أمر رئاسي بالزواج
كان بيتنا في بغداد مجاور لبيت المرحومين عبد السلام وعبد الرحمن محمد عارف في منطقة سوق حمادة في الكرخ في بغداد !، فقد كنت اصغر منهما بكثير .... مضى قطار العمر وصاركل من عبد السلام وعبد الرحمن ضباط في الجيش العراقي وسكن عبد السلام في الاعظمية بينما سكن عبد الرحمن في حي اليرموك.
شارك عبد السلام في انقلاب 14 تموز وصار كما هو معروف نائب لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية ونائبا للقائد العام للقوات المسلحة ثم اقصاه عبد الكريم قاسم من منصبه واعتقل وافرج عنه وأخيرا صار رئيسا للجمهورية بعد انقلابه علي البعثين في 18 تشرين 1963
اما انا فقد اكملت الدراسة الثانوية ودخلت في كلية الحقوق ( القانون ) الدوام المسائي وتوظفت وانا طالب في وزارة المالية .
في يوم من الايام زار وزارة المالية الرئيس عبد السلام وشاهدني في الوزارة وسلم عليَ وعلى والدي وعائلتي!!
ثم سألني عن وظيفتي ومؤهلاتي ؟ !
قلت له انا تخرجت من معهد وحاليا ادرس في كلية الحقوق ( القانون ) في السنة الثالثة
التفت الى المرافق وقال له ( أخذ الكونية مالتة )
لم اكن اعرف معنى الكونية الا بعد ان دون المرافق اسمي وعنواني ودراستي ووظيفتي ومعلومات اخرى عني...ثم قال لي نحن محتاجين الى خدماتك في ديوان رئاسة الجمهورية وسيصدر امر بنقلك !
بعد اسبوع تم نقلي الى ديوان الرئاسة وباشرت عملي
تم ادخالي عدة دورات في اصول التشريفات وكيفية استقبال وتوديع الشخصيات واقامتهم ومقابلات الاشخاص لـ رئيس الجمهورية وغيرها من المهمات في التشريفات والعرف الدبلوماسي!
تمرست في مهنتي هذه وصرت اقيم دورات تدريبية في هذا المجال لمختلف الشخصيات !ومنهم مسؤلين كبار ومدراء عامين..
بقيت في هذه المهنة حتى بعد ان توفي عبد السلام في حادث الطائرة كما هو معروف .....وبعد ان صار عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية كنت اقوم بنفس المهام التي كنت اقوم بها في زمن المرحوم عبد السلام ...
خلال هذه الفترة كنت مثل كثير من الشباب في ذلك الوقت نشرب ونسهر في مكانات مختلفة وكان عندنا ( جرداغ ) قرب نهر دجلة نسهر فيه !!
كانت العوائل المحافظة القريبة من الجرداغ تتضايق من تصرفاتنا ولم نكن نهتم لذلك لاننا مستمدون قوتنا المزيفة والباطلة من كوننا موظفين في ديوان الرئاسة !!
وصل خبر شكوى الاهالي بدون علمنا الى السيد الرئيس المرحوم عبد الرحمن محمد عارف !
وفي يوم من الايام تبلغنا جميع الموظفين ( الرجال فقط ) بحضور اجتماع مع الرئيس في الساعة الثانية بعد الظهر ؟
دخلنا الى قاعة الاجتماعات وفي الموعد حضر الرئيس وجلس في المكان المخصص له , ثم أبتدأ الكلام وقال
( المتزجون يجلسون على اليمين في القاعة والعزاب على اليسار!! )
جلسنا نحن العزاب على اليسار ! .... وكان عددنا ثمانية ثم سألني ( فلان كم عمرك ؟ ) قلت له سيدي 28 سنة ..... سكت قليلا ثم قال:
( انتم العزاب مجازين اعتبارا من يوم غد براتب تام وبدون ان تستقطع هذه المدة من رصيد اجازاتكم !! ثم سكت قليلا ثم قال هذا اولا اما ثانيا فبعد انتهاء الاجازة تأتون الى الدوام وانتم متزوجون والذي لا ينفذ يعتبر نفسه مفصولاً !! ).
وثالثا خلال اسبوع من الان كل واحد منكم يزودنا بأسم البنت التي سوف يتزوجها لكي نزودكم بالموافقات الاصولية للزواج ....اما مسألة الجرداغ والمسائل المكسرة فسيكون الحساب حساباً عسيرا اذا تكررمنكم ذلك !
طبعا وقع الخبر علينا وقع الصاعقة ! كيف وصل الخبر الى الرئيس ؟! كيف سيتم الزواج خلال شهر ؟ !!
ذهبت الى البيت وانا في دوامة مما حصل وحكيت الموضوع للوالد والوالدة رحمهم الله تعالى .... الوالدة طارت من الفرح اما الوالد فقال ( انا اليوم اشوف الرئيس في صلاة العشاء في جامع المأمون وسوف اتكلم معه لغرض تأجيل الموضوع قليلا )..
شاهد والدي الرئيس عبد الرحمن في صلاة العشاء في جامع المأمون وتكلم معه فقال له الرئيس ( خلي يتزوج خلال شهر ترة مصخوها )
قام الاهل بخطبة بنت الحلال من الاقارب وقمت بتدوين وابلاغ البيانات عنها في الموعد المحدد وجاءت الموافقة بنفس اليوم!!
وبعد اكتمال الشهر باشرت بالوظيفة وانا متزوج وخارج من خانة العزوبية مع جماعتي السبعة الاخرين !
بعد يومين من المباشرة قدم لنا السيد الرئيس مكافئة لكل واحد منا مبلغ مقداره تسعون ديناراً علما بان سعر مثقال الذهب في ذلك الوقت اقل من دينارين ونصف وان سعر غرفة النوم بين مائة وثمانون و مائتا دينار !!......
رحم الله الرئيس عبد الرحمن فقد كان مثال الرجولة والاخلاق العالية..
المصدر: المهندس/ احمد السامرائي
546 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع