهي تلبي هذه الاجواء . من المقاهي الشهيرة بتواجد اجنحة خاصة للدارسين هي مقهى البلدية في الميدان بسبب تواجد الكليات والاقسام الداخلية فيها إضافة الى دار الطلبة كمجمع طلابي فيها مهيئ للدراسة في الرصافة ولا شك ان ساحات الرصافة والوزيرية والاعظمية وشمالها هي اكثر انتشارا وتواجدا من ساحات الكرخ .

في الكرخ خلال دراستي الثانوية وفي كلية الطب لي ذكريات وملاحظات عن مقهى القبطان ومقهى ستوري ومقهى حسن في شريعة بيت رواك وكذلك مقهى عارف وابو القاسم أما مقهى العانيين و14 رمضان والسوامره والريفي وحميد وابراهيم اليتيم قبل انتقاله الى القبطان فهي مقاهي ذات طابع محلي وسياسي احيانا لم تكن صالحة للدراسة . مقهى 14 رمضان كانت ملتقى الوافدين من الدور وسامراء والبو عجيل على نمط مقهى العانيين في الجهة المقابلة من ساحة الشهداء .

   

أما مقهى عارف الكردي الشهيرة بالشاي والشاي حامض فقد كانت ملاذا للقاء الاخوان المسلمين وقياداتهم كان يلتقي فيها الاستاذ عبد الكريم زيدان وعدنان الدليمي والمرحوم شريف الراوي ومحمد الحانوتي ومحمد صالح سرية الذي أعدم بسبب محاولة انقلاب في مصر في السبعينات كما أذكر والاستاذ الدكتور فاضل السامرائي واخيه المرحوم مهدي السامرائي واخوهم الأصغر الأديب والناقد والمفكر عبد الرحمن طهمازي الذي كان واقد الذهن منذ نشأته وهو من جيلي إضافة الى اسامة التكريتي وفليح الدوري ومحمد الغنام وهم طلبة كلية الطب تعرفت عليهم في هذه المقهى الصغيرة في الداخل لكنها كبيرة في رجالها وفي امتداد مقاعدها الخشبية وحصرانها على امتداد الشارع من الجهتين حتى تصل من جهة النهر الى مقهى ابو القاسم ومن الجهة المقابلة الى مطعم صغير يديره السباح حنا احد تلاميذ علاء النواب حيث يأكل مرتادي القهوة طلباتهم من المشويات والعصائر منه . من الطرائف التي تذكر عن مقهى 14 رمضان التي يكثر فيها السوامره والتكارته والدوريين بالذات والتي يكثر السوامره من ذكر الطرائف والنكات حولهم ، منها هو أن احد وجهاء الدور وصل الى بغداد ومن خلال هاتف المقهى اتصل بتلفون ابنه الذي كان يدرس في كلية الطب ويسكن في القسم الداخلى ، اخبر ابنه انه وصل بغداد ويريد مقابلته فقال له ابنه في الهاتف منين انته تحكي ، غضب الوالد رادا : منين احكي غير من حلقي يا ابن ال...!.

  

كانت مقهى ابو القاسم الصيفي المطلة على دجلة والقشلة ومجمع المحاكم في جانب الرصافة واسعة يجلس الطلبة في جانب منها للدراسة وتشكل بديل لهم بسب أجوائها اللطيفة صيفا عن مقهى اليروتي في باب السيف من جانب راس جسر الشهداء الآخر على الكرخ والتي كانت تكتظ بالطلبة من كل الاطياف والمناطق على العكس من مقهى ابو القاسم التي استقطبت ابناء الكرخ شمالا وصولا الى نهاية الجعيفر . معظم طلبة مقهى البيروتي كانوا من طلاب الاعدادية المركزية والتي كان طلبة ثانوية الكرخ الأقل منها رصانة في الدراسة يستفيدون من طلابها بالتوسع في مواضيع المثلثاث والفيزياء بسبب وجود اساتذة مشهورين مثل عبد الرزاق حسوان في الفيزياء وقاسم محمد في المثلثات فيما كان طلبة الكرخ يفخرون بتدريس الخفاجي في الكيمياء وعباس ياس في الفيزياء ورسام في المثلثات رحمهم الله جميعا.

لقد استفدت من اتصالي وتعرفي مع طلبة الاعدادية المركزية في السنة الاخيرة كثيرا حيث لم نتمكن في ثانوية الكرخ من اكمال المناهج بسبب إضراب الطلبة وغلق الثانوية مبكرا عام 1963 . وفي هذا العام انتشرت ظاهرة سرقة الاسئلة في صفوف الطلبة وكانت هذه المقاهي مقرا لوصول العديد من التسريبات حتى كنا كطلاب متميزين نجابه بالعديد من الاسئلة التي كنا نحلها لبقية الطلبة الذين يروجون لها في حينها . وفعلا لقد فوجئت في يوم انتهاء الامتحانات عن الاعلان باعادة ثلاث مواد في الايام التالية من بداية الاسبوع الذي يلي اسبوع الامتحانات بعد ان تأكد التوثق من سرقة وتسرب اسئلة هذه المواد . قضية سرقة اسئلة الامتحانات ظلت هاجس كل سنة من سنوات امتحانات البكلوريا مما شكل عامل إزعاج وإرباك كان الطلبة المتميزون يعانون منه بشكل كبير بسبب كثرة الباحثين عنهم للإجابة على الاسئلة المفبركة في أطراف الليل وهو الوقت الذي كنت فيه حريصا على النوم مبكرا في ليلة الامتحان حتى بعد تجاوزي مرحلة الثانوية في الكرخ والتحاقي بالطبية .

وفي عام 1964 صدفة لم تكرر سابقا او لاحقا ثبت تسرب اسئلة امتحانات مادة التشريح للمرحلة الثانية وهي من اصعب المواد الامتحانية في مناهج الكلية ، لكن التسرب كان محصورا بمجموعة تم فصلهم لذلك العام وتنحية الاستاذ المسئول . وقد كانت هاتين الحادثتين وتزامنها مع طلبة مرحلتي فريدة حسب علمي .

   

كانت مقهى شريعة بيت ارواك في الكرخ وهي مقهى لصنع الزوارق النهرية تقع في فسحة صغيرة على حافة دجلة مقابل مدينة الطب وبجانب شريعة الزوارق التي اعبر بها يوميا ذهابا وايابا الى الكلية مع البلام عباس وكان يعبر معي في اكثر الاحيان بنفس الوجبة الجراح الدكتور لاحقا المرحوم حاجم السامرائي والمعيد الصيدلي اخ الزميل وقاص حسن وزميلي مهند صالح ومقداد ناجي احيانا وفي معظم الاحيان يكون معنا المرحوم التربوي خير الله طلفاح حيث كان مديرا في تربية الرصافة والذي كان حضوره دائما موضع حديث وممازحة مع قائد الزورق ومحرك المجاذيف عباس او ابنه وكنا نتلافي رفقته بنفس الرحلة عبورا لاننا كنا نستغل فترة العبور لقراءة ما سيجابهنا صباحا كل يوم في المختبرات في الكلية وهي اسئلة تحريرية قصيرة . كانت رحلة العبور تستغرق حوالي عشرة دقائق وبالرغم من قساوة البرد والمطر احيانا الا ان الرحلة كانت توفر لنا متاعب استخدام الباص رفم 16 الذي يصل التكارته مكتظا ويتطلب وقت بحدود نصف ساعة للوصول الى باب المعظم .

    

في مقهى شريعة بيت ارواك والجايجي حسن من اهل النجف كانت هناك مناضد محجوزة لرواد دائميين من هواة الدومنه والطاولي وكان على راس الفريق الوجيه عبد الواحد العياش بسدارته الفيصيلية وجمع من اللاعبين والمشجعين تسمع هيجانهم وصرخات المناداة للدوشش بين حين وآخر . وكانت مناضد الطلاب على جهة خلفية الدور منهم نزار الخوجه و وقاص حسن وطه السامرائي ورحيم حجي سعيد ومقداد الخوجه ومهند العاني وصادق السامرائي وكنا نتاخر ونستمتع بالبقاء بعد منتصف الليل حيث تكون المقهى قد خلت لنا بعد ان يترك حسن الجايجي لنا قوري شاي تخدير جديد على الفحم في الوجاغ لقاء 150 فلسا .

                

أذكر مرة انا كنا ثلاثة جالسين نتدارس وحدنا في المقهى ، فوجئنا بدخول ثلاث شباب بدشاديش بيضاء احدهم كان محمود وهو ضرير يقوده الشيخ كرم من( تنظيم عبد الرزاق شبيب في حينها ) وكان ثالثهم الرئيس السابق لاحقا صدام حسين (رحمه الله) ، واعتقد انه كان في حينها متخفيا عن السلطة ، وقفوا بالقرب منا ،وانتبه صدام في حينها على حجم كتب انكليزيه ضخمه فوق المنضدة فقال : شباب ، كتب مثل هذه الضخامة في الماده تحتاج الى ملخصات تقرأ قبل الامتحانات وليس الى سهر كحالكم .كانت هذه الحادثة أول لقاء لي بصدام حسين في الكرخ إذ سبق قبل ذلك ان تعرفت على محمود وشيخ كرم في المقهى نفسها .

من خواطر هذه المقهى انني في احد ايام العطلة الصيفية كنت جالسا مع زملائي في المنطقة فيها وكان الصديق حسن طوبان قد اعد لنا وجبة باجة من بيتهم مباشرة بالمناسبة قبل غروب الشمس ، وقد قرروا ان يسبحوا في النهر ونزعوا ملابسهم وحيث اني لم اكن قد جربت نفسي بالسباحة باستثناء ما اراه من حركات السابحين فقد اصريت على البقاء لوحدي بالرغم من نداءاتهم وتحدياتهم لي وانا اشاهدهم ، عندما خرجوا مبتلين الى القهوة هتف الزميل حلومي حجي سعيد يسقط الطب يسقط ارخميدس ، وين علمك بوجهي ، وبحالة تحدي ناديت البلام ونزعت ملابسي وقلت له خذني الى وسط النهر وفعلا قفزت هناك من البلم وبدأت افعل كما يفعلون واذا بي اقاوم انجراف النهر بصعوبة باتجاه خضر الياس ولولا مبادرة الزملاء بالإتجاه نحوي في زورق ربما لم أكن قادرا على الوصول الى جرف النهر ، ومع ذلك كان هذا الموقف الدرس الأول والأخير في تعلمي السباحة في الكرخ زاولت السباحة بعدها في بحيرات وانهار ونوادي بلا إشكال مع أن زملائي في حينها أشاعوا انهم لولا تدخلهم لكنت غارقا ولم يبق في المنطقة أحد لايهمس بمخاطرتي ونجاتي بإعجوبة حتى بين العوائل والجيران وما زال البعض يذكرني بها لغاية اليوم ، ذلك الشعور لم ينتابني أثناء تلك اللحظات مع أني كنت واثقا أنهم سيكونوا خط إسعافي عندما أفشل بالمحاولة ولولا ذلك ما خاطرت وأنا شاكرا لجهودهم . بشكل عام في حياتي العلمية والمهنية والإدارية وحتى السياسية والخطابية الان بعد الاحتلال ، أنا اعترف بأن روح المغامرة والمبادرة في سيرة حياتي تشكل عامل مهم في الطريق الى الإبداع عندما تكلل بالنجاح مع الاعتراف بأن كل من عمل معي كان يشكو من أني متعب لمعيتي في مسيرتي .

            

تقع مقهى ستوري في الجعيفر في منطقة زاوية جميله قبل الوصول الى مقهى القبطان وخصوصا عصرا وقبل الغروب وهي مقهى هادئة كهدوء ستوري وفي اليوم الذي أميل فيه الى الإنفراد مع النفس لمراجعة الذات كنت أختار هذه المقهى قبل الوصول الى مقهى القبطان متأخراً . في هذه المقهى تعرفت على الكثير من الفنانين لكثرة ما يتم تصوير هذه المقهى في أفلام ومسلسلات وثائقية .

مقهى الريفي لها طابع سياسي وكانت للتيار القومي وحركة القوميين العرب بالذات وكنت اسمع عن تواجد المرحوم باسل الكبيسي فيها أحيانا لكني لم ألتقيه رحمه الله لغاية اغتياله في باريس وشاء الله ان احضر مراسم تشييعه .

       

افتتحت مقهى القبطان حديثا مقارنة بالمقاهي الاخرى وكنا قبل افتتاحها نستخدم كورنيش العطيفية بين الجسر الحديدي وساحة قحطان العزاوي للقراءة ذهابا وايابا تتخللها جلسات على المساطب تحت ضياء الاعمدة وقد حدث ذات يوم ان افلت احد كلاب الحراسة من احد بيوت العطيفية باتجاه الكورنيش وعلى غفلة مني نهش عظلة ساقي اليمنى من الخلف قبل ان يستمر في هروبه ليضرب طالبا اخر ولاننا لم نستطع معرفة مالك الكلب للتأكد من عدم اصابته بداء الكلب فقد اضطرينا للذهاب يوميا الى معهد باستور لزرق 14 حقنة لقاح تحت الجلد ضد داء الكلب الذي كانت الاصابة به تعني الموت المحقق .

سميت بالقبطان لان المتعاقد على استغلال سطحية ارضها كان من عائلة القبطان الكرخيه وقد استمر بادارتها لأكثر من سنتين قبل ان يستلمها ابراهيم اليتيم ابو خليل وتم توسيعها بإضافة مساحة اخرى فاصبحت بالفعل كانها مكتبة او جناح دراسي تزدحم بأعداد كبيرة من الطلبة من مختلف المراحل ومختلف الكليات . تجمعنا كمجموعة طلبة من الكرخ تختار القبطان كمكان نموذجي للدراسة منذ اول افتتاحها لسعة حجمها وجمال موقعها ولطافة الجو بها كونها تقع اسفل الكورنيش على حافة النهر بعيدة عن الضوضاء وقد اخترنا منطقة قريبة من الجرداغ تظلها شجرة تكي منفردة لتكون موقعا لتجمعنا كان معنا الدكتور لاحقا طارق على العاني يسبقني بدورة في كلية الطب والضابط باسم محمد سعيد مصطفى الخليل وحقوقي آخر من بيت العكيلي وطه السامرائي ...

  

واتسعت المجموعة بشكل دائم حتى اصبح لها وجاغ خاص للشاي ممكن استخدامه حتى الصباح كما توفرت محلات صغيرة على الكورنيش توفر بعض الاكلات الخفيفة غضافة الى السمك المسكوف الذي يشترى حيا من زوارق الصيادين على جرف المقهى وفي ظل اجواء القبطان اكملنا الدراسة الجامعية لنتفرق بعدها كل الى موقعه الوظيفي الجديد مع اني لم انقطع عن زيارتها بين حين وآخر حتى بعد عودتي من انكلترا فإذي بالمقهى مقاهي ومطاعم وزوارق سياحية تمتد على طول الكورنيش والمنطقة تصبح شارعا مضيئا مكتظا بالرواد و وقوف السيارات ، فقدت معناها وعمقها الذي كنت أشعر فيه عندما كانت ذات طبيعة منفردة .

             

من ذكريات هذه المقهى هو اننا كنا نتناوب على جلب الخبز الحار من فرن اعاشه للخبز يقع قرب طرشي حنانش كان يهتم بتزويدنا بالخبز الحار واحيانا يضع عليه السمسم بسبب كون احد الطلبة كان مراقب اعاشة على الفرن المذكور وكان سعر الرغيف 4 فلوس وفي اليوم الذي كان على ان اجلب الخبز ذهبت مبكرا على دراجة كنا نستخدمها ولم تكن ضياء الصباح قد انبلجت بعد ،وحين وصولي ساحة الشهيد قحطان فوجئت بنباح احد الكلاب السائبة من البستان المجاور وهو يلاحقني وفي غضون دقائق اجتمع اكثر من خمسين كلبا بلا مبالغة على نفس الوتيرة من النباح واللحاق بي حتى انني لم اعد قادرا على وضع قدمي على كفتي الزنجيل خوفا من ان تنالها انياب الكلاب وكان الشارع خاليا ولم يكن لي من خيار الا الاستمرار بالمغامرة المخيفة والمتعبة واصبحت مسافة وصولي الى الفرن كانها اميال وحين وصلت الفرن هدفي المنشود منهارا ومنهكا ومرتعبا غارقا في التعرق رجعت الكلاب دفعة واحدة وانسحبت بشكل منظم دون اي صوت فيما حسبت وصولي الى الهدف بمنزلة التخرج من الكلية التي لعنت حظي على الدخول بها لحظات الرعب لم أعد الى زملائي الى المقهى إلا بعد أن أزاح الفجر كوابيس الظلام وبدأت حركة باصات المصلحة تنطلق من كراجها بمجاميع فارغة كل صوب منطقته ، وحين وصلتهم وقصصت لهم ما حدث لاموني على الذهاب مبكرا بدلا من مواساتي على ما لاقيته وانهال الجميع لتناول الخبز الحار مع استكان الجاي صباح ذلك اليوم الذي مازال عالقا بالذهن بسبب قصة الكلاب التي لا تقل رعبا وخوفا من قصة ذلك الجاموس الهائج علي في دربونة البستان التي التي حوصرت فيها .

  

ختاما أود ان اعطي مقارنة في الصور وما يكتب عن مقهى البيروتي اليوم في الجعيفر ومقهى البيروتي في باب السيف بالأمس مقارنة بين مقاهي بغداد في الماضي والحاضر .

مقهى البيروتي الحديثة في الجعيفر:

  

مقهى البيروتي

مقهى البيروتي تقع مقهى البيروتي في الجهة الغربية لنهر دجلة " كرخ بغداد " وتحديداً عند- نقطة التقاء محلتي الجعيفر والعطيفية،تم بناؤها عام 1978

نموذج مما كتب عنها في الكوكل :

  

مقهى البيروتي القديمة :

    

مقهى البيروتي ... وحكايات الزمن الجميل تقعُ مقهى البيروتي.. على الضفة اليمنى من نهر دجلة في جانب الكرخ، جنوبي جسر الشهداء، وقد نسبت هذه المقهى الى صاحبها الحاج محمد البيروتي. الذي نزح من بيروت ابان العهد العثماني واتخذ الحاج جانب الكرخ مستقرا ومقاما له منذ سنة 1897م وظل يدير هذه المقهى والتي صارت منتدى لوجوه بغداد وعلمائها وشعرائها من كل حدب وصوب وقد توفي الحاج محمد البيروتي سنة 1916، مخلفا ابنه ابراهيم وعبدالفتاح وقد احترفا حرفة ابيهما. وكان يزور هذه المقهى الشاعر الفقيه محمد سعيد الحبوبي، كانت مقهى البيروتي من اكبر مقاهي بغداد، حيث يرتاد هذه المقهى كبار التجار ورؤساء العشائر والاعيان ورجال الدين.

   

وكان الشاعر المعروف الملا عبود الكرخي من الرواد الدائميين لهذه المقهى. وخلال الاجتماعات التي شهدتها المقهى. حيث كانت تبحث القضايا العامة، وكم من وقفة سياسية قد اتخذت ضد سلطات ذلك العهد صدرت من روادها التي لم يكن زوارها من الكرخيين وحدهم ، بل ان الكثير من اعلام الرصافة كانوا يترددون عليها يوميا. فضلا عن زوار بغداد من المحافظات التي كانت تنطلق وسائل النقل اليها من جانب الكرخ. حيث وصف المرحوم جعفر الخليلي وصفا طريفا في كتابه “هكذا عرفتهم” قائلاً “اكبر مقاهي بغداد على الاطلاق، وكانت تقوم على الجسر من جانب الكرخ وتمتد على موازاة نهر دجلة، وخلفها يمتد سوق هو الطريق الوحيد الذي يسلك منه السالك الى القصور القائمة على نهر دجلة حتى السفارة البريطانية، ولم يبق اليوم اثر لمقهى البيروتي ولا للسوق وانما تقوم عليها بنايات وساحة لوقوف السيارات. وكانت مقهى البيروتي تعتبر بمثابة نادِ عام. وملتقى جميع التجار ومضرب موعد لجميع الذين يقدمون من خارج بغداد ومن جنوب العراق خاصة وكانوا يحملون معهم الكثير من الرسائل ويسلمونها الى ابراهيم البيروتي وهو بدوره يوزعها بين اصحابها من رواد المقهى. اما ما يتبقى من الرسائل فيصفها فوق “رف خاص بالرسائل” اوفوق صندوق الرسائل ليتسلمها صاحبها حين يمر بمدخل المقهى. كان التختان المتقابلان في مدخل المقهى مخصصين للشعراء والادباء امثال الملا عبود الكرخي والحاج مجيد مكية، ومحمد سعيد التكريتي وكاظم القهراوي وشكر الملا حسين وتوفيق الخانجي عم الاستاذ يوسف العاني ومحمود الحاج جواد الشكرجي وفائق التكريتي وداود الوتار. ولم تكن في عهد محمد البيروتي العاب الورق والدومينو والنرد والزار الصينية داخل المقهى وقد دخلت بعد وفاته وتولى ابراهيم ادارتها فانقلب جو المقهى من الهدوء والراحة الى صخب وضجيج ما اضطر عدد من روادها الى تركها والجلوس في مقهى اخر، وكان اول التاركين لهذه المقهى هو المرحوم فائق التكريتي حيث جاء في قصيدة الشاعر الملا عبود الكرخي المنظومة عام 1924م:

ترك “كهوة البيروتي”

الشهم “فايق التكريتي”

تركها، حق معاه قمار

بيها لعب ليل نهار

كال “الصاي” كال “الزار”

كال انطيني “صينيتي”

معاك الحق اخي “فايق”

على اقرانكم “فايق”

انا مثلك اخي ذايق

مرار، وانهزم نيتي

تسمع فقط حس صايات

تترادم على الميزات

وهرجه وضجه وللفوات الاحسن اكعد بيتي ولابد لنا ونحن نؤرخ لهذه المقهى الشهيرة من ان نقول انها كانت في الفترة التي سبقت انتشار الصحف سوقا ادبية ينتابها كل من لديه الرغبة في القاء كلمة او قصيدة في المناسبات الدينية والوطنية وغيرها. وفي تلك الايام ذر قرن المهاجاة العنيفة بين الشاعر الكرخي واعوانه وشاعر من جانب الكرخ وشلته. وكان لكل منهما رواية يتولى قراءة ما يستجد من شعره ضد الشاعر الخصم فكان فاضل الحاج عباس وهو شاعر شاب من “فحامة الكرخ” رواية الكرخي وهو البادئ بالتحرش بقصيدة من وزن “البند” اولها “الا يالعنة الله على الكرخي عبود” فاجابه الشاعر الكرخي بعشر قصائد اخزته الى يوم الدين حيث يقول فيها:

راوية عنده ها لمخنث “اسد”

اصفهاني عجمي طرطرلي هدد

كل نهاره يكوم يكعد بالبلد

صاحبه ينطيه شتمي بتسكره

ومما يجدر ذكره انه ممن هجاه الكرخي مع اسد العجمي في قصيدة تعد من روائع منظوماته الهجائية حيث يقول:

لاكتب اعلانات وانشر بالبلد

عن عمل “سلمان” واللوتي “اسد”

(اسد) لوتي من حثالة اصفهان

وصاحبه “سلمان ابن البهلوان”

كلا وجيه وحرامية من زمان

مثلهم بالبشر ما يوجد ابد!

            

الگاردينيا: للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى..النقر على الرابط أدناه:

http://www.algardenia.com/zamanmadejamel/5537-2013-07-24-06-53-37.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

768 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع