نبراس الذاكرة:مهن قديمة مارسها البغداديون واجتهدوا فيها منذ عشرات السنين لتظل تقاوم قفزات التطور التكنولوجي الذي بات يسيطر على مفاصل الحياة ..
ومنها تصليح الراديوات القديمة (ابو اللمبة) الذي تعرف عليه البغداديون العام 1911 عندما بدأ يظهر في الحياة العامة من خلال صالات السينما
وكان قد سبقه في الظهور (الفوتوغراف) الصندوق المغني وهو صندوق كان يذيع الاسطوانات الموسيقية (ام السيم) قبل ان تظهر بشكلها البلاستيكي بعد العام 1925 والراديو (ابو اللمبة) الذي اقتصر
استعماله على النخبة من الحكام وادارتهم الحكومية لم يكن قد سمع به الكثير من العامة الا بعد العام 1925 اي بعد ثلاث سنوات على تشكيل الحكومة العراقية.
فقد تجمهر يومها سكان بغداد وتركوا بيوتهم ليجتمعوا في الساحات التي نصبت فيها اجهزة الراديو للاستماع اليها وكان البعض غير مصدق ان هذا الصندوق الخشبي يمكن ان ينطق ويغني بمجرد تحريك المؤشر فيه ليأتيك باخبار الدنيا ويذكر المؤرخون أن أول مقهى نصب جهاز راديو كانت تبث من خلاله التراتيل القرآنية المسجلة يعود للحاج عبد العزيز الذي أسس مقهاه في محلة الفضل في جانب الرصافة العام 1932.
محال تصليح قديمة
يروي السيد حميد 74 عاماً والذي ظل يمارس مهنة تصليح انواع الراديوات القديمة ومنها (ابو اللمبة) منذ خمسينيات القرن الماضي حكايته قائلاً :
كان المهندس عباس بابان والذي يملك محلاً للتصليح امام مبنى وزارة الدفاع العام 1945 وبعد انتهاء الحرب تسلمت مهمة تصليح الراديوات وصناعة المكبرات الصوتية وكان أول مكبر للصوت تمت تجربته بحضور الملك فيصل الثاني وهو يلقي خطاب العرض الذي اثنى كثيراً عندما سمع صوته يدوي في القاعة.
ويتابع السيد حميد مستذكراً لقد ربطتني الكثير من العلاقات مع المسؤولين في الدولة بسبب تحولهم الى زبائن دائمين ابرزهم السيد محمد الصدر رئيس البرلمان العراقي ابان النظام الملكي كذلك رئيس الوزراء الاسبق نور الدين محمود ومع عدد من المسؤولين الذين تعرضت راديواتهم العطب فقد كان صاحب (الراديو) يدفع ضريبة للدولة عند امتلاكه كما يحصل على اجازة مقابل نصف دينار سنوياً وهذا الامر جاء بسبب الصراع بين المانيا ودول المحور الذي انعكس على العراقيين بعد ذلك.
أول راديو
وعن اول راديو وصل للعراق تابع مصلح الراديوات مضيفاً كان من نوع (فيلبس) وقد استورده اليهود في العراق كذلك نوع (سيرا) وقد قاموا بتوزيعه وبيعه للدوائر الحكومية والوزارات بالتقسيط.
كذلك وصلت بعدها انواع اميركية ابرزها (أركسي اي) (ورتر فويس) وهو انكليزي ويحمل علامة (الكلب) التي تميزه.
جديد وقديم
وعن الفرق بين راديوات اليوم والامس قال ان القديم كان يخزن المحطة وموجاتها عبر عين سحرية ورغم وجود محطات الاثير والاقمار الصناعة الان الا انه يظل محافظاً على مكان المحطة ولا يعترف بشيء اسمه (التردد) لأن اللمبات لايمكن ان تؤثر عليه اما الان فراديوات (الترانستور) تتأثر بالمطر وشبكات التشويش ويضرب على ذلك مثلاً حيث يقول : حين ضربت اسرائيل المفاعل النووي العراقي مطلع الثمانينيات سكتت جميع الراديوات الحديثة الا القديمة وابو اللمبة الذي لم يتأثر بتاتاً وظل يبث بشكل طبيعي لأن الالكترون لا يخترق الزجاج وهذا سر صنع الراديو القديم.
انتيكة دائمة
السيد حميد الذي يملك الان محلاً للتصليح في منطقة سوق هرج تحدث لزبائنه الجدد قائلاً لدي العشرات منهم الذين يطلبون اعادة (ابو اللمبة الى الحياة) وخاصة كبار السن الذين يعدوه (انتيكة منزلية) لا يمكن التفريط بها وقد زارني في الاشهر الاخيرة عدد من العراقيين الذين كانوا في الخارج طالبين مني تصليح ابو اللمبة الذي بدأت قطع غياره بالاختفاء كذلك زبائني في عدد من المحافظات الشمالية والجنوبية.
عشق المهنة
اما مصلح راديوات (ابو اللمبة) مشتاق جاسم محمد والذي يمتلك ورشة للتصليح في سوق هرج فقد تحدث عن عشقه في مزوالة المهنة منذ العام 1993 قائلاً بعد احالتي على التقاعد ولكوني خريج السلك للتدريب المهني فقد وجدت مهنة التصليح قريبة الى نفسي لاني اعشق الكرامات وتصليحها ومن هنا بدأت علاقتي (بابو اللمبة) واسراره اضافة لبقية الانواع الاخرى مثل الامبيرال والسيرا والتسنكهاوس والفرويكتك الانلكيزي والفليبس التي احتفظ بعدد كبير منها تعود صناعتها الى الثلاثينيات من القرن الماضي كما ان اسعارها الان بعد عملية التصليح تصل الى 500 الف دينار وانواع اخرى ممثل (الباي) الذي يصل سعره الى المليون دينار عراقي واخر ابو (الكير) وهناك انواع اخرى غريبة بعض الشيء وهو راديو يعمل على مادة النفط الذي تم استيراده في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم وهذا الراديو يعمل بحرارة (لاله) تولد (9 ونصف فولت) ويشكل على الجهاز من خلال خلية دائرية مربوطة باسلاك كهربائية تنقل تلك الطاقة الى الراديو
598 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع