برقية فيصل لناصر أغضبت عبدالإله والسعيد
بقلم/ياسين الحسيني
عندما جلت القوات البريطانية والفرنسية بعد العدوان الثلاثي مع ربيبهم الكيان الصهيوني عن ارض مصر العربية، قابل الشعب العربي والدول الصديقة انسحاب الجيوش المعتدية عن بور سعيد بفرح عظيم وابتهاج بالغين.
ومعلوم أنه كان سبب العدوان هو تأميم قناة السويس من قبل الزعيم جمال عبدالناصر.
وقد أبرق المرحوم الملك فيصل الثاني الى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر البرقية التالية، ولم يخبر خاله عبدالاله أو نوري السعيد بذلك.
ونص البرقية يقول:
((حضرة صاحب السيادة الرئيس جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية العربية المصرية - القاهرة.
تلقيت بسرور بالغ نبأ انسحاب القوات المعتدية من بور سعيد، واني انتهز هذه المناسبة لأعرب لسيادتكم وللشعب المصري الكريم عن اصدق مشاعر الاغتباط والاعجاب. راجيا ان يتحقق في وقت قريب بفضل تضافر جهود العرب ووحدة كلمتهم جلاء قوات الغدر الاسرائيلية عن صحراء سيناء وقطاع غزة، لتعود هذه الاراضي العربية الى احضان وطننا العربي.
فيصل)).
وقد تلقى الملك فيصل الثاني من الرئيس جمال عبدالناصر الجواب التالي:
((جلالة الملك فيصل الثاني، ملك العراق- بغداد
اشكر جلالتكم أجمل الشكر على برقيتكم الرقيقة التي حملت إليَّ كريم تهنئتكم وصادق مشاعركم بمناسبة خروج الاعداء من بور سعيد. وان كفاح مصر المجيدة في معركة الحرية والكرامة قد انقذ الامة العربية من المستعمرين ومآربهم، وان انسحاب قوى الشر والعدوان من ارض بور سعيد المدينة الخالدة رمز البطولة والفداء وقد أعزَّ جانب العروبة وصان للشعوب العربية كيانها. وانه لمن أحب أمانيَّ ان تتوحد كلمة العرب وتتساند قواهم لإعلاء مكانة القومية العربية، وتدعيم سيادتها، واني لأتمنى لكم قلبيا الصحة والسعادة والهناء، وللشعب العراقي الشقيق المجد والسؤدد والازدهار، والله اسأل أن يلهمنا سبل الرشاد، ويتم علينا نعمة الوئام والتضامن، ويأخذ بأيدينا جميعا لما فيه خير الامة العربية ووحدتها.
جمال عبد الناصر)).
رئيس وزراء بريطانيا/أنطوني ايدن
وقد علق الكاتب الفرنسي بنوه ميشان في كتابه ربيع العرب مايلي:
((يوم أمم عبدالناصر شركة قناة السويس، كان نوري السعيد في لندن، وكان يتناول طعام العشاء ومعه الملك فيصل الثاني على مائدة ايدن رئيس وزراء بريطانيا عندما اعلن جمال عبدالناصر نبأ تأميم قناة السويس، حتى صاح مخاطبا ايدن: أضربه الآن يا انطوني ايدن، واضربه بقوة، وأنا أضمن لك ان العراق لن يتحرك.
اما الملك فيصل الثاني فلم يتفوه في تلك اللحظات بأي كلمة، بل ظل صامتا ومصغيا الى أقوال نوري السعيد ونبراته المنفعلة المهتاجة.
وقد اعتبر نوري السعيد البرقية ردا قاسيا على ما تفوه به في وليمة رئيس وزراء بريطانيا ايدن الذي كان نهاية لحياته السياسية الى الابد)).
أما عبدالاله فأخذ يؤنب رئيس التشريفات الذي لم يُطلعه على البرقية، والمعروف من عبدالاله انه قد وضع قيوداً على مراسلات وتحركات المرحوم الملك فيصل الثاني حتى المكالمات الهاتفية. وقد اكتشف بعدئذ ان أحد سواق سيارات البلاط هو الذي ارسل البرقية من بريد بغداد المركزي، وقد عاقبه عبدالاله وطرده من خدمة البلاط.
ويقول الملك حسين في مذكراته عن الملك فيصل الثاني:((كان تأثير ولي العهد في فيصل من العمق بحيث بقي الرئيس الفعلي على الرغم من انه لم يكن يملك الكثير من الشعبية، إلا انه كان يتمتع بسلطة واسعة، احتفظ بها حتى آخر يوم في حياته، ولعل ما يؤسفني جد الاسف انني شخصيا لم اكن مع ولي العهد على صلة ودية وان كانت تقاليدنا شديدة الدقة في ما يتعلق بالاحترام الواجب عند كبار السن إلا انه كان يصعب علينا احيانا ان نتقيد بها، كما تعود برودة العلاقات بيننا الى حادث وقع في سانت هيرست مع الملك الشهيد فيصل الثاني رحمه الله رحمة واسعة)).
1006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع