رواية طريفة من زمن المعارضة العراقية
اخترت لقرائي الأفاضل هذه الحكاية الطريفة من كتاب السيد باقر ياسين المعنون ( قول ما لا يقال عن المعارضة العراقية – وقائع وأسرار ) الصادر عام 2001 والذي يتناول فيه تسليط الضوء على بعض الحقائق والظواهر ذات البعد التاريخي والنفسي التي تلتصق بشخصية الفرد العراقي وانعكاس ذلك على عمل مختلف فئات وفصائل المعارضة العراقية ونشاطها في مرحلة ما قبل سقوط نظام الرئيس العراقي ( صدام حسين) من تشتت واختلاف مردها تنافر الاهداف والغايات واختلاف المراجع والارتباطات والتي استمرت ظاهرة للعيان لحين تحقق سقوط نظام (صدام حسين) بتاريخ 9/4/2003 ليس بفعل المعارضة العراقية بطبيعة الحال وإنما بقرار وفعل وجهد دول التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكنني استدرك لكي أؤكد بأن ذلك لم يتم بجهود الطرفين ( المعارضة العراقية وأمريكا) وإنما بفعل وقدرة الله سبحانه وتعالى جلت قدرته في خلق الظروف لتجعل من الرئيس العراقي متهوراً ومندفعاً ومتجاهلاً لكل الحسابات السياسية والعسكرية ومتحدياً لجبروت وقوة هذه الدول التي ليس من المنطق أو المعقول أن تقوم دولة مثل العراق في مجابهتها في حرب شاملة نتائجها الكارثية على العراق متوقعة بدون أدنى شك.
نعود إلى صلب الحكاية حيث يذكر السيد الكاتب في كتابه المنوه عنه أعلاه بأن السيد ( ناصر برواري) وهو من الشخصيات الكردية العشائرية المعروفة في محافظة دهوك , وكان عضوا في المجلس الوطني العراقي , ترك العراق في ثمانينات القرن الماضي واستقر في ألمانيا لاجئاً بعد تعرضه لبعض المشاكل والمضايقات من سلطات الحكومة العراقية وعلى خطى الأحزاب والمنظمات والشخصيات المندرجة ضمن الجهات المعارضة لنظام الرئيس العراقي (صدام حسين) أبرق السيد ( ناصر برواري) برقية من خلال السفارة الليبية في ألمانيا إلى رئيس الجماهيرية الليبية (معمر القذافي) يرجو فيها تسهيل أمر مقابلته له كشخصية كردية عراقية .
حصلت الموافقة بعد فترة قصيرة واستكملت الاجراءات اللازمة من قبل السفارة الليبية في المانيا لسفره الى طرابلس والتي وصلها واستقبل فيها وأنزل في احدى فنادقها الضخمة المخصصة للضيوف في هكذا حالات لحين تحديد موعد إجراء المقابلة مع الرئيس الليبي , استمر بقاء المذكور في الفندق مدة تقارب الشهر دون تحديد موعد المقابلة.
صادف وجود جماعة من العراقيين في نفس الفندق جاءوا أيضاً لنفس الغرض لمقابلة الرئيس الليبي ( معمر القذافي) إلا أن موعد مقابلتهم كان قد تحدد في اليوم التالي في الساعة العاشرة صباحاً وكانوا جالسين في صالون الفندق يتداولون ويتحاورون للاستعداد للمقابلة والمواضيع التي سوف يطرحونها وأسلوب الطرح وتوزيع المهام فيما بينهم وكان جالساً بالقرب منهم في طاولة مستقلة السيد ( ناصر برواري) مرتدياً الملابس الكردية المزركشة الجميلة ( شل وشبك) الجالبة للانتباه والخاصة بمنطقة بادينان – محافظة دهوك.
كان رئيس وأعضاء القيادة في الحزب المزعوم منشغلين في النقاش وإذا بأحدهم يرفع يده وينادي (نقطة نظام) وعند ملاحظتهم له توقف النقاش فبادرهم المذكور قائلاً : (( يا جماعة زين احنا راح نقابل العقيد قذافي باجر وانكَله إحنا حزبنا يمثل كافة مكونات الشعب العراقي ما راح يكَلنا أشو ما وياكم أكراد ))
أجابه المسؤول عن إدارة الجلسة (رئيس الحزب) :( شنو قصدك ؟)
( قصدي وهو يشير بيده إلى السيد ناصر برواري , ناخذ هذا الكردي ويانا)
( زين منو يكَول يقبل يجي ويانا)
( ما بيها شي نقابله ونحجي وياه)
وبعد الإذن لاثنين من أعضاء التنظيم وكان أحدهم صاحب المقترح , انتقلا الى طاولة المذكور وبعد السلام بادره قائلاً :( ها كاكا شكو عندك هنا؟)
أجابه ناصر برواري :( آني جاي من ألمانيا وأريد أقابل الرئيس الليبي (معمر القذافي) وصارلي شهر انتظر بهذا الفندق بدون نتيجة ).
(( زين أخويا إحنا باجر الساعة عشرة الصبح راح نقابله , تريد تجي ويانا)
بعد لحظات من التفكير أجابهم وبعد أن تيقن بأنها الفرصة الذهبية التي لا تعوض بالنسبة له وربما لا تتكرر – ( ليش لا - أجي وياكم )
انتقل معهما إلى الطاولة التي كانوا يجلسون حولها وبعد السلام والترحيب به والسؤال عن الصحة والأحوال.
رئيس الحزب :(أخويا الشيخ ناصر احنا باجر نقابل العقيد (معمر القذافي) ونريدك تحضر ويانا بشرط أن لا تتكلم شيئاً في الاجتماع وأن تؤيد كلامنا إن اقتضى الأمر باعتبارك تمثل إخوانا الأكراد في العراق وسوف ننطيك حصة من المال اللي نحصل عليه بعد هذا اللقاء)) وبعد أن وافق على الحضور معهم أبلغوه بالاسم الذي اختاروه للتنظيم الذي يمثلونه وبعض المعلومات الوهمية عنه.
في اليوم التالي حضروا جميعاً الى ذلك الاجتماع وكان معهم أحد السفراء الليبيين في إحدى دول المنطقة وكان هو الوسيط الذي رتب لهم اللقاء مع (العقيد القذافي) , وبدؤوا بالكلام فتحدثوا عن قدراتهم الكبيرة الهائلة داخل العراق وملايين العراقيين المؤيدين لهم , ووزعوا الأدوار بينهم فكل مندوب يمثل جزءاً من العراق فهناك مندوب يمثل الجنوب وآخر يمثل الوسط وثالث يمثل الشمال وآخر الغرب أما الاكراد فيمثلهم السيد (ناصر برواري) وكان كل واحد منهم ينطق باسم بضعة ملايين من سكان العراق من أبناء المدن والعشائر وأنهم مستعدون إذا تمت مساعدتهم القيام بإسقاط نظام (صدام حسين) بعد أن تحدث الجميع وأفرغوا ما بجعبتهم من كلام وسيناريو موضوع لم يقتنع الرئيس الليبي بمصداقيته والتفت الى السيد (ناصر برواري) الذي يفترض أنه يمثل الشعب الكردي بأكمله في العراق وكان الوحيد الذي التزم جانب الصمت حيث دفعه فضوله لسماع رأيه ووجهة نظره عن هذا التنظيم وما أورده رفاقه فيه من معلومات , مبادرة الرئيس الليبي أقلقت الجماعة وحاول بعضهم اختصار الجلسة بحجة عدم ارهاق الرئيس أو الإطالة عليه لكثرة اشغاله إلا أن العقيد أوضح لهم بأنه مرتاح وليس لديه أية مواعيد وطلب من السيد (ناصر برواري) الكلام والذي وجدها فرصة لا تعوض وبدأ الكلام قائلاً : (( الأخ العقيد أنا لا أعرف ولم اسمع باسم هذا التنظيم الذي يتحدث عنه الإخوان والمعلومات التي أوردوها غير صحيحة وهم لا يمثلون إلا أنفسهم وغايتهم الكسب المادي لا غير ... )) استغرب الرئيس الليبي من كلام ممثل الأكراد في هذا التنظيم وسأله : (( اذا كان المذكورين بهذه المواصفات التي ذكرتها فلماذا حضرت معهم))
أجابه : (( بعد أن طال انتظاري وخابت آمالي في لقاء سيادتكم واتصال المذكورين بي في الفندق وعرضهم علي مصاحبتهم الى هذا اللقاء لأمثل الأكراد باعتباري كردياً واشترطوا علي أن لا اتكلم وأنا لا أملك هذه الآلاف من المقاتلين الأكراد الذين يتحدثون عنهم ... وإذا كنا جميعاً نملك كل هذه القوة البشرية وهذه الأعداد الهائلة من المقاتلين في الجنوب والغرب والوسط والشمال وكردستان لأسقطنا نظام (صدام حسين ) في بغداد دون الحاجة لمراجعة سيادتكم لطلب المساعدة )).
كلام السيد (ناصر برواري) جعل الرئيس الليبي يغضب من السفير الليبي ويوبخه بكلمات قاسية ومهينة واعتبره مشاركاً عن قصد في الكذب عليه وخداعه عندما جلب هذه المجموعة من الكذابين اليه وأقنعه بمقابلتهم , أثنى على السيد (ناصر برواري) باعتباره الصادق الوحيد بينهم
وأوعز الى (قذاف الدم) الذي كان حاضرا الجلسة بتلبية جميع طلباته ومساعدته أما رئيس وأعضاء التنظيم المزعوم فقد خرجوا من خيمة (القذافي) وهم يجرون أذيال الخيبة ويلعنون اليوم الذي قرروا فيه استصحاب هذا الكردي الذي ضربهم بوري عراقي أصلي واللوم والتقريع على صاحب المقترح وجماعته الذين كانوا يعتقدون بأن السيد (ناصر برواري) كردي ساذج ويمكن التحايل عليه وعلى ضوء النظرة التي كانت سائدة بين العراقيين عن الأكراد وسذاجتهم ..
وعن هذه النظرة والفكرة يذكرالسيد الكاتب الساخر(خالد القشطيني) في كتابه الموسوم (الظرف في بلد عبوس) بأنه وبعد كل ما نطق به العراقيون من نكات تستخف بالكرد وبسذاجتهم انتهى بهم المطاف بوجود رئيسين كرديين في العراق أحدهم رئيساً لجمهورية العراق وآخر رئيساً لإقليم كردستان.
كما أن هذه الحكاية التي سردناها عليكم وأملي أن تكون قد نالت إعجابكم وتنفي هذه الصفة عن الأكراد الذين ربما الصقت بهم هذه الصفة (السذاجة) في عهود اضطهادهم وبسبب وضعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والذي تغير بمرور الزمن وكان من تداعيات ذلك التخفيف من هذه النظرة عن الأكراد والانصراف والتوجه الى فئة أخرى من المجتمع العراقي ووصفهم بالسذاجة وظهور (النكتة الدليمية).
حالة المعارضة العراقية والتي أصبحت وريثة (صدام حسين) في حكم العراق ظلت على حالها من التشتت والاختلاف وليومنا هذا ووضع العراق السياسي والاقتصادي المتردي خير شاهد على ما نقول.
1008 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع