يونس بحري .أسطورة حقيقية !!
يونس بحري ،شخصية عراقية مثيرة للجدل ، وسواء اختلفنا مع ميوله السياسية ( النازية) او أيدنا كرهه للاستعمار البريطاني ، فان في حياته الصاخبة وافعاله الغريبة ما يدعو لدراسة هذه الشخصية دراسة شمولية ، لان صاحبها لم يكن الا شخصا عجائبيا ، فريدا من نوعه وقل نظيره ، ولو اردت ان اسرد كل الذي قرأته و سمعت عنه فان الامر يحتاج الى مجلدات ومجلدات !!
ولد يونس صالح خلف الجبوري عام 1903 في الموصل شمال العراق وينحدر من اكبر العشائر العراقية العربية وهم (الجبور) ، و تدرج بدراسته ودخل دار المعلمين العالية عام 1921ولم يكمل دراسته فتعين بوظيفة ادارية بوزارة المالية لسنتين ، غادر بعدها العراق عام 1923 سائحا متجولا في ارض الله الواسعة .
كان طويل القامة ، رياضي الجسد ، اشقر الشعر ازرق العينين ، ذو صوتي جهوري هادر كالصاعقة ،امتهن عشرات المهن غير انه لم يجد نفسه الا من خلال الكتابة والصحافة والاذاعة،فاصدر صحيفة (العقاب) وهو اسم غريب لصحيفة سياسية !! وبلغت كتبه زهاء الاربعين كتابا كان اولها (العراق اليوم) الذي صدر عام 1924 .
عمل في الهند بعد خروجه الاول من العراق منتصف العشرينيات بثلاث مهن لا يشبه احدها الاخر ، راهبا في النهار ، وراقصا في ملهى بالليل ، و كان يجد فسحة من الوقت ليعمل مراسلا صحفيا بين الوظيفتين ، فاصدر من هناك مع الاديب الكويتي عبد العزيز الرشيد مجلة (الكويت والعراقي) .
ولا احد يعلم بالضبط كيف استطاع لاحقا ان يصبح مفتيا لجمهورية اندونيسيا !! ، ومرة جاءه احد الاندنوسيين مصطحبا معه فتاة في غاية الجمال يريد من يونس المفتي ان يوثق له عقد الزواج فما كان من يونس بحري (وهو الذي وضع عينه على الفتاة) الا ان افهم الرجل وكان مسنا ودميما انه لايجوز عقد قرانه عليها شرعا لانه رجل مسن وهي شابة ... فما كان من الرجل الا ان يصدقه لانه (المفتي !) ، وتزوج يونس بحري بهذه الفتاة بعد ساعات قليله من فتواه !!
كان يتقن (16) لغة عالمية اتقانا تاما منها الانجليزية والفرنسية والالمانية والروسية وغيرها عدا اتقانه اللهجات واللغات المحلية مثل الموصلية ولهجات اهل الانبار والجزيرة و اللغة الكردية والتركمانية والاثورية والخليجية والعمانية واليمنية والشامية ولهجات مصر والسودان واقطار المغرب العربي وحتى اللغة السواحيلية والامازيغية ، ويقال انه كان يفهم العبرية أيضا !!
ووصل عدد زوجاته حسب بعض المصادر الى 40 زوجة وهناك من قال ان الرقم هو 80 زوجة من مختلف بقاع العالم التي ارتحل اليها وله منهن ما يقارب 100 ولد وبنت !! ومنهم الدكتور المسرحي سعدي يونس والدكتورة عالمة النفس منى يونس والدكتور الاخر لؤي يونس ...
وفي احد المواقف مع الملك عبد العزيز ال سعود حدث ان جاء من يبشر الملك بمولوده (الثالث والستين) فضحك الامير فيصل بن عبد العزيز(الملك لاحقا) فسأله والده عن سبب ابتسامته فاجاب الامير فيصل : يبلغ عدد اولاد يونس بحري 64 !! فساله الملك عبد العزيز هل هذا صحيح يا يونس ؟ فرد عليه يونس بحري قائلا : الذكور منهم فقط يا طويل العمر!!
في منتصف الثلاثينيات وصل في احدى جولاته السندبادية كسائح الى الساحل الذي ينطلق منه سباحو العالم لعبور بحر المانش ، فتقدم يونس باسمه وكان معه علم العراق ودخل المسابقة قبل ساعة واحدة من بدئها دون تحضير مسبق ودون اية ترتيبات تتطلبها مثل هذه المسابقة الشاقة ، فعبر يونس البحر سباحة الى الضفة الاخرى من البحر وفاز بالجائزة الاولى مسجلا سابقة لا مثيل لها مما خلق لدى المدربين واللاعبين دهشة كبرى وهم يرون ان (طارئا) خطف منهم الميدالية الذهبية ولم يكن الطارىء سوى يونس الذي اضيف الى اسمه لقب لقب (بحري) منذ ذلك اليوم !!
صادق ملوكا ورؤساء ومشاهير ، ضحك على البعض منهم ، وتآمر على البعض الاخر، واخلص لمن كان يحبهم حقا ومنهم القائد الالماني هتلر الذي منحه رتبة مارشال وهي ارفع رتبة عسكرية المانية ولم يكن يمنحها لاحد بسهولة فماذا يا ترى قرأ يونس بحري في رأس هتلر ووزير دعايته الدكتور غوبلز !!
كان صديقا مقربا للفريق بكر صدقي ، وهو الذي حرضه على القيام بانقلابه العسكري ضد حكومة ياسين الهاشمي عام 1936 الانقلاب الذي اذهل البريطانيين الذين صدموا بهذا الانقلاب بعد سنوات من صدمتهم الاولى والقاسية اثر مقتل قائدهم الانجليزي (لجمن) حاكم العراق على يد الشيخ ضاري بواسطة (مكوار مصنوع من عصى غليظة وبرأسها كومة قير) في واقعة ثورة العشرين المعروفة التي الهبت حماس العراقيين ضد الاحتلال البريطاني للعراق !!
دخل يونس معترك السياسة كمعلق صحفي وإذاعي في بداية الثلاثينات قبل تتويج الملك غازي الأول ملكاً علي العراق اذ كان أحد أصدقائه المقربين لان الميول السياسية للملك غازي كانت منسجمة مع ميول يونس المتمثلة بمعادة سياسة بريطانيا والانحياز الي حكومة (الرايخ الثالث) أي حكومة (هتلر).
وكان يونس بحري أول مذيع قدم الملك غازي (حكم من 1924-1939) من إذاعة قصر الزهور في بغداد ، وقصة هذه الإذاعة أن الملك غازي كان مصوناً غير مسؤول ولا يمكن للمندوب السامي التدخل في شؤونه الخاصة ، وعن هذا السبيل استطاع يونس بحري بصوته أن يعبر عبر هذه الإذاعة عن أراء الملك الشاب غازي ، و استطاع الملك غازي نفسه أن يعبر عن آرائه من خلال هذه الإذاعة وبصوت يونس بحري ذلك الصوت الجهوري المزلزل !!
وعند اغتيال الملك غازي كتب يونس قصة مقتله في إحدي الصحف وقام بنفسه بتوزيع نسخ الصحيفة علي دراجة نارية موضحاً أن عبد الإله ونوري السعيد تآمرا مع الإنكليز واغتالوه ، ولكن بعد ادراكه خطورة ما فعل اتفق مع القنصل الألماني في بغداد علي الهرب خارج العراق.. فوصلت إلى بغداد طائرة ألمانية تحمل وفداً صحافياً وعند هبوط الطائرة صعد إليها يونس على اساس انه صحفي لمقابلة الوفد فعادت الطائرة الي التحليق متجهة إلي ألمانيا.
اشتغل بحري في برلين مديرا لاذاعة برلين العربية ، وكان يفتتح الاذاعة بعبارته الشهيرة (هنا برلين حي العرب) ، واستطاع ان يقنع هتلر باذاعة ايات من القران الكريم عند افتتاح البث وفعلا نجحت هذه الخطة باستقطاب الالف المستمعين العرب الامر الذي اثار غيرة اذاعة بي بي سي البريطانية التي (اضطرت) الى اللجوء لنفس الطريقة التي ارساها يونس بحري !! وطبعا كعادته الغريبة في مزاولة اكثر من عمل بان واحد ، لم يمنع عمله بالاذاعة من ان يكون مؤذنا لجامع باريس في برلين ويؤم المصلين للصلاة !!
واذا كان يونس بحري قد لقب بالسندباد العراقي فلأنه جال العالم اربع مرات شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا ، وطافت شهرته الآفاق ، وترك بصماته واثاره بكل مكان حل فيه ، عاش حياته بالعرض والطول ولكنه مات وحيدا في بغداد عام 1979 ودفن بهدوء في مقبرة الامام الغزالي كأي فرد مغمور وتلك من سخرية الزمن ومفارقات الاقدار!!!.
الكاتب:د. كامل خورشيد
789 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع