مذاكرات صحفي :حكاية ( الفيلسوف ) وإبنه البار...!!
في أحدى ألأمسيات في بدايات ثمانينات القرن الماضي كنا جالسين في قاعة الاستقبال في جمعية الثقافة الكردية في بغداد وكان الحاضرين على ما أتذكر هم الزملاء : محمد صالح البرزنجي و عبدالوهاب الطالباني و الشاعر الراحل محمد البدري عندما حضر المرحوم الدكتور عبدالستار طاهر شريف ( كان رئيس الجمعية ) ومعه رجل في عقد الخمسين من العمر ‘ وفأجئنا بالقول : حضرت لكم أبن الاستاذ والفيلسوف الكردي الراحل ( بشير مشير ) وهو أبنه البكر السيد شامل بشير مشير ‘
وتم قبوله عضواً في الجمعية وعين ايضاً كأحد العاملين في ادارة النادي الخاص للجمعية ‘‘ وقبل أن أتحدث عن ذكريات ( بشير الابن ! ) لابد من الحديث على والده الفيلسوف ...!! فهو كان خياطاً يعمل في (دكان صغير) في الحيدرخانة – شارع الرشيد في بغداد فى بداية الخمسينات و نهاية ستينات القرن الماضي ‘ وبتشجيع من المثقفين الكرد الذين كانوا يحبونه جداً ويعتبرون أنفسهم مريدوا لاستاذ !! تحول دُكانه الى مكتبة لعرض الكتب وبيع الصحف ...يتحدث عنه أحد هؤلاء المريدين عنه ويقول : (لم يكن شاعرا او كاتبا او صحفيا أو حتى مثقفا او متعلما على درجة من المعرفة العلمية ، و لكنه كان يمتلك تلك الموهبة النادرة التى يفتقر اليها معظم المثقفين وهى السخرية اللاذعة و روح الفكاهة و الدعابة ، حيث لم يكن يمر اسبوع من دون أن تظهر للوجود احدى حكاياته الساخرة او دعابة من دعاباته و نوادره التى كانت تنتشر بين المثقفين الكرد المقيمين فى بغداد انتشار النار فى الهشيم و منها تنتقل الى مدن كردستان . و الطريف فى الأمر ان بشير مشير كان يطلب من أصدقائه الكتاب و الصحفيين الكرد تدوين حكاياته اللاذعة و قصصه الساخرة و الفكاهية المعبرة عن آرائه القومية و نشرها فى صحف بغداد بأسمه ).
يتحدث موقع ( كوردبييديا) عن ( الأستاذ) ويعرفنا به قائلاً :
( يقال عنه أنه لم يكشف شيئاً عن نشأته الأولى سوى بعض الأداعاءات التي كانت من بناة أفكارالاستاذ ‘ مثلا إدعائه بأنه تخرج من كلية الاركان الحربية في أسطنبول وكان يحمل رتبة مشير أبان الحرب العالمية الأولى ‘ أوإدعائه بأنه كان يعمل مهندسا في مشروع سكك الحديد المشهور (بغداد – برلين ) ويتقن اللغة الالمانية ولكن نسى تلك اللغة فيما بعد كما كان يدعى ‘ ومن حكاياته المشهورة أنه ذات مرة كان يتحدث عن نضاله من أجل تأسيس الدولة الكردية ومن اجل ذلك ذهب من طهران الى اسطنبول على ظهر باخرة فقاطعة أحد جالسين : أستاذ لايوجد بحر بين طهران و اسطنبول فكيف سافرت بباخرة ؟ وبخه قائلاً : أنت حضرتك لاتفهم ! الاتدري أني أتحدث عن أكثر من خمسين سنة ولا اتحدث عن المنطقة الأن ..؟ )
فى أواخر الخمسينات لم يكن أجمالى عدد السكان الكرد فى أجزاء كردستان وفى البلدان الأخرى مجتمعة يزيد عن(20 ) مليون شخص و لكن بشير مشير كان يصر على القول ان العدد الأجمالى للسكان الكرد فى العالم لا يقل عن ( 50 ) مليون نسمة! و كان أصدقائه من المثقفين الكرد يقولون له ان هذا العدد مبالغ فيه يا أستاذ بشير ولكن يرد عليهم بالقول :
( ان عدد نفوس الصين أكثر من مليار نسمة ، فهل يعقل ان لا يكون بينهم ثلاثون مليون كردى ) !!!!!.
لنعود الى ابن الفيلسوف السيد (شامل ) ‘ بعد ان تعين في الجمعية ‘ كان يحضر كل يوم للدوام من الساعة الرابعة مساءً حتى العاشره ليلاً ‘ وفي احد الأيام ‘ كنت مع الزميل محمد زهاوي في قاعة مكتبة الجمعية نرتب بعض الكتب الجديدة ‘ جاءنا السيد شامل بعد السلام فاجئنا بسؤال (علما انه لم يكن يجيد اللغه الكرديه اطلاقا):
-تسمحو لي اشوف مؤلفات ابويه .....؟!
تبادلنا نظرة التعجب ‘ بعدها قلنا له :
تفضل ‘‘‘
وبدء البحث وتقلب الكتب والعناوين ... دون جدوى ونحن نراقبه ... بعد أن لم يحصل على نتيجه قال بنبره حزينه
-ماكو ولا كتاب ..‘‘
بعد ذلك قال وبنوع من الثقة :
-أكيد باگو ... أكو يبوگون مؤلفات مشهورين يستفادون منها .....!
بعد مرور فترة وفي سهرة من سهراتنا الليلية في بغداد تحدثت عن هذا الحدث وكان معنا الاستاذ الراحل العلامة جميل روزبياني ‘ فهو ايضاً روى لنا ذكرى عن (شامل ) أبن الفيلسوف بشير قائلاً :
( في احدى الأيام ومعي الشاعر هزار موكريانى ‘ كنا جالسين في مكتبة الاستاذ وعند الظهر ذهبنا لنتغدى في مطعم كان بجانب المكتبة ‘ وكان شامل طفلاَ بعمر 6 سنوات على ما أعتقد في المكتبة فأخذناه معنا ليتغدى ‘ وبعد الغدا انا دفعت وبقى من المبلغ خمسون فلساً ( درهم ) اعطيته لشامل وخرجنا من مطعم ‘ وقفنا امام المطعم نشرب شاى بعد ذلك لاحظنا ‘ أن شامل اختفى ‘ نظرت الى داخل المطعم رأيته جالساً وامامه ماعون شوربا ويأكل ...!! فدخلت المطعم وقلت له :
-انت موهسه اكلت معنا ؟ فرد عليه والاكل في حلقة :
-لعد أني شأسوي بدرهم مالك ياعمو .....!!!!
فضحكنا وقلنا : أن هذا الشاطر من ذاك الفيلسوف .....!!
الگاردينيا: الصورة لأحد خياطي شارع الرشيد...
584 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع