شقاوات بغداد في كتاب جديد...
بقلم : بغدادي
شقاوة بغداد كلمة اصطلاحية بغدادية مشتقة من قول الشاعر الكبير المتنبي:
ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله
واخو الجهالة بالشقاوة ينعم
ويبدو ان هذا البيت لخالد الذكر الشاعر العظيم ابا الطيب المتنبي ، حفّزت الزميل سعد محسن خليل ، امين سر نقابة الصحفيين العراقيين ، لبدء رحلة شيقة جميلة ، للبحث في جذور اشهر شقاوات الزمن الماضي ، فأصدر بعد بحث مضن ، الجزء الاول عن عدد منهم ، واعدا بالسعي لتقديم شخصيات جديدة في اجزاء اخرى ..
وكان الزميل سعد،اخبرني قبل حوالي عامين بعزمه على اصدار كتاب عن
( شقاوات ) العراق لشغفه بتاريخ بغداد ، والعراق عموما ، وقد اقترحت عليه في حينها ، الاستعانه بصديقي البغدادي الاصيل اللواء د. اكرم المشهداني ، لأهتمامه الشخصي من خلال اختصاصه الوظيفي السابق ، والاكاديمي بهذا المسار التوثيقي ، وقد وعدته بالاتصال بأخي المشهداني ، لهذا الغرض ، لكن الموضوع خرج عن نطاق خزان ذاكرتي ، فنسيت الامر ، غير ان عزم الزميل سعد ، كان اوسع مدى ، فدخل معتمدا على ذاته ، في دهاليز البحث عن ( الشقاوات ) ليخرج لنا بكتاب ، جميل ، ممتع للقراءة ، غني بالمعلومات الموثقة عن شقاوات الزمن الماضي ..
وفي تمهيده للكتاب ، ذكر المؤلف بان العرب يعشقون البطولة والشجاعة ، ويحترمون القوة ، لذلك حفلت اخبارهم واساطيرهم وحكاياتهم بالكثير من قصص الشجاعة والفروسية ، فكانت الملاحم العربية تعرض صورا شتى للبطولة الفردية ، وكانت تغريبة بني هلال وقصة سيف بن ذي يزن ومغامرات عنترة بن شداد وحكاية الزير سالم وغيرها من الملاحم العربية ، مبينة لنا بطولات فردية كان لها تأثيرها في التفكير الشعبي ..
اما في المقدمة ، فقد قال المؤلف بان كتابه جاء مكملاً لخزين المكتبة العراقية ، وهو عرض مفصل عن سيرة اشخاص ظهروا في المجتمع العراقي ابان العقود الماضية في اوساط بيئية خاصة كانوا يشكلون ظاهرة فردية او مجموعات صغيرة تعمل في اماكن خاصة بها ... كان البعض منهم " أفاقا " فيما كان البعض الاخر ، ويشكل الاكثرية نصيرا للفقراء ومدافعا عن الضعفاء .
ولم ينس الكاتب ، وهو يكتب عن شقاوات العرق ، لاسيما بغداد ، ان يأخذنا في جولة تاريخية شيقة عبر سنين طوال مضت ، مشيرا الى ما جاءت به ملحمة كلكامش من اشارات حول الموضوع ، وكذلك ما اشارت اليه شريعة حمورابي من مفردات قانونية ضد الشقاوات ، تصل الى جلوس على الخازوق عقوبة ضد الشقي ، وفي العصر الجاهلي اطلقت اسماء عديدة على الاشقياء منها ( الصعاليك ) او ( الشطار) او ( المخلوعون ) او ( الحفاة ) واكثر هؤلاء تصعلك لانه يرفض تقاليد القبيلة المهترئة ، وهو يغيث الطريد ويكرم الضيف ، ويحافظ على الحرمات من نحو " عروة بن الورد" وحاتم الطائي ، وثمة اللصوص وقطاع الطرق من نحو " السليك والشنفري "
ويسرح بنا المؤلف ، الى رحاب اخرى ، فيذكر شقاوات وجماعات الفتوة في اسيا الصغرى ، وعلاقة " بن بطوطة " بأشقاء انطاكيا .
ويذكر ان تسمية " الشقاوة " بعيدة كل البعد عن تسمية " البلطجية " التي شاع تداولها في الاعلام العربي بعد الاحداث التي اطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك ، فـ ( البلطجية ) هم اوغاد ولصوص وقتلة واصحاب سوابق لا يضبطهم اي وازع اخلاقي ابدا ، وانهم بالعكس تماما ، من تسمية الشقاوات او الفتوات ..
فالفتوة هي التي استهوت شخصياتهم الكثير من الكتاب ، ومنهم الكاتب الشهير نجيب محفوظ ، وربما كان مصطلح " حرافيش " مقارب الى الفتوات ، ولمحفوظ رواية شهيرة بهذا الاسم ، تحولت الى اكثر من عمل فني .
ومن اشهر شقاوات بغداد في الزمن الماضي :
عمران الشبلاوي ، عباس السبع ، طه ابن الخبازة ، صالح بن الدهان ، وحيد المصري ، ابراهيم الحوراني ، ممودي ، شاكر الخياط ، احمد قرداش ، ابن عبدكه ، خليل ابو الهوب ، محي مرهون ، جبار كردي ، سلمان جبر ، خليل لالو ، وموسى ابو طبرة وغيرهم ..
و تجدر الاشارة هنا ، الى رأي واستنتاجات علماء الاجتماع لظاهرة بروز الشقاوات ، حيث قال د. علي الوردي ان الاشقياء كانوا يحكمون المدن في العهد العثماني ، بل ان احدهم سيطر كليا على بغداد وطرد الوالي التركي .. ويضيف الوردي ان الشقي كان لا يتعرض للفقراء والضعفاء ، وكثيرا ما كان يساعدهم ماديا ، بعد ان ينتزع الخاوة من التجار والاغنياء ، والاشقياء في نظر محلتهم ، شجعان ذوو نخوة وشهامة ، يتولون حماية اهل محلتهم من الغرباء والدخلاء ، وفي ذات الوقت هم متمردون على النظام والقانون ، ولا يهابون الحكومة ..
وظاهرة الشقاوات ، برزت يوم كانت بغداد ليست بهذا الحجم من المناطق والمحلات ، بل كانت مدينة صغيرة في احيائها المشهورة ، ومنها في جانب الرصافة :
جديد حسن باشا ، باب الاغا ، الميدان ، الحيدرخانة ، العاقولية ، امام طه ، الدشتي ، السور ، الطوب ، قمر الدين ، البارودية ، المجارية ، البقجة ، سراج الدين ، باب الشيخ ، الصدرية الست هدية ، المهدية ، العوينة ، التسابيل ، قاضي الحاجات ، تحت التكية ، صبابيغ الآل ، راس القرية ، راس الساقية ، سيد عبد الله ، دلي عباس ، سيد سلطان علي ، الصابونجية ، فرج الله ، سوق الغزل ، قنبر علي ، دكان شناوة ، التورات ، ابو سيفين ، ابودودو ، السنك ، كهوة شكر ، الجوبة ، المربعة ، فضوة عرب ، الدهانة ، الخلاني ، القشل ، الفضل ، العبخانة ، الهيتاويين ، القراغول ، الفنارة ، العزة ، المرادية وغيرها ..
اما جانب الكرخ ، وكان يطلق عليه " صوب الكرخ " فقد كان يضم مناطق :
الجعيفر ، الشيخ معروف ، الشيخ جنيد ، الشيخ صندل ، الشيخ بشار ، الشيخ علي ، خضر الياس ، جامع عطا ، المنصورية ، جامع حنان ، الفحامة ، الفلاحات ، علاوي الحلة ، الست نفيسة ، بنات الحسن ، الدوريين ، التكارته ، الدهامشة ، المشاهدة ، باب السيف ، سوق الجديد ، سوق العجمي ، سوق حمادة ، والصالحية ، الشواكة ، الكريمات ومحلة الذهب وغيرها .
المرحوم/ صباح نوري السعيد
وتضمن كتاب الزميل سعد محسن ، معلومات مثيرة عن علاقة الشقاوات بالسياسيين العراقيين ، مثل علاقة صباح نجل السياسي نوري السعيد وغيره ، وحفل بأضواء على العديد من الشخصيات المؤثرة بحياة المجتمع العراقي ، كالمصارع الشهير الحاج " عباس الديج " و" خليل ابو الهوب " و " احمد قرداش " و " حامد البغدادي" و " كامل شبيب "و" حسن كبريت " و " ابن عبدكة " و " عباس السبع " و " موسى ابو طبرة " و " عبد الامير العجمي " و " جباركردي " و " محسن سهيل"وآخرين .
بعد ذلك ، لابد من الاشارة الى ان هذا الكتاب ، يعد اضافة مهمة الى المكتبة العراقية ، لأنه تناول حالة مهمة في حياة المجتمع ، ظلت ضائعة في مقالات وحوارات نشرتها صحف ومجلات متباعدة في ظروف متباينة ، وهي مفاتيح لدراسات اجدها ضرورية لتقييم مراحل مضت في حياة العراقيين ، ربما اسست لظواهر القت بظلالها على واقعنا الراهن ..
تحية لأبي احمد،زميلا وكاتباً.
729 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع